ماذا بعد الآن؟... هذا التصعيد واحتمال تدهوره نحو مواجهة عسكرية شاملة جعل كثيرين يعيدون تأكيد أن إسرائيل غير قادرة على خوض حربٍ ضد حزب الله يمكن أن تتطوّر إلى حرب إقليمية تشمل إيران من دون دعم الولايات المتحدة.
بحسب تقارير إسرائيلية موثوقة، كان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حتى ما قبل أسبوع، معارضا مطلب نقل مركز الثقل الحربيّ من غزة إلى الجبهة الشمالية، والذي طرحته المؤسّسة الأمنية، مشترطةً للقيام به التوصّل إلى صفقة تبادل مع حركة حماس تسفر عن إطلاق المحتجزين الإسرائيليين، وعن وقف إطلاق النار. وما يبدو، كما تمثل عليه الوقائع المتدرجّة الجارية، وكما يروّج الناطقون بلسان نتنياهو، أنه تبنى هذا المطلب، إنما من دون قبول شرط المؤسسة الأمنية في ما يخص غزّة.
ومثلما نوّه أحد هذه التقارير، ثمّة، حاليا، مقاربة إجماعية لدى القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل، في حين أنه قبل أسبوعين كان هناك جدل حادّ بين نتنياهو والقيادة الأمنية ممثلة في وزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش، هرتسي هليفي، بشأن سلم الأولويات بين لبنان وغزّة، حيث عارض نتنياهو أن ينتقل الجيش إلى محورة قتاله في الجبهة الشمالية مع حزب الله.
وحتى موعد إضافة حكومة نتنياهو هدف "إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان" إلى أهداف الحرب، قبل أكثر من أسبوع، كانت منطقة الشمال بمثابة جبهة ثانوية في سياق الحرب على غزّة، وكان الهدف الذي وُضع للجيش فيها هو ما وصف بأنه "دفاع هجومي" فقط. أما حالياً، فقد أوضح غالانت أن الحرب دخلت مرحلة جديدة. وصرّح هليفي بأن المراحل المقبلة باتت جاهزة، والجيش مستعد للذهاب حتى النهاية. كما أن نقل لواء 98 في الجيش الإسرائيلي من الجنوب إلى الشمال هو بمنزلة إعلان نيات واضحة في هذا الاتجاه.
أما في ما يخص نتنياهو، فلا بُدّ من رؤية أن تغيّر موقفه من سلم أولويات الحرب بين غزّة ولبنان يعكس رهاناً على تحقيق منافع سياسية محضة يمكن أن نشير إلى ما بدأ يرتسم منها منذ الآن: أولاً، صرف الاهتمام عن سيرورة الحرب في غزّة، وبالأساس عن مآل قضية المخطوفين الإسرائيليين في القطاع الذين يثبت يوما بعد يوم أن إطلاقهم غير متيسّر عبر تشديد الضغط العسكري وتصعيد حرب الإبادة. ثانيا، إعادة "اللحمة" إلى صفوف المجتمع الإسرائيلي التي افتقدت، بكيفيةٍ ما، على خلفية الإخفاق في إطلاق المخطوفين، فحالة الإجماع القومي هي سيدة الموقف إزاء تصعيد القتال ضد حزب الله بشتى الوسائل، بدءاً من العمليات التي استهدفت الحزب ومعظم قادته العسكريين إلى جانب استهداف شبكة الاتصالات والاستدعاءات التي بحيازته، وصولًا إلى ادّعاء ضرب ترسانة صواريخه، ولا سيما الدقيقة.
ومثلما جاء في مقال لأحد كتّاب الرأي الإسرائيليين، تعزّز هذه الحرب المتدرجة على لبنان من نفوذ نتنياهو في الحلبة السياسية أكثر من أي إجراء حربي آخر. وهي تجعل الحرب على غزّة، بالرغم من إخفاقاتها التي لا تُحصى، شيئًا من الماضي، وتفتح صفحة جديدة. وبنظرة سريعة إلى الحلبة السياسية الإسرائيلية الداخلية يمكن ملاحظة تشكّل إجماع مؤيّد للحرب يتجاوز كل الأحزاب. ومن الناحية العملية أمسى تحت تصرّف نتنياهو الآن حكومة وحدة وطنية يمتد طيفها السياسي من أقصى الوسط إلى أقصى اليمين، فضلاً عن تجنّد وسائل الإعلام أيضا.
ماذا بعد الآن؟... هذا التصعيد واحتمال تدهوره نحو مواجهة عسكرية شاملة جعل كثيرين يعيدون تأكيد أن إسرائيل غير قادرة على خوض حربٍ ضد حزب الله يمكن أن تتطوّر إلى حرب إقليمية تشمل إيران من دون دعم الولايات المتحدة. وهذا الاعتبار هو يأخذه صنّاع القرار في حساباتهم، وتجري مناقشته على أعلى المستويات بين الدولتين.
كذلك لم تُصرف الأنظار كليّا عن الارتباط بين الجبهتين في غزة ولبنان، وعن حقيقة أن إسرائيل ما زالت عالقة فيهما في ما توصف بأنها "عملية ليست مكتملة"، ففي غزّة لم يجر إنهاء القتال لمصلحة إعادة المحتجزين، أمّا في الشمال فمنذ نحو عام هناك 90 ألف نازح من منازلهم، ولا يوجد حل سياسي، بل تتعزّز احتمالات الحرب.