تعودنا مع كل فشل للمفاوضات ان تقوم اسرائيل بشن حملة تحريض على الشعب والقيادة الفلسطينية، وكذلك القيام بحملة انتهاكات واسعة بحق الشعب الفلسطيني، تطال البشر والشجر والحجر،
تشارك فيها دولة الاحتلال بكل مستوياتها واجهزتها، فلعل الجميع يذكر بعد ان أفشلت اسرائيل محادثات كامب ديفيد /2000 في واشنطن، ولم تقدم اي تنازل جدي من اجل السلام، يلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام/1967، كيف أقدم رئيس وزرائها السابق شارون على اقتحام المسجد الأقصى، ومن ثم جرى توجيه الاتهامات للرئيس الراحل الشهيد أبو عمار، بأنه ليس شريكاً لما يسمى بالسلام، واتهم عبر حملة منسقة بين واشنطن وتل أبيب وتواطؤ غربي اوروبي، بأنه داعم لما يسمى بالإرهاب، أي المقاومة الفلسطينية، ولتجري من بعد ذلك محاصرته في مقر المقاطعة برام الله، وعندما أصرّ على التمسك بالحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية جرت تصفيته من خلال دس السم له.
والآن واضح جداً بأن القيادة الإسرائيلية تلجأ لنفس الأسلوب والممارسة، فهي تدرك تماماً بأن كيري لم ولن يحقق اي اختراق جدي في العملية التفاوضية، فهي مصرة على معاندة الحقائق، وعلى ان تبقى دولة فوق القانون الدولي، وهي تريد هذه المفاوضات من اجل فرض حقائق ووقائع جديدة واستمرار الإستيطان والإحتلال، وبالتالي تستعد لهذا الفشل بشن حملة تحريض وانتهاكات واسعة بحق القيادة والشعب الفلسطيني، وقد إفتتح هذا المزاد التحريضي الذي تعودنا عليه كفلسطينيين، رئيس وزراء دولة الإحتلال نتنياهو بالقول، بأن الرئيس عباس غير معني بالعملية السلمية، ومن ثم توالت التصريحات من قبل أركان الحكومة الإسرائيلية التي تعزف على نفس الوتر والنغمة، والتي تحرّض على القيادة الفلسطينية وتتهمها باللاسامية والرافضة لـ"السلام" والداعمة لـ"الإرهاب" أي المقاومة الفلسطينية، فعلى سبيل المثال لا الحصر وزير الإقتصاد الإسرائيلي "نفتالي بنيت" زعيم حزب ‘البيت اليهودي’ قال:- بأن الرئيس عباس لا يريد السلام مع إسرائيل، وبأنه لا يختلف عن الرئيس الراحل ياسر عرفات سوى بالبدلة الأكثر جمالاً التي يظهر بها. وجاءت تصريحات بينت الثلاثاء الماضي عبر لقاء خاص مع الإذاعة الإسرائيلية "ريشت بيت"، اعتبر خلالها موقف عباس على أن تكون القدس الشرقية عاصمة فلسطين، وعدم قبوله ببقاء أي جندي اسرائيلي في غور الأردن ورفضه الإعتراف بإسرائيل دولة يهودية، يؤكد بأنه لا يرغب في السلام ولا يريد التوصل الى السلام’. ونفتالي بينت ليس الوحيد الذي حرّض ويحرّض على القيادة الفلسطينية، بل موشه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي قال أيضاً: - بأن استمرار عباس على رأس السلطة هو بفضل وجود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، منتقداً خطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للوصول للسلام بالمنطقة كونها لا تلبي متطلبات إسرائيل الأمنية ومهاجماً كيري نفسه!.
وكذلك إمعاناً في محاولة إذلال الشعب الفلسطيني وتركيعه، وتشجيع المستوطنين على استمرار ممارسة مسلسل العنف والترهيب بحق الشعب الفلسطيني، أقدم أيضاً الثلاثاء الماضي شرطي اسرائيلي وبرفقة عدد من المستوطنين على اعتراض موكب رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمدالله وهو قادم من نابلس الى رام الله ومحاولة تفتيش سيارته واحتجاز مرافقيه، وبررت اسرائيل فعلتها تلك بأن موكب الحمدالله يسير بسرعة كبيرة على الشارع، وهذا يشكل استفزازاً للمستوطنين، ويعتبر شكلا من أشكال السيادة الفلسطينية، وواضح ان عملية الاعتراض من قبل الشرطي والمستوطنين الاستفزازية، تريد الحكومة الإسرائيلية ان توصل من خلالها للفلسطينيين رسالة، بأن لا سيادة ولا حصانة للفلسطينيين، حتى لو كان الرئيس وليس رئيس الوزراء. وانها تدعم وتشجع المستوطنين على ممارسة انتهاكاتهم وتعدياتهم بحق الشعب الفلسطيني، حيث سبق ذلك اعتداءات المستوطنين على اراضي ومزروعات اهالي قريتي قصرة وقريوت، قبل ان يتمكن أهالي قصرة من احتجاز (19) من المستوطنين واذلالهم ومن ثم جرى إطلاق سراحهم بشكل مهين، وبعد ذلك أقدم المستوطنون او ما يسمى بجماعة "جباة الثمن" الإرهابية على محاولة حرق مسجد علي بن أبي طالب في قرية دير استيا في محافظة سلفيت، تلك الجماعة التي نفذت عشرات الإعتداءات بحق المساجد والكنائس الفلسطينية، وكذلك التعدي على الممتلكات والمقابر والسيارات العربية في القدس والضفة الغربية وحتى داخل الخط الأخضر، دون ان تحرك حكومة الإحتلال واجهزة مخابراتها ساكناً تجاه كل ذلك، ولتبلغ عربدة المستوطنين ذروتها بإقتحام المسجد الأقصى وصعود عضو الكنيست المتطرف "يهودا غليك" أمس الاول على ظهر قبة الصخرة المشرفة في تطور على درجة عالية من الخطورة، وبما يؤشر الى مدى الخطر الداهم الذي بات يهدد المسجد الأقصى من قبل تلك العصابات المجرمة والمدعومة والحاصلة على ضوء اخضر على كل ما تقوم به من ممارسات وإعتداءات وإستفزازات وإقتحامات يومية للمسجد الأقصى من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والمستويات السياسية والقضائية والتشريعية فيها، وكذلك وزراء واعضاء كنيست.
الأيام والفترة القادمة ستشهد حملة تحريض واعتداءات كبيرة وواسعة، ضد الشعب الفلسطيني والقيادة السياسية له، فإسرائيل غير المعنية في السلام والتي تعودت على إفشال كل الجهود والمبادرات الدولية والعربية في سبيل تبرير وإستمرار إستيطانها وإحتلالها للأرض العربية والفلسطينية، ستواصل الصراخ بالقول، بأن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني غير ناضجين لـ"السلام" ولا يريدون تقديم تنازلات من اجله، يريدون قيادة فلسطينية على شكل "كرزاي" أو المغدور لحد في جنوب لبنان، وروابط القرى في فلسطين، قيادة فلسطينية عميلة للإحتلال تخدم مصالحه، وتتنازل عن حقوق شعبها وثوابته، وهي لن تجد مثل هذه القيادة الفلسطينية، مهما أرادت ان تكون معتدلة تلك القيادة، فالقيادة التي ستتنازل عن حق العودة او تفرط بالقدس والأقصى والأسرى، سيلفظها شعبنا الفلسطيني، وسيلعنها الصغير قبل الكبير.