Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

صراع الاستراتيجيات وتحقيق الانتصار

kateb.jpeg
قناة فلسطين اليوم

في الثالث من نوفمبر أطل السيد حسن نصر الله بخطابة المتعلق بمعركة طوفان الأقصى, هذا الخطاب الذي انتظره الكثير في الداخل المحتل وفي العالم العربي والإسلامي والعالم, وتمنى الكثير أن ينهي السيد حسن خطابه وقد قطع يد الاحتلال وكف يدها عن الجرائم بحق الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء في غزة بالضربة القاضية.

لكن التمني شيء وصعوبة الخيارات في الميدان شيء آخر, وفي الحديث عن صعوبة الخيارات الميدانية بين الحرب المفتوحة والمشاغلة المكلفة تكمن الاستراتيجية التي تحدث عنها السيد حسن وهي تلك المتعلقة بحسم الصراع بالنقاط ومراكمة الإنجاز.

تكثر التكهنات حول مسارات الحرب والخيارات الميدانية الذاهبة اليها, وكل يدلي بدلوه بين متوقع لاتساع دائرة الصراع بين محور المقاومة ودولة الاحتلال, وبين من يرى أن الاتجاه وإن طال الصراع في شكله الحالي, نهايته مسار سياسي ينهي هذه الجولة ضمن اتفاق معين ترسم معالمه اطراف الصراع وفق المقدرة على الثبات والصمود, وأن ما يجري الان هو سياسة عض الأصابع ومن يصرخ أولا يخسر الجولة ويقبل باتفاق سياسي لا يتماشى مع طموحاته بل وجب عليه التنازل وقبول صيغة اتفاق على اقل تقدير لا تحقق أهدافه المعلنة في هذه الحرب, مع افضلية للمقاومة في تحقيقها للنقاط الأولى في هذه الجولة وهي ما زالت محتفظة بها لحد الان وتراكم مزيدا من النقاط. 

لست بصدد الحديث عن أي الخيارات الميدانية المرجح ولا أي المسارات اقرب ولا الي أين نحن ذاهبون, بل استقراء والواقع الحالي وانعكاسه على أطراف الصراع, بين دولة الاحتلال التي كانت تدعي انها القوة الأقوى في الشرق الأوسط وصاحبة الجيش الذي لا يقهر ونظريتها الأمنية التي كانت حاكمة لسلوكها الميداني طوال الفترة السابقة, وبين قوى المقاومة التي باتت تشكل محور يزداد ارتباطا يوم بعد يوم, وأصبحت تملك من المقدرة ما يجعل خيارات الميدان صعبة ويحسب لها الف حساب واستراتيجيتها تسجيل النقاط ومراكمة الانجاز. 

تعتمد الرؤية الأمنية الإسرائيلية والتي أسسها جابوتنسكي وطورها بن غوريون, والتي حكمت سلوك دولة الاحتلال في ما مضى وحققت إنجازات كبيرة من خلالها, على عدد من الأسس, أهمها الحرب الخاطفة الحاسمة التي تحقق الإنجاز السريع, وهذا يعتمد على عنصر المباغتة والضربة الاستباقية المفاجئة التي تسقط الخصم بالضربة القاضية وتحقق كي الوعي أن هذه الدولة لا يمكن هزيمتها نتيجة لهذا السحق السريع والمباغت, وإظهار التفوق العسكري من حيث الإمكانيات المادية وكذلك التفوق على مستوى العنصر البشري للجندي الإسرائيلي المدرب أعلى تدريب القادر على تنفيذ المهام باحترافية عالية وتحقيق الأهداف بالعلامة الكاملة. 

والاساس الثاني الذي اعتمدت عليه دولة الاحتلال هو خوض الحرب على أرض الخصم, بحيث تبقى الجبهة الداخلية بمأمن من الضربات, وإيجاد كل السبل لبقاء الجبهة الداخلية لدولة الاحتلال بعيدا عن الاستهداف, وذلك من خلال أولا خوض الحرب على ارض الخصم, ثم إيجاد وتطوير الأدوات التقنية لصد أي هجوم من خلال وسائل الدفاع والمضادات والسعي الدائم لبقاء هذه المنظومة قادرة على صد أي هجوم.

واستقراء الواقع الميداني الحالي وفق الرؤية الأمنية الإسرائيلية, نجد أن هناك هدم لأسس هذه النظرية, فلا هي كانت المباغتة ولا هي كانت قادرة على حسم الصراع وتحقيق الإنجاز وإخضاع الخصم بالضربة القاضية, وسقطت صورة الجندي الإسرائيلي المتفوق, واصبح عبارة عن أضحوكة بعد الصور المهينة لقيادة فرقة غزة وهي تؤسر بالملابس الداخلية, وإخراج الجندي من داخل دباباته المحصنة واسره والدعس على رأسه, وإظهار التفوق الحقيقي للعنصر البشري لرجال المقاومة.

وكذلك بقاء الجبهة الداخلية خارج معادلة الصراع, فكانت الضربة الأولى التي وجهتها المقاومة في قلب الجبهة الداخلية, واليوم عدد النازحين في داخل جبهة الاحتلال قارب على النصف مليون نازح, وما يقارب الربع مليون مستوطن حملوا امتعتهم وابتعدوا خارج الجغرافيا الفلسطينية بشكل كامل, والصواريخ التي يطلقها محور المقاومة من كل الجبهات تسقط داخل العمق لدولة الاحتلال, والشلل لكل مناحي الحياة داخل دولة الاحتلال, فالوضع الحالي لطبيعة المعركة الميدانية هدم أسس الرؤية الأمنية لدولة الاحتلال.

ناهيك عن الستار الحديدي الذي حاولت دولة الاحتلال ابقاءه حاضرا في أي صراع, وهو حضور الدعم اللا محدود من قبل الدول العظمى لهذه الدولة, والذي بات اليوم رغم بقاء هذا الدعم المنقطع النظير, الا اننا بتنا نرى بعض الشقوق والتصدعات تظهر في هذا الجدار. 

في مقابل ذلك فإن الاستراتيجية التي انتهجتها المقاومة وعبر عنها السيد حسن نصر الله, وهي استراتيجية تسجيل النقاط ومراكمة الإنجاز, حيث انتقلت الحالة من الوقت الذي كانت فيه دولة الاحتلال قادرة على احتلال ثلاث دول عربية بظرف ست ساعات, الي مرحلة الغرق برمال غزة لما يقارب الأربعين, مرورا بسلسلة من الإنجازات للمقاومة والاخفاقات لدولة الاحتلال, حيث بتنا نرى مخيم صغير في محافظة جنين أو طولكرم يكبد العدو الخسائر تلو الخسائر, وتجيش دولة الاحتلال الاعداد الكبيرة من الارتال العسكرية لتقتحم مساحة لا تتجاوز كيلو متر مربع مستخدمة كل الوسائل من طيارات ومصفحات وجرافات ومسيرات ثم تفشل في الاقتحام وانهاء حالة المقاومة.

 وتسجيل النقاط في كل الجبهات في مرمى العدو, ففي الوقت الذي كانت دولة الاحتلال قادرة للوصول لقلب بيروت, اليوم خيمتين تم بناؤهم على بعد امتار من الحدود تحسب دولة الاحتلال الف حساب قبل أن تمس بها, وصولا الي أن تقصف المقاومة في لبنان دولة الاحتلال دون أن يكون هناك رد حقيقي.

 ومن قلب اليمن تصل الصواريخ والمسيرات الي قلب دولة الاحتلال, ليشكل ذلك ارتقاء جديد في سلم التكامل بين اطراف محور المقاومة وصولا الي وحدة الساحات, في الوقت الذي عملت فيه دولة الاحتلال دائما على تفريق الساحات والاستفراد بها.

إن أحداث اليوم والتي هي محصلة لصراع الاستراتيجيات, تأتي لتقول أن مراكمة الإنجاز وتسجيل النقاط يزداد يوم بعد يوم وجولة بعد جولة, وصولا الي النقطة التي ستسقط فيها دولة الاحتلال, واننا في هذه الجولة لم نسجل نقطة واحدة بل سجلنا دزينة من النقاط عجلت من السقوط النهائي لدولة الاحتلال, دون المقدرة على استدراك الخسارة ومحاولة التعويض.

*عمار خضر - كاتب وباحث سياسي