ما بين تاريخَين، بين الذكرى الثالثة والعشرين على صدور القرار نهاية تشرين الأول العام 2000، الذي أعلن فيه الاتحاد العام للمرأة والائتلاف عن فشل القرار 1325 المذكور في حماية المرأة الفلسطينية، وبين الذكرى الرابعة والعشرين وإعلان ذات الجهات عن عجزه المقيم عن توفير بيئة مناسبة ليس فقط لمساءلة وحماية النساء، لعدم تطبيق القرارات ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الصادرة عن ذات الجهة الدولية، التي تتسم بالضعف وعدم الجاهزية لتوفير البيئة الصحية للعمل بركائزه الأخرى، ابتداءً من تمكين النساء من المشاركة في صنع السلام في ظل حرمان ممثلي الشعب، بصرف النظر عن جنسهم، من تقرير مصيرهم على أرضهم، بسبب ارتباطه بالقرارات الدولية ذات الصلة وتشاركهما العجز من طبيعة واحدة.
الفشل في تطبيق القرار انعكاس للعجز العالمي، فالعالم لم يمكّن الفلسطينيات من تجاوز البشاعة، فكيف سيتمكن من يعيشون المجزرة من العودة إلى حياتهم الطبيعية حين تنتهي الحرب إذ قُدر لها الانتهاء وجمع الشتات؟ كيف سيتذكرون من رحلوا شهداء، ومن جرحوا، ومن فقدوا أطرافاً من أجسادهم؟ وما هي الذكريات التي سيختزنونها في أعماقهم من هذه الحرب التي يحاول فيها الأعداء أن يستغلوا تفوقهم العسكري القاتل من أجل إدارة عملية تطهير عرقي بلا أدنى شعور بالإنسانية؟
لقد استشهد القرار بعد أربعة وعشرين عاماً على أرض فلسطين المحتلة، بعد أن تم قصفه وتدميره وحرقه وسحله، بقيت أشلاؤه تحت ركام المنازل وبيوت الإيواء، تشرد ونزح من خيمة إلى خيمة، من مكان غير آمن إلى مكان أقل أمناً، ومؤخراً تم اعتقاله في زمن يخلو من الوقت، إنه الزمن الذي يكتب فيه الشهداء أسماءهم على أجسادهم، وعلى الأكفان، وعلى ما تبقى من أشلاء بلا ملامح.. هؤلاء لم تكن رغبتهم أكثر من أن يحظوا بوداع أخير بين أحضان من بقي من عائلاتهم على قيد الحياة، لم يسمع أنينهم أحد، وغفلوا في ازدحام الموت عن تسجيل وصيتهم الأخيرة.
لم تكن إبادة الشعب فقط، بل مثلت إبادة للأخلاق والقيم والمُثُل الإنسانية، إنها مجزرة شاملة ومتكررة تضرب الأرض بينما يتهادى العالم بينما يقوم بدور الشاهد على القتل المتواصل، مدركاً عارفاً أنه أمام شعب كله بمثابة مشاريع شهداء، والكلّ في غزة مشاريع شهداء على عجل تحت أبصار قادة العالم الحرّ.
فيا قادة العالم «الحرّ»: نحن نختلف معكم على المصطلح ومعانيه، بإمكانكم وصف أنفسكم كما تشاؤون من مواصفات وألقاب، ولكن لا يمكنكم التنصل من استحقاقاته ومعانيه الحقيقية، فلم يتم اختياره عبثاً، يمكنكم أن تمنحوا الاحتلال حق التهام ما تبقّى من أشلاء الشعب الفلسطيني في غزة، ولكن لا يمكنكم مواصلة تزوير معاني ومواصفات المصطلح وقدسيّته. يمكنكم أن تستسلموا لابتزاز الاحتلال وشهيته المفتوحة على القتل، ولكن لا يمكنكم أن تدّعوا التزامكم بالقانون الدولي الإنساني والاستمرار بعقد الاجتماعات وتبادل الابتسامات الدبلوماسية بينما تعرفون بفداحة الجريمة المرتكبة للتوّ، لأن التعامي لن ينقذكم وسيضعكم في موقع المشارك بالإبادة وتمريرها وعدم إيقافها.
اليوم، وقد مضى 393 يوماً على حرب الإبادة الجماعية، لنتوقف قليلاً من أجل وضع النقاط على الحروف التائهة، لنعلن أن لهيب حرب الإبادة قد وصل إلى إبادة القيم والأخلاق المزعومة لمن ساهموا في وضع القيم وتنكروا لها، بينما حياة النساء في غزة اللواتي يدعي القرار أنه مخصص لحمايتهن، مجرد تدريب على الموت.