بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، يقوم وزير الخارجية الفرنسي، نويل بارو، بزيارةٍ للبنان، يُجري خلالها محادثات مع المسؤولين اللّبنانيّين، من أجل البحث في إمكان التوصل إلى حلّ سياسي يُنهي الحرب الدائرة حالياً.
في المقابل، ما انفكّ "الجيش" الإسرائيلي يهدد باجتياح برّي للبنان فيما يسميه "عملية برّية محدودة في عمق الأراضي اللبنانية"، في ظل اقتناع الجميع بأن هناك احتمالاً كبيراً لتوسّع الردود من لبنان ومحور المقاومة على اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، في الضاحية. ونقلت صحيفة "معاريف"، عن مصادر إسرائيلية مطلعة، قولها إن "قرار العملية البرية في لبنان لم يُتَّخَذْ بعدُ، لكن الجيش مستعد لذلك". وذكرت أن "العملية البرية في لبنان ستكون محدودة في حال المصادقة عليها".
منذ حرب تموز عام 2006، تستعد "إسرائيل" لحرب مع لبنان، وقامت من أجل ذلك بمناورات كبرى عسكرية تحاكي حرباً ضدّ لبنان، في عدّة أماكن، منها في قبرص. وقامت بتعزيز الجبهة الداخلية، وبنت الملاجئ، وجهّزت المستشفيات بملاجئ، ونقلت حاويات الأمونيا من حيفا، وعززت دفاعاتها الجويّة.
وانطلاقاً من مبدأ الحروب، القائل بتعزيز قوتك ومحاولة إضعاف خصمك ومنعه من اكتساب القوة، قامت باعتماد استراتيجية "المعركة بين الحروب" منذ عام 2013، أي بعد تدخّل حزب الله في سوريا - لاحقاً، اعتمدتها رسمياً في وثيقة الجيش الاستراتيجية الصادرة عام 2015 - والتي تُصنف بأنها عمليات عسكرية تحت عتبة الحرب.
كانت استراتيجية المعركة بين الحروب تهدف إلى إضعاف قدرات الحزب، من خلال منع نقل أسلحة متطورة من طهران إلى لبنان، ومنعه من تأسيس بنية تحتية عسكرية راسخة في جنوبي سوريا، وإضعافه بصورة تؤدي إلى ارهاقه ومنعه من مراكمة القدرات تحضيراً للحرب المقبلة، عبر استهداف تلك الشحنات في سوريا، والتعاون مع الأميركيين على تجفيف منابع التمويل (سياسة العقوبات والتعقّب والضغوط القصوى).
في التقويم الموضوعي للمعركة بين الحروب، يتبين أنها لم تنجح في منع حزب الله من تعزيز ترسانته العسكرية، فزاد عدد الصواريخ عما كان عليه العدد في حرب تموز 2006، وامتلك القدرات التقنية وطوّر صواريخه وأقام الأنفاق، وامتلك الصواريخ الدقيقة، بالإضافة إلى قيام الحزب بتصنيع الطائرات المسيّرة محلياً... إلخ.
وبالعودة إلى الحرب البرّية، التي يهدد الإسرائيلي بشنّها على لبنان، يمكن أن نستنتج أن أهدافها يمكن أن تكون على النحو التالي:
1- إبعاد حزب الله عن الحدود مع شمالي فلسطين المحتلة، وصولاً إلى جنوبي الليطاني.
2- جعل منطقة جنوبي الليطاني خالية من السلاح ومن الوجود العسكري للحزب.
3- إعادة سكان المستوطنات إلى الشمال.
4- منح اليونيفيل (أو قوى دولية أخرى) حرية التفتيش عن السلاح ومداهمة المخازن ومصادرة الأسلحة.
5- التشدد في مراقبة تهريب السلاح عبر الحدود السورية اللبنانية.
لكن الحرب الإسرائيلية البرّية ستكون مكلفة بالطبع، ولن يكون في مقدور "الجيش" الإسرائيلي إنهاؤها في مدة محدودة، كما يهدد ويتوعد، إضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يضع في الحسبان تحوّل تلك الحرب إلى حرب طويلة ومعركة استنزاف مكلفة جداً، فالجيوش النظامية عادةً لا تستطيع أن تنجح في حروب لامتماثلة، وخصوصاً إذا استُخدم فيها أسلوب حرب العصابات، مع العلم بأن الجغرافيا تلعب لمصلحة المقاومين من أهل الأرض.
ومع تحوّل الحرب إلى حرب استنزاف، سيضع "الجيش" الإسرائيلي في حسابه عدم قدرته على إلحاق هزيمة بحزب الله، كما حدث في حرب تموز 2006، وهو ما سيجعل الحزب أقوى مما كان عليه قبل هذه الحرب.
زد على ذلك احتمال أن تنخرط قوى المقاومة جميعها في هذه الحرب، وفتح جبهات متعددة لن تستطيع "إسرائيل" الصمود فيها.
وفي ذهن الإسرائيلي تاريخ مرير مع اجتياح لبنان. ففي عام 1982، قامت "إسرائيل" باجتياح لبنان، وحاصرت بيروت، واحتلت أول عاصمة عربية على الإطلاق.
لكن، ما إن بدأت المقاومة اللبنانية تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي حتى انسحب الإسرائيليون من بيروت، وأقاموا حزاماً أمنياً في الجنوب اللبناني.
واستمرت المقاومة اللبنانية في الجنوب في تنفيذ عمليات ضد "جيش" الاحتلال حتى طردته من لبنان منهزماً عام 2000.
إذاً، الحرب البرّية، التي تهدد بها "إسرائيل" ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج، ويخشاها الإسرائيلي على الرغم من تهديده بها.
لذا، سيحاول الأميركيون الضغط على لبنان، سواء مباشرة أو عبر الفرنسيين، لتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية المذكورة أعلاه. وعليه، على اللبنانيين الحذر من أن تحصل "إسرائيل"، عبر السياسة والضغوط الدبلوماسية، ما لا تستطيع أن تحققه بالحرب.