بقلم / حسن لافي
مثّل اغتيال الشهيد والأسير والقائد والرمز الوطني الشيخ خضر عدنان صدمة وطنية للكل الفلسطيني؛ فهذا الرجل الصلب الذي هزم الاحتلال بأمعائه الخاوية وإرادته التي لا تلين في جولات من الإضراب سابقاً ارتقى شهيداً في معركة كانت كل المؤشرات تقول إنها ستكون أصعب وأشرس معركة في مواجهة حكومة إسرائيلية تعد الأكثر فاشيةً وتطرفاً في تاريخ "إسرائيل"، لكنَّ خضر عدنان الذي يرفع دوماً شعار "الواجب فوق الإمكان" سجل درساً للأمة ولشبابها المقاوم في التحدي حتى في أعتى الظروف وأقساها.
يمكن أن تعتقد "إسرائيل" أن استشهاد خضر عدنان سيشكّل رادعاً قوياً لكل الأسرى الفلسطينيين لعدم اللجوء إلى سلاح الإضراب؛ هذا الفعل الكفاحي الذي أذلّ قوة الردع الإسرائيلية مرات متتالية، والذي كان عدنان أيقونته النضالية، ولكنها ووزير أمنها القومي إيتمار بن غفير يتناسون أن ما يعتبرونه إنجازاً يرتبط بكثير من المتغيرات والظروف المحيطة بإضرابه الأخير، والتي لا يمكنها أن تتحكّم فيها وتكررها كل وقت.
ومع أول إعلان عن إضراب فردي لأي أسير يمكن أن يتحوّل استشهاد الشيخ خضر إلى عامل ضاغط لمصلحة المزيد من الدعم الشعبي والدعم السياسي والعسكري للأسرى المضربين، الأمر الذي أدركه عاجلاً الأسرى الإداريون في السجون الإسرائيلية، ليعلنوا نيتهم خوض إضراب جماعي للكلّ الوطني داخل الحركة الأسيرة، كرسالةٍ تحدٍ واضحة للاحتلال وحكومته الفاشية.
أما على صعيد قوة الردع العسكرية الإسرائيلية، فالجولة العسكرية التي أعقبت استشهاد الشيخ خضر عدنان، والتي خاضتها القوى الفلسطينية المقاومة من غزة موحّدة تحت عنوان الغرفة المشتركة، كرد أولي على اغتيال خضر عدنان، أثبتت أنَّ حسابات "إسرائيل" ستكون معقّدة جداً في حال أقدمت على أي عمل عسكري ضد المقاومة الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة.
هذا الحدث أثبت أيضاً أنّ مخاوف حساباتها من تدحرج التصعيدات إلى حرب في الساحات كافة باتت رادعاً حقيقياً لـ"الجيش" الإسرائيلي، يجعله يبحث عن خوض عمليات عسكرية محدودة يظنّ أنّها مضمونة النجاح والنتائج، ما يتطلب منه تحضيرات عديدة وطويلة، وعلى مستويات مختلفة. كل ذلك في ظل المتغيرات المتسارعة في البيئة الإستراتيجية الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية المحيطة بالكيان الصهيوني، ما يجعل تحقيقها نوعاً من طلب المستحيل.
إن إطلاق ما يقارب 104 صواريخ في أقل من 24 ساعة من غزة كردّ الأولي على اغتيال الشيخ خضر عدنان أوضح أنّ أكبر خاسر في هذه الجولة هو الحكومة اليمينية الفاشية التي اتخذت قرار اغتيال عدنان.
هذا الردّ الأولي على الجريمة خلق صدعاً داخل تركيبتها الائتلافية. وهنا، تبرز معارضة الكثيرين في الحكومة للأداء العسكري الإسرائيلي بشأن صواريخ غزة، فقد فشلت الحكومة الفاشية في تحقيق الكثير من الشعارات الضّخمة التي كانت ترفعها في حملتها الانتخابية.
تكفي متابعة ردود فعل الإعلام الإسرائيلي وخيبة الأمل الواضحة من كلّ الأطياف السياسية الإسرائيلية من أداء "الجيش" والحكومة في التعامل مع صواريخ غزة، إذ أوضح استطلاع للرأي نشرته قناة "كان" الإسرائيلية أن 71% من المستطلعة آراؤهم غير راضين عن تعامل الحكومة في الجولة الأخيرة مع غزة.
بالتأكيد، لم ينتهِ الردّ على عملية اغتيال الشيخ خضر عدنان؛ فما حدث هو افتتاح لبوابة الرد لبقية الساحات. وقد أدى دوراً مهماً في تصدير قضية اغتيال الشيخ خضر إلى الأجندة الإعلامية الإقليمية، وأوصل رسالة واضحة إلى الاحتلال بأنّ غزة مستعدة وجاهزة للرد على العدوان الإسرائيلي ضد أسرانا وقضايانا الوطنية الكبرى. وهنا، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما حدث في شهر رمضان الماضي وتأثيره في متخذ القرار الإسرائيلي.
هنا، يمكن أن يسجل للشيخ خضر عدنان أنه استطاع، بدمائه وإرادته، أن يضع قضية الأسرى الفلسطينيين ضمن الخطوط الحمر في معادلة الاشتباك مع الاحتلال، لتصبح قضية الأسرى، كقضية المسرى، شرارة حرب مباشرة.
إنّ العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي علاقة صراع مستمر، وتحتاج إلى جهود وتراكم، وليست مرتبطة بحادثة هنا أو رد ثأري هناك، بل هي نقاط تتراكم في إطار المعركة المفتوحة مع الاحتلال، يستفاد منها في فرض قواعد اشتباك أفضل للمقاومة الفلسطينية وحشد الشعب خلف خيار المقاومة.
لذلك، الرد الحقيقي والإستراتيجي على اغتيال خضر عدنان يتأتى من خلال 3 نقلات إستراتيجية على الشعب الفلسطيني ومقاومته القيام بها:
أولاً، الوحدة من خلال المقاومة على كل الجبهات وفي كل الساحات. ولتكن دماء خضر عدنان ورمزيته المفتاح الوطني لتكريس الوحدة من خلال المواجهة مع الاحتلال، وتعزيز إستراتيجية وحدة الساحات الفلسطينية في إطار المعركة الشاملة المفتوحة مع الاحتلال ووحدة المصير الفلسطيني في مقابل محاولات التفتيت والتجزئة الصهيونية للشعب والقضية الفلسطينية التي تمارسها على مدار سنوات الصراع.
ثانياً، العمل على إيجاد إستراتيجية وطنية من أجل إنهاء ملفّ الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وفي مقدمة ذلك أن تبذل المقاومة الفلسطينية كل الجهود، وفي كل ساحات العمل المقاوم، لإجبار "إسرائيل" على إنجاز صفقات تبادل أسرى، إضافةً إلى الدور الرسمي والشعبي الداعم، من خلال الفعل الجماهيري والقانوني والدبلوماسي لقضية الأسرى كقضية وطنية مركزية للكل الفلسطيني.
ثالثاً، إحداث تغيّر دراماتيكي ونقلة نوعية في طبيعة المقاومة في الضفة الغربية، وخصوصاً في عمل التشكيلات العسكرية المنظمة، كما حدث بعد اغتيال الشهيد رائد الكرمي عام 2001، التي تكرست في إثره العمليات الاستشهادية في الداخل المحتل من كل الفصائل، بما فيها كتائب شهداء الأقصى.
والآن، من الممكن الاستفادة من رمزية الشيخ خضر (رحمه الله) في إحداث تلك النقلة الهجومية لدى التشكيلات العسكرية باتجاه المبادرة وعدم الاكتفاء بالإستراتيجيات الدفاعية.