نتنياهو لا يريد أن يظهر أمام الرأي العامّ الأميركيّ والعالميّ بمظهر الرافض للصفقة والساعي لإطالة أمد الحرب بغرض إدامة بقائه في الحكم على حساب حياة الأسرى الإسرائيليّين، إضافة إلى أنّه يبتغي تلطيف الأجواء مع إدارة بايدن عشيّة الزيارة...
على وقع التصعيد الحاصل في الجبهة الشماليّة والمفتوح على كافّة الاحتمالات، كشفت صحيفة "واشنطن بوست" ما وصفته بالمخزون التسليحيّ لحزب اللّه، والّذي يضمّ صواريخ مجنّحة وغير مجنّحة، مدافع ضدّ الدبّابات، صواريخ بالستيّة وصواريخ مضادّة للسفن ومسيرات قادرة على حمل المتفجّرات.
وتقدّر الصحيفة أنّ الحزب يمتلك 130-150 ألف صاروخ غالبيّتها غير موجّهة، ومن شأن إطلاقها بكمّيّات كبيرة التسبّب بأضرار كبيرة لشبكة الدفاع الجوّيّ الإسرائيليّ، وبالمقارنة بقوّة حماس يبلغ حجم تسليح حزب اللّه أربعة أضعاف قوّة حماس، فيما تبلغ قوّته البشريّة ضعف قوّة الأخيرة حيث تقدّر بـ 100 ألف مقاتل.
من الواضح أنّ مثل هذه التسريبات في مثل هذه الأوقات تأتي لخدمة أهداف إسرائيليّة، خاصّة وأنّها تنشر في وسائل إعلام أميركيّة مؤيّدة لإسرائيل، وأنّها تسعى لحشد التأييد الدوليّ لإسرائيل في حربها العسكريّة والسياسيّة ضدّ المقاومة اللبنانيّة وتصويرها بأنّها في موقع الدفاع عن النفس، أمام "خطر" داهم من الشمال أيضًا لتعزيز الصورة الّتي طالما رسمتها إسرائيل لنفسها أمام العالم بأنّها الكيان الصغير المحاط بالأعداء العتاة.
وكانت قد ارتفعت في الآونة الأخيرة العديد من الأصوات الإسرائيليّة والأميركيّة الّتي تحذّر من مغامرة عسكريّة، قد يقوم بها على حدّ تعبير الجنرال احتياط يتسحّاك بريك، "ثالوث أبطال الخرافات" نتنياهو، غالانت وهليفي وأتباعهم في القيادتين السياسيّة والعسكريّة الّذين يرون أنّ الحرب هي الضمان الوحيد لاستمرارهم في مواقعهم.
بريك يرى أنّ حربًا على لبنان ستجلب الكارثة لإسرائيل، وأنّ الجيش الإسرائيليّ الّذي فشل في الانتصار على حماس لن يستطيع الانتصار على حزب اللّه الّذي يمتلك 150 ألف صاروخ وقذيفة ومسيرة، مشيرًا إلى أنّ استمرار الحرب في غزّة الّتي تؤدّي إلى استمرار القتال في الشمال لا تجلب أيّ حلّ، بل إنّها تؤدّي إلى تآكل الجيش والاقتصاد وعلاقات إسرائيل الخارجيّة ومناعتها القوميّة، وسيجرّ عاجلًا أم آجلًا إلى حرب إقليميّة تؤدّي إلى خراب إسرائيل.
مثل هذه الأصوات الّتي تحذّر من سياسة التصعيد المتعمّدة على الجبهة الشماليّة، بدأت ترتفع، بشكل خاصّ، بعد أن توسّعت دائرة صواريخ حزب اللّه لتصل إلى منطقة الجليل الأسفل وحدود مرج ابن عامر، وأخذت تجبي مزيدًا من الأثمان بالأرواح، الباحث في الشأن العسكريّ د. يجيل ليفي يقول في مقال نشرته "هآرتس" إنّ قادة الجيش يعلمون جيّدًا أنّ اغتيال قيادات في حزب اللّه لا يؤدّي أيّة مساهمة في أمن سكّان الشمال، وأنّ هذه الاغتيالات توفّر فقط مادّة اشتعال للتصعيد القادم، وتفضي إلى مزيد من التطرّف في الطرف الآخر...
ويرى ليفي أنّ الاغتيالات هي استخدام للوسائل العسكريّة بمعزل عن المنطق السياسيّ وبما يتعارض معه، وأنّ الهدف منها هو مجرّد إفراغ شحنات الإحباط الّتي يسبّبها الواقع الأمنيّ الجديد في غزّة، كون إسرائيل غير قادرة تحقيق أهدافها، وتوشك على إنهاء الحرب وحماس باقية على حرابها وهي (إسرائيل) مرتدعة، هكذا بكلّ بساطة، كما يقول.
من جهته انتقد الجنرال احتياط عاموس جلعاد هو الآخر توسيع دائرة سياسة الاغتيالات ضدّ قيادات حزب اللّه الميدانيّة قائلًا، إنّه بعد كلّ اغتيال يقوم حزب اللّه بتوسيع دائرة صواريخه وهو ما يقود إلى مزيد من التدهور، محذّرًا من تحوّل سياسة الاغتيال إلى هدف بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق الأهداف، ومؤكّدًا أنّه لن يكون اتّفاقًا في لبنان قبل أن يكون اتّفاقًا في غزّة وأنّ السنوار لن يقبل بما يعرضه عليه نتنياهو بأخذ أكبر عدد من الأسرى ومن ثمّ قتله، وذلك في إشارة إلى محاولات نتنياهو إحباط أيّ صفقة تبادل، وهو ما يردّده العديد من المعلّقين.
لكن رغم التشكيك المتزايد بنواياه تجاه إنجاز صفقة، دفع نتنياهو بالوفد الإسرائيليّ للمشاركة بكامل هيئته في المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى الجارية في القاهرة والدوحة بالتوازي سعيًا منه التوظيفها لخدمة زيارته القريبة لواشنطن وخطابه أمام الكونغرس.
فنتنياهو لا يريد أن يظهر أمام الرأي العامّ الأميركيّ والعالميّ بمظهر الرافض للصفقة والساعي لإطالة أمد الحرب بغرض إدامة بقائه في الحكم على حساب حياة الأسرى الإسرائيليّين، إضافة إلى أنّه يبتغي تلطيف الأجواء مع إدارة بايدن عشيّة الزيارة، وهو سيسعى لإطالة أمد المفاوضات إلى ما بعد خطابه في الكونغرس في الـ 24 من الشهر الجاري.