Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

ثلاثة أعوام على رحيل القائد الوطني الكبير د. رمضان شلح

شلح

يصادف اليوم الثلاثاء السادس من حزيران الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح عن عمر يناهز 62 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، لتفقد الأمة العربية رجل الحكمة والوحدة والإصرار على استرداد كافة الحقوق من المحتل وعدم التنازل عن أي شبر من الأراضي المحتلة.

وتحلّ ذكرى وفاة القيادي الراحل شلّح بعد نحو شهر من معركة "ثأر الأحرار" التي خاضتها سرايا القدس وفصائل المقاومة ردا على اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لعدد من قادة سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. 

 

ويُحيى آلاف الكتاب والصحفيين والأكاديميين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي الذكرى الثالثة لرحيل الدكتور رمضان شلح، مستذكرين أهم وأبرز مناقبه، مؤكدين بأنه كان صاحب الخطاب الثوري والوحدوي.

من هو القائد الوطني الكبير د. رمضان عبد الله شلح؟

ولد د. رمضان عبدالله شلح في حي الشجاعية شرق مدينة غزة في الأول من كانون الثاني (يناير) 1958م لأسرة محافظة، والتزم منذ صغره بفرائض الصلاة.

وبما أنه كان من المرابطين في المسجد ويتمتع بصوت جميل، كان يؤذن في مسجد الحي مذ كان في العاشرة من عمره، وبقي هذا التدين ملازمًا له خلال مراحل دراسته، إلى أن أضيف إليه البعد السياسي والوطني في المراحل الأخيرة من المرحلة الثانوية، فبدأ يكتب الشعر الحماسي.

وبهذه الخلفية الدينية والاهتمام السياسي مثّل توجهه للدراسة الجامعية عام 1977م إلى مصر، الطريق الطبيعية للدراسة لأهالي غزة، نقطة تحول في مسيرته، خصوصًا أن الدكتور فتحي الشقاقي كان سبقه إلى جامعة الزقازيق قبل ذلك بنحو سنتين.

في أيلول (سبتمبر) من ذاك العام، تعرف طالبا الطب (فتحي الشقاقي) والتجارة (رمضان شلَّح) الفلسطينيان على بعضهما بعضًا بحكم الاهتمام بالشعر والأدب المقاوم والسياسة.

بعد تخرجه 1981م كان من النشطاء في الدعوة للتيار الجهادي كخطيب يتجول في مساجد غزة. وإحياء ليلة القدر في المسجد الأقصى التي تجمع الآلاف من المصلين، على الرغم من استدعائه إلى سجـن (المسكوبية) في القدس.

وعرف بدعوته إلى إقامة صلاة العيد في العراء فكان أول خطيب لصلاة العيد في العام 1982م وفي شكل جماهيري واسع، وهي الظاهرة التي تدخل الصهاينة لقمعها بعد ثلاث سنوات.

وحتى العام 1986م عمل محاضرًا في الجامعة الإسلامية التي حُرم منها لمدة عام. عندما فرضت الإقامة الجبرية عليه بـ(تهمة التحريض) ضد العدو الصهيوني عام 1983م.

في تلك المرحلة حصل تحول آخر في حياته، تمثل في سفره إلى بريطانيا لنيل الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة درم حيث نالها عام 1990م.

وقد تزوج عام 1990م، وله من الأبناء أربعة، اثنين من البنين واثنتين من البنات.

وفي "درم"، كان الدكتور رمضان يخطب في مسجد الجمعية الإسلامية ويمارس نشاطه الديني في أوساط الطلاب العرب والمسلمين. أي أنه لم ير من بريطانيا سوى الجامعات والمساجد، كما هي الحال في مصر عندما لم يتولد لديه الفضول لزيارة الأهرامات خلال فترة دراسته.

وبعد تخرجه عمل في العاصمة البريطانية لفترة قصيرة كباحث في مراكز إسلامية عدة محافظًا على تواصل مع قادة (الجهاد) مع تركيز على الجانب الإعلامي والدعائي. ثم انتقل إلى مدينة "تامبا" في ولاية فلوريدا الأميركية حيث عمل مديرًا لمركز أبحاث (الإسلام والعالم)، رئيسًا مشاركًا لتحرير دورية (قراءات سياسية) التي يصدرها المركز في إطار نشاطاته التي تضمنت تنظيم حوارات بين مثقفين وإسلاميين مثل حسن الترابي وخورشيد أحمد، إضافة إلى التدريس في قسم السياسة الدولية في جامعة جنوب فلوريدا لمادة (دراسات شرق أوسطية).

ولعل إحدى المفارقات الكبرى، حوار قصير جرى مع الجنرال نورمان شوارتزكوف في مؤتمر تنظمه القيادة المركزية للقوات الأمريكية، إذ أخذ الدكتور رمضان الفرصة للحديث عن أبعاد المسألة الفلسطينية بعدما أوضح أنه ليس سعوديًا، مع حرصه على عدم تسليط الأضواء على نشاطه وقناعاته.

في صيف 1995م قرر الدكتور رمضان العودة إلى فلسطين وأرسل زوجته وأبنائه إلى هناك. لكن كل شيء تغير؛ لأن الدكتور الشقاقي سافر إلى ليبيا عبر مالطا وعاد مستشهدًا. فاتخذ مجلس شورى الحركة في الداخل والخارج قرارًا بانتخاب الدكتور رمضان خليفة للشقاقي، حيث أن اسحق رابين كان قد أعطى الأوامر لجهاز الاستخبارات الخارجية باغتيال الشقاقي بعد عملية بيت ليد التي أدت إلى سقوط 22 جنديًا صهيونيًا.

ولدى تسلمه قيادة الحركة، كانت أمام الدكتور رمضان تحديات كبيرة أهمها: ترتيب البيت الداخلي والحفاظ على الوحدة الوطنية وملء الفراغ الكبير الذي حصل باستشهاد الشقاقي. لكن التحدي الرئيسي كان سياسيًا وتمثل في أنه تسلم القيادة في مرحلة خطرة على مستوى الوضع الفلسطيني؛ لأن اتفاق أوسلو كان يتمدد ويتجذر والسلطة الفلسطينية تزداد قسوة في مواجهة مشروع المقاومة، أي أن المرحلة كانت صعبة ومعقدة.

وقد استطاع الدكتور رمضان تجاوز الامتحان والحفاظ على العلاقات الفلسطينية الداخلية وعلاقات طيبة مع كل القوى وعدم الانجرار إلى صدام مع السلطة على الرغم من كل الضغوط، فقد جاءت مرحلة ضربت فيها المقاومة وتحديدًا سنوات 1996م و1997م و1998م و1999م فكانت سنوات عجافًا، فركز فيها على البناء الداخلي وتوسيع بنية الحركة التنظيمية والمؤسساتية إضافة إلى زيادة الاهتمام بالعمل الثقافي والخيري؛ لإنتاج جيل جديد يستطيع استئناف المقاومة وفق رؤية الحركة ومشروعها الجهادي وهو استنهاض الأمة على قاعدة مركزية قضية فلسطين حيث تعتقد الحركة أن استهداف فلسطين هو نقطة ارتكاز للمشروع الصهيوني الذي هو رأس حربة المشروع الغربي للسيطرة على العالم الإسلامي ومقدراته.

خلال هذه الفترة عمل على تقوية البناء الداخلي في الحركة استنادًا إلى قدرات شخصية وتمتعه بالاحترام والتقدير بين رفاقه، وتم بإشرافه توسيع انتشار (الجهاد) في الضفة الغربية، وتوسيع علاقاته وتحالفاته خصوصًا مع (حزب الله) وأمينه العام حسن نصر الله.

وشكل اندلاع الانتفاضة في نهاية سبتمبر (أيلول) 2000م امتحانًا لهذا التوسع القاعدي والتماسك والاستعداد العسكري. ومع اندلاع انتفاضة الأقصى تمت إعادة تفعيل الجناح العسكري للحركة باسم جديد هو (سرايا القدس) الذي اختاره شخصيًا لمركزية القدس في الصراع.

ونفذت (السرايا) عمليات فدائية كبرى مثل مجدّو في يونيو (حزيران) من العام 2002م التي سقط فيها 17 جنديًا، وكركور في أكتوبر (تشرين الأول) لعام 2002م التي ذهب فيها 14 جنديًا، إضافة إلى عملية الخليل في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2002م وأدت إلى سقوط 12 جنديًا بينهم القائد العسكري في الخليل "درور فادنبرغ"، وعملية بحر غزة التي استهدفت زورقًا بحريًا في 22 من الشهر نفسه.

ولا شك في أن العمليات خصوصًا عملية الخليل "زقاق الموت" التي يقول رفاقه أنه (سجد لله عندما بلغه نبؤها)، كانت سببًا إضافيًا في أن أعطى شارون الأوامر للاستخبارات بوضع زعيم (الجهاد) في رأس قائمة المستهدفين لما مثلته العملية من (فضيحة عسكرية صهيونية ونقلة نوعية في العمل الجهادي).

وفي نهاية عام 2017م أدرج مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي"FBI"، الدكتور رمضان شلَّح على قائمة المطلوبين لديه، إلى جانب 26 شخصية حول العالم.

وسبق أن أدرجت السلطات الأمريكية الدكتور رمضان شلح على قائمة "الشخصيات الإرهابية" بموجب القانون الأمريكي وصدرت بحقه لائحة تضم 53 تهمة من المحكمة الفيدرالية في المقاطعة الوسطى لولاية فلوريدا عام 2003م.

وقامت الإدارة الأمريكية عام 2007م بضمه لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" وعرضت مبلغ 5 ملايين دولار مقابل المساهمة في اعتقاله.

ورغم ثقافته الواسعة وخلفيته الدينية فلم ينشغل بالكتابة بحكم موقعه الجهادي الذي يستغرق كل وقته، لذا كانت كل حواراته ومحاضراته ومشاركته في المؤتمرات تقوم على شرح المفاهيم والمواقف الجهادية والتي تؤكد أصالة الأفكار الجهادية والرؤية الثابتة والمتوازنة لحركة الجهاد رغم مرور أربعين عامًا على تأسيسها، وهو ما يحسب للدكتور رمضان في حفاظه على مسيرة الجهاد كما أرادها الشقاقي رغم كل الضغوط والمتغيرات الإقليمية والدولية على مختلف الساحات.

كتب الدكتور رمضان عمودًا ثابتًا "مرايا" في جريدة الاستقلال التي تصدر في غزة وكان يوقعه باسم محمد الفاتح قبل أن يصبح أمينًا عامًا لحركة الجهاد الإسلامي.

عُرف الدكتور رمضان بحبه للأدب والشعر فقد كتب قصيدة بعنوان: "الحوار الأخير لسعيد بن جبير"، في مجلة المختار الإسلامي، وقصيدة بعنوان: "الفجر والرحيل" في مجلة أخبار غزة بالعام 1980م، وترك كتابين هما: "بدر كتاب مفتوح للأجيال_ تأملات قرآنية في ظلال المعركة"، وكتاب "الغرب والصراع على فلسطين في القرن الواحد والعشرين". كما خط الوثيقة الفكرية والوثيقة السياسية لحركة الجهاد والتي صدرت قبل أن يُقعده المرض في العام 2018م.

عُرف عن الدكتور المجاهد رمضان شلَّح علاقاته الواسعة مع قيادات العالم الاسلامي والعربي وكان يحظى باحترام واسع لدى الشرائح النخبوية والسياسية في الإقليم.

في عام 2018م أُعفي من منصب الأمين العام لحركة الجهاد بسبب مرضه الذي لم يمكنه من القيام بمهامه، وانتخب خلفًا له القائد زياد النخالة (والذي شغل منصب نائب الأمين العام في حياة الدكتور رمضان شلح قبل مرضه).

وفي يوم السبت 14 شوال 1441هـ، الموافق السادس من يونيو (حزيران) 2020م وافته المنية إثر مرض عضال عن عمر يناهز 62 عامًا.

ارتقى أبو عبد الله شهيداً بعد قيادته لحركة الجهاد الاسلامي بكل فخر واعتزاز لأكثر من عشرين عاماً ،كان فيها فارس الكلمة وفارس الموقف ورجل المقاومة، وكان يوم رحيله يوم حزين وثقيل على القلب إذ ودعت الأمتين العربية والإسلامية رجلاً كبيراً وقائداً مميزا حمل الأمانة على أفضل ما يكون وحافظ على راية الجهاد عالية، لم يتردد يوماً وبقي على عهد الجهاد والمقاومة وعهد فلسطين والقدس وعهد الاسلام، وعهد العروبة.