بقلم / د. أسامة الأخرس
هل سينتصر القانون الذي وحد المحتلين أم أن قانون (الحد من المعقولية) لن يجعل ذلك معقولاً .. فمحكمة العدل العليا في مواجهة مباشرة مع التطرف الديني الصهيوني .. من سينتصر!!!
في نهاية يوم 14/5/1948م أعلن عن قيام الكيان الصهيوني، وبناءً على هذا الإعلان اجتمعت لجنة من أربعة قانونيين مع بن غوريون لصياغة وثيقة الاستقلال التي تلاها "بن غوريون" والتي لم تحظ بمكانة قانونية رسمية؛ أي أنها لم تُعتَبر نصَّاً دستوريا يلزم أية سلطة، أو يمنع أيًا منها من أن تقوم بعمل ما، أو أن تتخذ قراراً ما.
وبعد "وثيقة الاستقلال" بدأ اليهود في بناء شكل الدولة القانوني وإصدار القوانين التي تطال كل جوانب حياتهم، الإنسانية والاجتماعية والصحية والاقتصادية والأمنية، إضافة للملكية الخاصة. وتم إصدار الإعلان القانوني الأول عما يسمى رئيس الحكومة المؤقتة "بن غوريون" بتاريخ 19 /5/ 1948م حيث سن "مرسوم أنظمة السلطة والقضاء" وبحسب هذا المرسوم فإن مجموعة القوانين التي كان يعمل بها حتى 4ا /5/ 1948م تبقى سارية المفعول ما دامت لا تتنافى والمبادئ المشتملة عليها وثيقة إعلان "دولة إسرائيل" أو تتناقض وهذا المرسوم، أو تتعارض والقوانين التي يضعها أو يأمر بوضعها المجلس المؤقت الحاكم، أو تتعارض والتعديلات الناجمة عن إقامة الدولة وسلطاتها، وعليه فإنّ النظام القانوني لدولة الاحتلال يتضمّن بقية مقتضيات القانون العثماني وقوانين الانتداب البريطاني التي تحتوي على جزءٍ كبيرٍ من القانون الانجليزي العامّ، إضافة إلى مكوّنات من الشريعة اليهودية وغيرها من الأنظمة القضائية.
وتمَّ الإعلانُ عن قانون أساس الكنيست حيث بموجبه تم تأسيس برلمان لدولة الاحتلال، وأصبح الكنيست برلمان الاحتلال حيث يتركز عمله على التشريع ومراقبة حكومة الاحتلال، وسنّ سلسلة قوانين أساسية تخصّ شتّى ميادين الحياة؛ حيث قامت بتحويل معظم النصوص التشريعية إلى قوانين أساسية ترسم ملامح النظام الصهيوني العنصري، ورغم هذه التشريعات لم تصدر سلطات الاحتلال دستوراً مكتوباً حتى تاريخه لأسباب متعددة، هذه القوانين تعطي كل سلطة وكل وزير أو موظف صلاحيات محدودة لا يتعداها ولا يمكن لأحد أن يمنعه من القيام بها مهما علت درجته فرئيس الوزراء لا يستطيع اجبار موظف على القيام بعمل غير مكلف به وكذلك لا يستطيع متعه من أداء واجباته التي نص عليها القانون.
وتم تشكيل السلطة القضائية في الكيان المحتل والتي تنقسم الى:
جهاز المحاكم العادية: محكمة الصلح، المحكمة المركزية، المحكمة العليا.
جهاز المحاكم الخاصة: ويشمل: 1-المحاكم الدينية. 2-المحاكم العسكرية. 3-المحاكم العسكرية للمدنيين. 4-محاكم العمل. 5-محاكم السير.
المحكمة العليا في إسرائيل هي أعلى سلطة قضائية، أقيمت بشكل رسمي عام 1948م على يد ضابط بريطاني، تشمل عددًا محدودًا من القضاة.يُعينوا -عادةً -تعيينًا دائمًا حتى سن السبعين، ومنذ عام 1953، اختير القضاة الجدد بالمحكمة العُليا في إسرائيل بواسطة لجنة مكوَّنة من ثلاثة قضاة من المحكمة العُليا ووزيرَيْن وعضوين بالكنيست وعضوين بنقابة المحامين، واستلزم التعيين اتفاق سبعة من الأعضاء التسعة، ومن ثمَّ لم تستطع أي مؤسسة منهم الهيمنة دون موافقة الأخرى، تقوم المحكمة بعملها وتنظر نحو 10 آلاف دعوى سنوياً بصفتها محكمه استئناف عليا وايضا كمحكمة عدل عليا التي تستمع إلى التماسات ضد مختلف السلطات العامة كمحكمة بداية وكذلك ضد القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف كذلك من وظيفتها قبول الطعونات على جميع القرارات الصادرة من أي موظف أو هيئة بالدولة مهما علا شأنها وهذه الصلاحية هي مربط الفرس في تشريع (الحد من عدم المعقولية).
بحسب قانون الأساس فإن قرارات المحكمة العليا ملزمة لكل هيئة قضائية دونها، يحكم قضاة المحكمة العليا أولاً بموجب القانون الإسرائيلي وبقايا القوانين القديمة قبل إنشاء الكيان سارية المفعول، وفي العموم تقوم أحكامها القضائية على النظام القانوني المختلط (روماني -جرماني وأنجلو -سكسوني) اللذان يقومان على جواز الحكم بالعلم الشخصي للقاضي والسوابق القضائية بجوار القوانين السارية.
مبدأ (حجية المعقولية) الرائج تستخدمه المحكمة العليا عندما يقوم الكنيست بسن قوانين تتنافى مع أسس الديمقراطية أو تتنافى مع قانون من قوانين الأساس، وتستخدمه المحكمة العليا أيضًا عندما يقوم وزير أو أي موظف بتفسير القانون بما لا يتلاءم مع المعقولية ومع تفسير المحكمة العليا للقانون، وتستخدمه أيضًا ضد أي رئيس سلطة محلية يقوم بتفسير القوانين على هواه عندها يقدم المواطن التماسًا بحجة أن هذا التفسير غير معقول "مثال "إذا سن قانون قبل عشرات السنين مثلًا ولم يعد هذا القانون يتلاءم مع التغيرات الحاصلة ومع القوانين الأخرى تأتي المحكمة العليا وتقول إن التفسير الجاف للقانون الذي سن قبل كل هذه المدة ليس معقولًا في الوقت الحاضر، هذا المبدأ لا تريده الكنيست الجديدة اليمينية المتطرفة، والتي تريد أن تكون المحكمة العليا تابعة ولا تفسر القوانين ولا تعطي رأيها في القوانين ولا تعارض القوانين، وأن يكون صاحب المسؤولية في تشريع القوانين هو الكنيست. بينما المحكمة العليا تقول إن الكنيست يمكن أن يوصل البلد إلى الديكتاتورية عبر سن القوانين اللاديمقراطية، لذلك لا بد من هيئة مراقبة على الهيئة التشريعية لأنه إذا منعت المحكمة العليا من استخدام اللامعقولية فإن الكنيست سيسن القوانين اليمينية المتطرفة المعادية للديمقراطية وسيتخذ إجراءات ضد الموظفين الكبار والمواطنين لا تستطيع المحكمة الاعتراض عليها،
فمن خلال مصادقة الكنيست الإسرائيلي نهائيا، أمس، على مشروع قانون "الحد من المعقولية" ضمن حزمة تشمل 8 مشاريع قوانين تُعرف بـ"خطة التعديلات القضائية" فإن هذه الحكومة تحاول منع المحكمة العليا الإسرائيلية من التدخل في قراراتها، مثل تعيين وزير فاسد كما حدث مع درعي المدان في المحكمة التي ألغت تعينه كوزير للداخلية والصحة، هذا يعني أنه في حال إلغاء ذريعة عدم المعقولية المحكمة لن تستطيع التدخل في أي قرارات حكومية حتى لو لم تكن منطقية.
يقود خطة الانقلاب على الجهاز القضائي وزير القضاء الحالي، ياريف ليفين، الذي لا يألو جهدًا منذ أكثر من عقد في نشر مقالات، والإدلاء بمقابلاتٍ يتهم فيها المحكمة العليا بـ"مسّ طابع إسرائيل اليهودي"، ووزير المالية المتطرف سموتريتش الذي قال بعد إقرار القانون الجديد (الكنيست يبدأ حدثًا تاريخيًا لإعادة التوازن بين الكنيست والحكومة والنظام القضائي) وعضو الكنيست سيمشا روثمان، الذي يترأس لجنة الدستور والعدالة والقانون في الكنبست.
"لدى هؤلاء كراهية طويلة الأمد للمحكمة العليا في إسرائيل، التي يرون أنها قوية للغاية ومتحيزة ضد حركة المستوطنين والمجتمع المتدين في إسرائيل والسكان الشرقيين، كما لا يغيب عن أحد أن هذا القانون يمكن أن يساعد نتنياهو على التهرب من الملاحقة القضائية في محاكمة الفساد الخاصة به.