“عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية ستؤدي إلى استئناف ملف التطبيع مع "إسرائيل" في المنطقة العربية، وتزيد من الدعم الذي تقدمه واشنطن لتل أبيب في حر الإبادة التي يرتكبها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتعزز العدوان على لبنان”.
هذا ما رآه 3 خبراء عرب تعليقا على العهدة الرئاسية الأمريكية الجديدة التي يتولاها ترامب بعد فوزه بالمنصب مجددا، وانعكاساتها على المنطقة العربية أزماتها.
وعن مآلات ذلك، يقول رئيس مركز رؤية للتنمية السياسية أحمد عطاونة، إن عودة ترامب ستفتح من جديد مجموعة من المشاريع التي بدأها في دورته السابقة (2017- 2021)، وتم تعطيلها خلال فترة الإدارة الديمقراطية”.
تمرير مخططات نتنياهو
فيما يتعلق بالشق الفلسطيني، يضيف: “هناك خطر حقيقي لعودة ما عرف بصفقة القرن، والتي كانت تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، والمقصود هنا أن يسمح للاحتلال الإسرائيلي بفرض سياساته في قطاع غزة والضفة الغربية”.
ويوضح أن “ترامب سيعمل بكل جهده على تمرير سياسات الحكومة الفاشية المتطرفة التي تحكم الكيان الصهيوني (برئاسة بنيامين نتنياهو)، مثل ضم مناطق في الضفة الغربية، ومحاولة إملاء بعض الحلول الجزئية على الأرض”.
عطاونة يشير إلى أن “هذا لا يعني بالضرورة نجاح هذه السياسات، لأن الشعب الفلسطيني سيستمر في مقاومته لأي مشاريع تصفية للقضية، ولن يسمح بذلك مهما كلفه ذلك من ثمن”.
وعن سياسة ترامب على صعيد المنطقة، يرى أن “ترامب سيبذل جهدا وضغوطا جدية على الأطراف المختلفة من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، لكن بما يخدم أمن ومصالح تل أبيب”.
ويتابع: “قد يمارس الضغط المباشر على الأطراف المنخرطة في الصراع، بمعنى الاستمرار في تسليح إسرائيل وتزويدها بالإمكانيات للمواجهة في لبنان وفي قطاع غزة”.
وينبه إلى أن “هناك ضغوطا أخرى، قد تكون على إيران وبعض الدول في المنطقة العربية لكي تضغط من أجل وقف إطلاق النار بما يخدم مصالح إسرائيل”.
ويرجح عطاونة “عودة التطبيع الإجباري لبعض القوى العربية، وقد يدفع ترامب بشكل جدي وكبير من أجل تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية دون الالتفات كثيرا إلى مصلحة الفلسطينيين”.
ويختم حديثه بالقول إن ترامب “جاء بدعم من اليمين الأمريكي، وبالتالي سيكون أكثر انسجاما مع الحكومة اليمينية الفاشية في إسرائيل، وهذا يشكل خطرا جديا على المنطقة، ويحتاج إلى تماسك وتعاضد الدول العربية والإسلامية”.
وفي أكثر من مناسبة، أكد مسؤولون سعوديون أنه لا يمكن تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب إلا بعد إقامة الدولة الفلسطينية.
وخلال ولاية ترامب السابقة، وبإشراف مباشر من الولايات المتحدة، وقّعت إسرائيل مع الإمارات والبحرين، في البيت الأبيض بواشنطن منتصف سبتمبر/ أيلول 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات، وذلك بعد مرور 26 عاما على آخر اتفاق وقعته إسرائيل مع دولة عربية وهي الأردن.
ولاحقا في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعلن المغرب استئناف علاقاته مع إسرائيل بعد أن علقها في العام 2000، وترقيتها إلى علاقات رسمية تشمل تبادل السفراء والسفارات.
إيران أمام مفترق طرق
من ناحيته، يقول أستاذ الشؤون الدولية بجامعة قطر علي باكير: “هناك انتصار ساحق لترامب، ليس على مستوى الانتخابات الرئاسية إنما أيضا في الكونغرس ومجلس الشيوخ، ومن الواضح أن هذا سيعطيه دفعة قوية لولايته القادمة، وسيمكنه من إحداث التغييرات التي يسعى إليها”.
ويصف باكير ترامب بأنه “شخص غير متزن، إلا أن التجربة السابقة ممكن أن تعطينا فكرة عن السياسات التي قد يتبعها في المنطقة”.
ويؤكد أن “دعمه لإسرائيل لن يقل عن الدعم الذي قدمه الديمقراطيون، بل سيزيد، وقد يسعى خلال ولايته إلى إبرام تسويات أسوأ من الحروب”.
ويستشهد على ذلك بالقول إن “التسوية التي حاول فرضها بصفقة القرن كانت مقدمة لما يحصل الآن في المنطقة من تفاعلات سلبية وحرب إبادة إسرائيلية بحق الفلسطينيين، وبالتالي فإن التسويات التي قد يفرضها ربما تكون مقدمة لحروب أسوأ”.
وبعد نحو شهرين، سيغادر الجمهوريون البيت الأبيض، تاركين خلفهم دعما مطلقا قدموه لإسرائيل في إبادتها لقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أسفر عن نحو 146 ألف قتيل وجريح فلسطيني، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم، وهو ما اعتبره الفلسطينيون مسؤولية مباشرة لواشنطن وضوءا أخضر لتل أبيب في المجازر المتواصلة.
وفيما يتعلق بالملف الإيراني، يؤكد الأكاديمي أن “طهران ستجد صعوبة في التعامل مع ترامب، وهذا سيزيد الأمور تعقيدا بالنسبة للحسابات الإيرانية، وسيضغط على النظام في طهران بشكل كبير قد يحجمه إقليميا”.
ويضيف باكير: “في حال حاول النظام الإيراني اللجوء لسياسته التقليدية فقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب إقليمية”.
أما خليجيا، فيقول باكير إن “ترامب كان جزءا أساسيا من الأزمة الخليجية 2017، ورغم أن البعض لا يتوقع أن تعاد نفس الكرة، لكن يجب الاستعداد لجميع السيناريوهات”.
ومستدلا على صحة كلامه، يؤكد باكير أن “الأشخاص الذين كانوا إبان الأزمة السابقة لا يزالون موجودين في السلطة، وصهره جاريد كوشنر سيكون جزءا أساسيا أيضا من تحركاته الإقليمية، وهو يتمتع بعلاقات ممتازة جدا مع الإمارات والسعودية”.
ويرجح الأكاديمي حدوث “تنافس خليجي- خليجي على كسب ود ترامب، وشراء نفوذ داخل أمريكا، وهذا ينعكس سلبا على وضع دول المنطقة”.
العراق أيضا
أما الكاتب والباحث العراقي نظير الكندوري، فيقول: “أصبح واضحا مدى تأثير أحداث الشرق الأوسط وبالأخص الإبادة الإسرائيلية في غزة على نتائج الانتخابات الأمريكية، وبالتالي نحن أمام مرحلة ستشهد انقلابا في السياسة الأمريكية”.
ويعتبر الكندوري أن “هذا الانقلاب السياسي لن يكون تأثيره على داخل الولايات المتحدة فحسب، إنما سيكون تأثيره أيضا على الكثير من المناطق بالعالم ومنها بالتأكيد منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي والعراق”.
ومن زاوية مغايرة، يرى الكندوري أن “وصول ترامب للرئاسة سيعجل من نهاية الإبادة الإسرائيلية في غزة والعدوان على لبنان”.
ويردف مفسرا: “يجب ألا نعتمد على الشعارات التي كان يرفعها خلال حملته الانتخابية التي أبدى فيها تأييدا غير محدود لنتنياهو في حربه على غزة، هو رجل لا يريد الحروب ويجنح إلى الحلول السلمية عبر الصفقات”.
ويرجح الباحث العراقي أن تستأنف اتفاقيات التطبيع بين دول عربية لا سيما في الخليج وإسرائيل.
وفيما يخص بلاده، يقول الكندوري إن “أمر العراق متعلق بسياسة واشنطن تجاه إيران، على اعتبار أن إيران تمتلك نفوذا كبيرا بالعراق، وبالتالي فإن المتوقع من سياسة ترامب تجاه إيران، المزيد من التشدد وفرض عقوبات إضافية عليها”.
ويستدرك: “هذا لا يعني أنه سوف يدخل معها في حرب، بل من المرجح أن يشدد ترامب في تعامله مع القيادة السياسية العراقية المقربة من إيران لعزلها عن الأخيرة، ومن المتوقع أن يعمل على تحييد الميليشيات المنتشرة”.
ويلفت إلى أن “القيادة السياسية في العراق ومعها الميليشيات المدعومة من إيران، إذا لم تتكيف مع الوضع الجديد الذي حصل في البيت الأبيض، فإن مصيرهم ربما سيكون في طريقه للتغيير”، مذكرا بأن واشنطن وفي عهدة ترامب السابقة، اغتالت قاسم سليماني رئيس فيلق القدس السابق، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
ويختم حديثه بالقول: “من المتوقع أن تقوم النخب السياسية العراقية ومعها الميليشيات بالانحناء للعاصفة ومحاولة استرضاء أمريكا أو التحايل على عقوباتها، وعكس ذلك فإن ترامب لن يتوانى عن العمل لإحداث تغييرات جوهرية في العملية السياسية العراقية لتتوافق مع سياسات واشنطن”.
(الأناضول)