بقلم / حماد صبح
غضب الإسرائيليون واستاؤوا وتحسروا مما عدوه ضعفا في رد جيشهم على صواريخ غزة وقذائفها ال 104 التي أطلقتها المقاومة على مستوطنات الغلاف ثأرا لاستشهاد خضر عدنان. وكان مستوطنو الغلاف هم الأشد في غضبهم واستيائهم وحسرتهم، وزعموا أن الحكومة تراهم مستوطنين من الدرجة الثانية، وأن ردها سيكون أعنف وأقسى لو كان المستهدف مستوطني تل أبيب مثلا. وشاطرهم جادي آيزنكوت رئيس الأركان السابق موقفهم، فانتقد الرد الضعيف قائلا:” لا أتذكر أننا كنا في مثل هذه الحالة من ضعف الردع. نحن في أخطر واقع أمني منذ عقود خلت. ربما منذ حرب يوم الغفران.”.
وضاعف غضبهم واستياءهم وحسرتهم أن القبة الحديدة أخفقت في اعتراض كثير من صواريخ المقاومة وقذائفها، ولاحظنا من ناحيتنا اضطرابا في بيانات الجيش الإسرائيلي حول نجاح أو إخفاق الاعتراض، وحديث الجيش عن تفحصه لما حدث في الاعتراض يعني وجود إخفاق معين. وربما تكون جريمة قتل إسرائيل ثلاثة من عناصر القسام في نابلس يوم الخميس مسعى منها لتهدئة الغضب والاستياء والحسرة بين مستوطنيها من ضعف الرد على صواريخ غزة وقذائفها، ولا يقلل من احتمال ذلك المسعى كون المعلومات حول وجودهم في البيت الذي استشهدوا فيه ربما تكون قد وصلت فجأة إلى علم الجيش الإسرائيلي. كل قتل للفلسطينيين يرضي مستوطنيها ويطمئنهم.
وقصور الأداء العسكري الانتقامي لحكومة نتنياهو المتشددة يتراكم مع الاستياء السياسي منها الذي بدأ مع شروعها في الإفصاح عن توجهها للانقلاب على النظام القضائي، ويتم التعبير عن ذلك الاستياء أسبوعيا يومي السبت والخميس بمظاهرات يحتشد فيها مئات الآلاف خصوصا في تل أبيب العلمانية. ومن تجليات ذلك الاستياء تقدم غانتس زعيم حزب” الوحدة الوطنية” على نتنياهو في استطلاع رأي أجراه معهد” بانيلز بوليتكس” حيث فضل 41 % من المستطلعين غانتس لرئاسة الحكومة، وفضل 33 % نتنياهو، وتمثل التحول الكبير في موقفهم في انتقال حزب” الوحدة الوطنية” من المكان الرابع الحالي إلى المكان الأول لو جرت انتخابات جديدة؛ منحيا حزب الليكود عن هذا المكان. وفي المشهد الدولي، كشف عن وثيقة سرية في يد الحكومة الحالية تنبئ عن تراجع حاد في مكانة إسرائيل الدولية حتى لدى أصدقائها، أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وأن خلف هذا التراجع مسعى الحكومة الحالية للانقلاب على النظام القضائي، وفي نظرهم، هذا المسعى ابتعاد عن الديمقراطية، وخلفه أيضا عنف تلك الحكومة نحو الفلسطينيين ، ونية بن غفير رئيس جهاز أمنها الوطني تقنين إعدام الأسرى الفلسطينيين بصفتهم ”إرهابيين”، ويرى الفلسطينيون استشهاد خضر عدنان بعد 86 يوما من الإضراب عن الطعام دون أن تطلق إسرائيل سراحه مثلما فعلت في مرات سالفة ؛ أول إعدام لأسير ولو بأسلوب غير مباشر. الحَزَبات والأزمات تقترب من الإطباق على رقبة إسرائيل، وأخطرها وأقتلها الداخلية، ولا يبطل هذا كون الخارجية خطيرة قاتلة. محور المقاومة يتعافى، ويتصافى معه أعداؤه من العرب حتى ولو لم تصفُ نواياهم نحوه، واضطروا إلى مصافاته يأسا من هزيمته. وفي الأصوات الإسرائيلية الناقمة على ضعف رد الجيش على صواريخ غزة وقذائفها؛ فزع وقلق ويأس من اتقاء خطر غزة وعنادها، ورعب من حرب تتوحد فيها الساحات العربية والإسلامية في مقاتلة إسرائيل. ومن يوازن بين سهولة وسرعة احتلال إسرائيل لغزة في 5 يونيو 1967 وفزعها وقلقها ويأسها من مواجهتها اليوم، يستنتج مدى ما انحدرت إليه إسرائيل من ضعف الروح والعزيمة رغم قوتها العسكرية الكبيرة، ومدى ما صعدت إليه غزة من قوة الروح والعزيمة رغم قلة السلاح وبساطته وصلابة قبضة الفقر الذي تجوس خلال مآسيه، وطول الحصار، 16 عاما، وغدر القريب.
اليوم يغضب الإسرائيليون ويستاؤون ويتحسرون من ضعف رد جيشهم على صواريخ غزة وقذائفها، وسيذهب الغضب والاستياء بما فيهما من أمل بفعلٍ ما قد يرضي ويسر، وستبقى الحسرة التي هي الحزن والندم على سالف لا معاد له، وتلك اللحظة ستكون لحظة اختفاء كيانهم الذي يسير نحو نهايته مبطئا حينا ومسرعا حينا آخر، والبطء والسرعة سيلقيان به في ظلمة هاوية الاختفاء والفناء الأبدية. وأي تعاسة وآيات حتمِ زوال أن يعتمد كيانٌ ما على السلاح شرعية وحيدة له! إسرائيل تملك أسلحة أكثر مما تملك عشرون أو ثلاثون من بعض دول العالم، وما من واحدة من تلك الدول أسيرة هواجس الزوال ووساوسه مثل إسرائيل، وما من واحدة منها في احتراب وارتياب موصولين مع أهل المنطقة التي تعيش فيها مثل إسرائيل.