Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

مساهمة الجبهة الشمالية: الإسناد بوصفه محاصَرة لحكومة الحرب

56qZc.png
فلسطين اليوم

شكّلت الجبهة الشمالية، منذ اندلاع الحرب في غزّة، غداة الثامن من أكتوبر الماضي، منصّة الإسناد الرئيسية للمقاومة الفلسطينية. الأعمال القتالية التي قادها حزب الله فيها، على نحو متصاعد ومنهجي، كانت تهدف بشكل رئيسي إلى تخفيف الضغط عن ميدان القتال المركزي مع الصهاينة في غزّة، سواء لجهة إيقاع خسائر في البنية التحتية العسكرية والمعلوماتية للقطع العسكرية المتمركزة قرب الحدود الشمالية مع لبنان، أو لناحية إرغام الإسرائيليين على نقل بعضٍ من ثقلهم العسكري إلى هناك، بحيث لا يكون ثِقَل الآلة العسكرية الصهيونية متركّزاً في غزّة لوحدها. وقد حافظت الجبهة هناك على طابعها ذاك، طوال الأشهر التي سبقت التصعيد الحالي في لبنان، مع تحوّلات تحصل بين الفينة والأخرى، لزيادة وتيرة الضغط العسكري على إسرائيل، كلّما ضاعفَت من محاولات إطباقها على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة.

التدرُّج في عمليات الإسناد

هذا جعلها ليس فقط الجبهة الأكثر فاعلية في المعركة المندلعة منذ الثامن من أكتوبر الماضي، مقارنةً بجبهات أبعَد في اليمن والعراق، بل أيضاً مصدر الأرَق الرئيسي لإسرائيل، في حربها الإبادية ضدّ المقاومة الفلسطينية.

وفاعلية الإسناد هنا تجاوزَت، بفعل طبيعة المعركة وجغرافيّتها على الحدود الشماليّة، المهمّة المركزية الخاصّة بدعم المقاومة الفلسطينية وتخفيف الضغط العسكري الصهيوني عنها، إلى التسبُّب بأضرار واسعة النطاق للمستوطنات الصهيونية القريبة من الحدود الشمالية، والواقعة في نطاق الاشتباك بينها وبين الجيش الإسرائيلي.

تَبِعاتُ ذلك على الجبهة الداخلية في إسرائيل كانت كبيرة، لجهة حجم النزوح الذي حصل من المستوطنات باتجاه الداخل الإسرائيلي، وتعطيل مرافق الحياة كافّة هناك، إلى درجة إصابة اقتصاد تلك المناطق بالشلل الكامل. وهو ما فاقَم من أزمة الاقتصاد الإسرائيلي، المتعطّل أصلاً بفعل الحرب مع المقاومة الفلسطينية، وما أفضَت إليه من زيادة في العجز المالي وارتفاع في نسب البطالة، وصولاً إلى حصول تباطؤ كبير في النموّ نفسه.

هذا لم يحدث بالقدر نفسه مع الجبهات الأخرى، بفعل البعد الجغرافي، وإن كان تأثيرها ملحوظاً هي الأخرى، لناحية القدرة الصاروخية (إلى جانب المسيّرات)، على الوصول إلى المنافذ البحرية في إسرائيل، ولا سيّما جنوباً على البحر الأحمر، بغرض إحداث شلل جزئي أو كلّي، في حركة النقل البحري، من إسرائيل وإليها.

الطابع القيادي للجبهة الشمالية بهذا المعنى، حتى في الدفع باتجاه الوجهة الاقتصادية للمعركة، مع الانعطافة التي اتخذتها بعد فرض «أنصار الله» حصاراً بحرياً على «إسرائيل»، سرّع في تغيير طبيعة الصراع معها، إذ باتت أقرب إلى شكل المواجهة المباشرة، سواء جواً أو براً، أكثر منها في المحافظة على طابع القصف المتبادل عن بُعد.

الطابع السياسي للمواجهة

سياسياً، كان للجبهة الشمالية دورُها البارز أيضاً، وإن يكن غيرَ ملحوظٍ أو مباشر، في التأثير على عملية التفاوض الخاصّة بإبرام الهدن واتفاقات وقف إطلاق النار، طوال مدة المواجهات في غزّة. هذا الدور لم يكن منفصلاً عن المعركة العسكرية نفسها، فالإسناد الناري الحاصل شمالاً كان يضع على إسرائيل، بحكم فاعليّته المذكورة آنفاً، ضغطاً، يدفعها إلى تقديم تنازلات أثناء جولات التفاوض، التي كان يقودها الوسطاء، الدوليون والعرب.

الضغط من أجل إطلاق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، يقع في صُلب هذا الجهد المتواصل، لإرغام إسرائيل، إن لم يكن على إيقاف الحرب نهائياً عبر اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، فأقلّه لإبرام هُدَن، تتيح حصول عمليات تبادُل والسماح بتدفّقٍ أكبر للمساعدات إلى داخل قطاع غزّة.

والحال أنّ تعثّر هذا الجهد، بفعل التعنّت الكبير لحكومة نتنياهو ومعه مجلس الحرب الصهيوني، هو الذي قاد، ليس فقط إلى مواصلة الحرب على غزّة بطريقة تسمح بتدميرها كلياً بذريعة القضاء على الهيكل العسكري لـ«حماس»، بل أيضاً إلى تغيير طبيعة المواجهة في الشمال، من تبادلٍ لإطلاق النار إلى مواجهة استخباراتية تعتمد على الحرب السيبرانية، قبل أن يصل الأمر إلى مرحلة الحرب الجويّة الحاليّة.

خاتمة

المواجهة العسكرية في الشمال، قبل تطوِّرها إلى حرب سيبرانية ثمّ جويّة، كانت بهذا المعنى بمثابة حرب إسناد لمنع حربٍ أكبر في الإقليم، على اعتبار أنّ السياسة التي يقودها نتنياهو، ومعه مجلس الحرب، هي التي تقود إلى توسيع الحرب لتشمل الإقليم برمّته، وليس العكس. وهذا يعني أنّ وظيفة الجبهات، بالإضافة إلى الإسناد ومنع الاستفراد الصهيوني بالمقاومة الفلسطينية، كانت سياسيّة بالدرجة الأولى، وتتعلّق أساساً بكبح حكومة يقودها اليمين الصهيوني المتطرّف في إسرائيل، بدعم أميركي وغربي غير محدود، عبر محاصرتها عسكرياً، وحتى اقتصادياً، حتى لا تجرَّ الإقليم إلى حرب شاملة لا تكون فيها اليد العليا لمناهضي إسرائيل على الجبهات كافّة.

* كاتب سوري