بقلم / أ. أحمد عبد الرحمن
في ضوء التوتّر العالي النسق الذي يسود المنطقة في الأسابيع الأخيرة، ولا سيما بعد سلسلة العمليات الفدائية النوعية التي ضربت منظومة الأمن الإسرائيلية بشدّة، وما نتج عنها من تداعيات ملحوظة كان على رأسها مزيد من الشعور بعدم الأمن لدى المستوطنين الصهاينة، ما دفع أركان المؤسستين السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني إلى إطلاق سلسلة من التهديدات تجاه قادة المقاومة الفلسطينية، والتلويح بإمكانية استهدافها بالتصفية والاغتيال بغض النظر عن أماكن وجودها، أو الساحات التي تتحرّك فيها.
في ظلّ كلّ ذلك برز من جديد الدور المحوري والرئيسي لحزب الله كونه أحد المكوّنات الأساسية لمنظومة محور المقاومة في المنطقة، وذراعها الأقوى الذي تحوّل إلى كابوس يؤرق القادة الصهاينة، ويفرض رغماً عن أنوفهم العديد من المعادلات التي كانت في أزمان خلت ضرباً من المستحيل، وكان مجرد التفكير فيها يُعتبر شيئاً من الجنون.
معادلة حزب الله في هذه المرة كانت تتعلّق بحتمية الرد على أي عملية اغتيال تحدث فوق الأراضي اللبنانية، بغض النظر عن جنسية الشخصية المُستهدفة، حيث كرّر الأمين العام للحزب سماحة السيد حسن نصر الله في أكثر من مناسبة تأكيده أنّ أيّ عملية اغتيال تستهدف قادة محور المقاومة، سواء أكانوا لبنانيّين أو فلسطينيّين أو إيرانيّين، لن تمرّ من دون رد مناسب.
وهذا الأمر يُفهم منه أن هذه المعادلة تشمل باقي المقاومين من مختلف الجنسيات، وهو ما يعني أن هناك مظلة حماية واسعة يحظى بها القادة الموجودون في لبنان، ويحظون من خلالها بحماية عالية المستوى يقوم بها جهاز أمن الحزب، ويعزّزها تحذير السيد نصر الله كعامل ردع واضح ومُعلن في وجه كلّ من يفكّر في إيذائهم، وفي مقدّمتهم الكيان الصهيوني.
ورغم أننا تحدثنا كثيراً في أكثر من مقال عن المواجهة بين حزب الله والكيان الصهيوني، وعرّجنا في كثير من المحطّات على أشكال الصراع الذي يُخاض بين الجانبين على أكثر من صعيد، إلا أننا نعتقد أنّ هناك جوانب مهمة للغاية ما زلنا بحاجة لإلقاء الضوء عليها أكثر، ولا سيما في هذه الفترة من تاريخ الصراع، وهي تُعتبر جوانب حسّاسة وحاسمة في الوقت نفسه، يمكن لها أن تؤّثر على شكل تلك المواجهة، وعلى النتائج المترتّبة عليها أيضاً.
من تلك الجوانب الغامضة "الحرب الاستخبارية" بين حزب الله بصفته أقوى منظمة عسكرية "غير نظامية" في المنطقة، وبين الكيان الصهيوني وما يملكه من إمكانيات هائلة على مختلف الصعد، وفي المقدّمة منها الجانب الاستخباري والأمني، والذي يمثّل لهذا الكيان أحد عوامل بقائه الأساسية، التي يعتمد عليها ليبقى على قيد الحياة في ظل تهديدات كثيرة تحيط به من كل جانب.
النظرة الإسرائيلية لمفهوم الاستخبارات
قبل أكثر من 75 عاماً تقريباً، وعندما ساهمت دول الاستعمار العالمي وفي مقدّمتها بريطانيا بوجود هذا الجسم الغريب المُسمّى "إسرائيل" في القلب من منطقتنا العربية والإسلامية، وبعد فرضه على الجميع بالحديد والنار، وتقديم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي والعسكري له ليضرب جذوره عميقاً في أرضنا وتاريخنا.
منذ ذلك الحين، وبسبب التهديدات الكثيرة التي أحاطت بهذا الكيان، وبناء على رفض محيطه العربي والإسلامي تقبّله كعضو طبيعي في جسد المنطقة الذي أدمته الجروح التي ما زالت مفتوحة حتى الآن، حرصت "إسرائيل" على إنشاء أجهزة استخبارات قوية وبمهنية عالية المستوى، وركّزت بشكل ملفت على رفدها بكل الطاقات والقدرات الممكنة، لتتمكّن من مواكبة ومواجهة المخاطر المحيطة بـ "الدولة"، وكي تستطيع تشكيل شبكة حماية متماسكة تقيها شرّ "أعدائها"، وتحفظها في وسط هذا البحر المتلاطم من التهديدات والمشكلات.
منذ ذلك الحين شكّلت أجهزة الاستخبارات في الكيان الصهيوني الركيزة الأساسية "للدولة"، واعتُبرت بمثابة الذراع القوية للجيش الذي يستطيع من خلالها البطش بكل أعدائه، وتمّ النظر إليها على أنها عامل حيوي وفعّال في تحقيق الانتصارات، بل زاد الأمر عن ذلك، حيث عملوا على تحويلها إلى "أسطورة" غير قابلة للفشل أو الإخفاق، ولديها إمكانية عملية لتنفيذ كل ما يُطلب منها، وتحديداً على صعيد عمليات الاغتيال والمهام الخاصة النوعية، بغض النظر عن قوة الطرف المستهدف، أو الساحة التي تجري فيها العمليات.
وقد اعتمدت أجهزة الاستخبارات الصهيونية على أدوات عديدة لتنفيذ عملياتها، وضمان نجاحها رغم ما اعترضها من تعقيدات وصعوبات، حيث تمّ تجيير كلّ ما تملكه "إسرائيل" من طاقات بشرية وعلمية، وإمكانيات تكنولوجية حديثة، ودعم مالي هائل، من أجل نجاح عمل تلك الأجهزة، إضافة إلى الدعم غير المسبوق الذي كانت تتلقّاه وما زالت من أجهزة استخبارات إقليمية وعالمية، ساهمت في تعزيز إمكانياتها، وتطوير قدراتها، ومكّنتها من اختراق ساحات خطيرة، والوصول إلى أهداف منيعة، ما جعلها تبدو في مظهر البطل الخارق الذي لا يُقهر.
إلى جانب الإمكانيات والقدرات المُشار إليها آنفاً، اعتمدت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بشكل أساسي على تجنيد العملاء والجواسيس في صفوف "أعدائها" القريبين والبعيدين، ونجحت لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن في زرع عدد كبير من هؤلاء الجواسيس في مراكز حسّاسة، ومؤسسات حيوية لدى الطرف الآخر، ما مكّنها من الوصول إلى غرف نوم بعض الشخصيات المستهدفة في بعض الأحيان، وإلى مراكز وأهداف تحظى بنظام حماية مرتفع في أحيان أخرى. وهؤلاء الجواسيس بحسب نظرة الاستخبارات الإسرائيلية يُعتبرون بمثابة رأس الحربة في مواجهة الأعداء، ويمثّلون خط الهجوم المتقدّم الذي يحرز الأهداف، ويساهم في حسم نتيجة المعركة.
وقد نظر الكثير من قادة أجهزة الأمن والاستخبارات في "إسرائيل" لهؤلاء العملاء بأهمية بالغة، ووضعوهم في مصاف الشخصيات المؤثرة التي تقدّم خدمات جليلة لأمن "الدولة"، واعتبروا أن المهام التي يؤديها جاسوس واحد فقط تساوي جهد ألف جندي في ميدان القتال.
بل أن بعضهم قال في السنوات الأخيرة، وفي أعقاب الإخفاقات التي تعرّض لها الجيش الصهيوني في معاركه مع لبنان وغزة، وفشله في تنفيذ العشرات من المهام الاستخبارية الحسّاسة، إن أهمية الجاسوس ارتفعت بدرجة كبيرة، وهي تجاوزت في التأثير عمل كتائب بكامل عتادها وعدّتها، لأنه من دون هذا الجاسوس تصبح كتائب جيش الاحتلال، وسراياه، ووحداته النخبوية عمياء، ويمكن لها ورغم ما تملكه من تكنولوجيا متقدمة وحديثة أن تتوه في مسارح العمليات، التي أصبحت معقدّة أكثر من ذي قبل، وتحيط بها مخاطر جمّة من كل الجوانب.
ثقوب وعيوب
في السنوات الأخيرة ظهرت العديد من العيوب على مستوى منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، وهو ما تمّ التعبير عنه في كثير من البحوث بعبارة "ثقوب في جدار الاستخبارات"، التي بدأت تعاني مشاكل وصعوبات تتعلق بانخفاض حجم المعلومات الواردة إليها، سواء عبر الطرق التكنولوجية، من خلال التجسس الإلكتروني على أنظمة الاتصالات لدى الطرف الآخر، أو عن طريق العملاء والجواسيس، الذين تم تفكيك الكثير من خلاياهم في ساحات مختلفة ولا سيما في فلسطين ولبنان وإيران.
وقد أثّرت تلك العيوب على الخطط العملانية المختلفة، والتي يتم وضعها بناء على المعلومات الاستخبارية، وهي من دون تلك المعلومات تصبح معرّضة لمروحة واسعة من المخاطر الحقيقية، التي قد تساهم في تحوّل الوحدات القتالية المختارة في جيش الاحتلال من صياد إلى فريسة.
وقد حدّدت مراكز بحثية إسرائيلية العديد من العيوب أو الثقوب التي أصبحت سمة بارزة خلال السنوات العشر الأخيرة في عمل أجهزة الاستخبارات في الكيان الصهيوني، والتي كان لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" نصيب الأسد منها.
ومن باب التذكير بما كتبناه سابقاً فهذا الجهاز بالغ الأهمية في الدولة العبرية يتبع بشكل مباشر لهيئة أركان الجيش "الإسرائيلي"، ويُعد من أكبر وأضخم الأجهزة الاستخبارية وأكثرها كلفة لموازنة "الدولة". وبحسب القانون "الإسرائيلي"، فإن جهاز "أمان" مسؤول بشكل أساسي عن تزويد الحكومة الصهيونية بالتقييمات الاستراتيجية، التي على أساسها تتم صياغة السياسات العامة للكيان الصهيوني، ولا سيما على صعيد الصراع مع الدول الإقليمية "المعادية".
إضافة إلى تقديم إنذارات ساخنة وعاجلة من إمكانية شن حرب أو عمل عسكري ضد دولة الاحتلال، أو أيٍ من مصالحها في الخارج، وعلى المستوى العسكري والسياسي يقدّم تقديراً عسكرياً فورياً من أجل أمن البلاد، كما يُعتبر موجّهاً لجميع أقسام الاستخبارات الأخرى، ويعتمد في تنفيذ مهامه على التقنيات التكنولوجية المتقدّمة بدرجة أولى، إلى جانب المصادر البشرية "العملاء والجواسيس".
ويتكون جهاز "أمان" من مجموعة أقسام، منها على سبيل المثال لا الحصر: "قسم تجميع المعلومات، قسم الاتصالات الخارجية، قسم الرقابة والاستخبارات القتالية، قسم الاستخبارات البرية، قسم الاستخبارات البحرية، قسم الاستخبارات الجوية".
ويشمل أيضاً العديد من الوحدات المختلفة منها: "وحدة الاستخبارات "لمدان" التابعة لسلاح الجو، وحدة الاستخبارات والملاحة الاستخبارية "مدان" التابعة لسلاح البحرية، وحدة الاستخبارات في القيادات الشمالية والوسطى والجنوبية، وحدة الاستخبارات في الجبهة الداخلية، وحدة الحرب النفسية، وحدة الرقابة العسكرية، الوحدة 8200، الوحدة 9990، الوحدة 504 الخاصة بتجنيد العملاء، وحدة "السايبر"، وحدة الخرائط، وحدة "هتصاب" الخاصة بالاستخبارات التنبّؤية، وحدة الاستخبارات والأمن البشري، وحدة البحث العلمي، إضافة إلى وحدة أمن المعلومات".
هذا الجهاز البالغ الأهمية تلقّى كما ذكرنا أعلاه الجزء الأكبر من الانتقادات بسبب فشله في أداء الكثير من المهام، والتي تركّز معظمها حول الفشل في توفير معلومات مهمة حول قدرات فصائل المقاومة خصوصاً في لبنان وفلسطين، مع أن باقي الأجهزة الأخرى مثل "الشاباك والموساد" عانت المستوى نفسه من الفشل، وهي مسؤولة بشكل أو بآخر على الحصول على المعلومات نفسها تقريباً، ولا سيما عندما يتعلّق الأمر بقدرات المقاومة الفلسطينية، والتي يتولّى "الشاباك" جزءاً مهماً من مسؤولية الحصول على معلومات مفصّلة عنها.
مع الإشارة إلى أن تلك الانتقادات لأجهزة الاستخبارات الصهيونية، وفي المقدّمة منها جهاز "أمان"، حظيت حتى وقتنا الحالي بستار كثيف من السرية حتى لا تؤثّر على معنويات الجمهور في "إسرائيل" من جهة، ومن جهة أخرى لا تساهم في تشويه سمعة تلك الأجهزة، والتقليل من إنجازاتها بين أقرانها من أجهزة الاستخبارات على مستوى العالم.
أمثلة على الفشل
تناولت الكثير من الدراسات البحثية الصادرة عن مراكز متخصصة في الدولة العبرية، أوجه الفشل والقصور في عمل أجهزة الاستخبارات في "إسرائيل"، ولا سيما في إطار المواجهة مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وكذلك مع حزب الله، وركّزت في معظم تقاريرها على النقص الشديد في المعلومات، والذي أفضى إلى تكرار الفشل والإخفاق في حسم المعارك العسكرية في توقيتات مناسبة، وأدّى كذلك إلى وقوع خسائر بشرية غير متوقّعة في صفوف الجنود الإسرائيليين، وإلى خسائر مادية هائلة في قلب المدن الصهيونية.
في حرب تموز 2006 مع حزب الله في لبنان على سبيل المثال، فشلت أجهزة استخبارات العدو في توفير معلومات كافية عن منظومات الصواريخ المضادة للدروع لدى الحزب، وهو ما أدى إلى تعرّض الآليات الصهيونية لمجزرة في وادي الحجير ومناطق أخرى من الجنوب اللبناني، والذي يحظى ببيئة جغرافية صعبة ومعقّدة، لا يمكن التوغل فيها، أو القتال بداخلها إلا في وجود معلومات استخبارية تفصيلية ووافية، وهو ما لم يكن موجوداً في ذلك الوقت.
إضافة إلى عدم توفير معلومات حول وجود صواريخ "بر-بحر" قادرة على استهداف السفن والبوارج الإسرائيلية، وهو ما سمح لمقاتلي الحزب بضرب البارجة "ساعر-5 " مقابل شواطئ بيروت، في مفاجأة من العيار الثقيل، أربكت حسابات قادة الاحتلال، وغيّرت كثيراً من خطط الحرب التي كانت موضوعة حينذاك.
على جانب آخر، لم تستطع استخبارات العدو تقديم تصوّر واضح عن إمكانيات حزب الله الصاروخية، وعن مديات تلك الصواريخ، والقدرات التكتيكية التي تحظى بها، وبالتالي وضع الخطط المناسبة للتصدي لها، أو على أقل تقدير الحد من تأثيراتها على الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني، والذي نتيجة هذا الإخفاق تعرّضت مدنه ومستوطناته من رأس الناقورة وصولاً الى حيفا لأكثر من 4000 صاروخ للمرة الأولى في تاريخ الدولة العبرية.
إلى جانب ما تقدّم لم تفلح أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في تشكيل صورة تقريبية لمنظومة عمل القوات البرية ووحدات النخبة في حزب الله، وهو ما أدى إلى فشل كل عمليات التقدّم البري على أكثر من محور، إضافة إلى فشل الكثير من عمليات الإنزال الجوي، والتي خسرت فيها قوات النخبة الإسرائيلية الكثير من مقاتليها، وفي بعض المرات أُصيبت حواماتها التي جاءت لإخلاء القوات من الميدان، وكادت أن تحدث كارثة.
الفشل الأهم الذي ركّزت عليه معظم الدراسات الإسرائيلية في هذا الجانب هو فشل أجهزة الاستخبارات في تحديد مكان الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وهو الأمر الذي تكرّر بالصورة نفسها مع قائد كتائب القسام في قطاع غزة "محمد الضيف". فرغم الجهود الهائلة التي بُذلت في هذا الجانب، ورغم تجيير كل الإمكانيات التكنولوجية والبشرية للوصول إلى هذين الرجلين، والكثير من القادة الآخرين الذين لا يتسع المجال لذكرهم، إلا أن تلك الجهود باءت بالفشل، ولم تفلح في الوصول إلى معلومات يمكن أن تُبنى عليها خطة عملية قابلة للنجاح لاستهداف القائدين.
على جبهة قطاع غزة فقد فشلت أجهزة استخبارات العدو في توفير معلومات حقيقية عن قدرات المقاومة، على الرغم من سيطرتها التامة على أجواء القطاع من خلال طائراتها المسيّرة، والتي تملك إمكانيات تكنولوجية هائلة، ورغم سيطرتها كذلك على كل نُظم الاتصالات السلكية واللاسلكية من خلال قواعد التجسس المحيطة بقطاع غزة.
ففي عدوان 2012 على سبيل المثال، قدّمت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية معلومات تمّ النظر إليها على أنها وافية ومؤكدة، حول تدمير القدرات الصاروخية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل خاص في الضربة الأولى التي تلت اغتيال الشهيد أحمد الجعبري، وهو الأمر الذي أعلنه الناطق باسم جيش الاحتلال في ذلك الوقت من خلال بيان رسمي، وأكده بعد ذلك وزيرا الحرب والوزراء في الحكومة الصهيونية.
إلا أنه بعد ساعات قليلة من ذلك الإعلان وما تلاه من نشوة شعر بها كل الإسرائيليين، انهالت الصواريخ الفلسطينية على معظم المدن الصهيونية، وكان من بينها صواريخ "فجر-5" إيرانية الصنع، التي استهدفت مدينة "تل أبيب"، في سابقة لم تحدث من قبل خلال المعارك بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال.
نقص المعلومات الاستخبارية تكرّر من جديد في عدوان 2014، حيث تعرّضت القوات الإسرائيلية إلى خسائر فادحة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، وسقط عشرات الجنود بين قتيل وجريح، في سلسلة من العمليات النوعية التي نفذّتها قوات النخبة في فصائل المقاومة، ووصل البعض منها إلى قلب المستعمرات الصهيونية القريبة من حدود القطاع، هذا إضافة إلى الفشل الاستخباري الكبير المتعلّق بقدرات المقاومة في غزة على صعيد سلاح الأنفاق، والذي شكّل مفاجأة من العيار الثقيل لقوات العدو، وجعل من توغّلاتها داخل أراضي القطاع مهمة شبه مستحيلة.
الإخفاق الاستخباراتي الصهيوني تكرّر في معارك سيف القدس ووحدة الساحات وثأر الأحرار، وإن كان بصور وأشكال مختلفة، ولكنه في النهاية ساهم في عدم تحقيق العدو لأهدافه المعلنة، ولم يؤدِ إلى كسر شوكة فصائل المقاومة، أو الحد من رغبتها في مواجهة مخططات العدو، على الرغم من تقديمها تضحيات كبيرة في تلك المواجهات.
في الجزء الثاني من هذا المقال سنتناول القدرات الاستخبارية لدى حزب الله، والتي شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، واستطاع من خلالها تحقيق العديد من الإنجازات، التي اعتُبرت في كثير من الأحيان بالغة الأهمية، لناحية كسر التفوّق الاستخباري لدولة العدو، وتحقيق توازن ولو بنسبة معيّنة في هذه المواجهة المهمة والحاسمة.