Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

تشرين نقطة تحوّل...

بقلم/ د. يوسف الحساينة

ما أن يهل علينا شهر تشرين/ أكتوبر، حتى يشرق وجه فلسطين مستبشرا ً بميلاد الفجر.. الفجر الذي بدد ظلام المرحلة، ودشّن نقطة تحوّل كبرى في مسيرة نضال وجهاد شعبنا الفلسطيني على يد الثلة المؤمنة التي غرست بذرة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، لتقف كالطود العظيم في وجه المشروع الاستعماري الغربي ورأس حربته في المنطقة الكيان الصهيوني.

إنه شهر تشرين.. شهر العاشقين والمتسربلين إيماناً ووعياً وثورة، وقِبلة الصاعدين نحو علياء المجد مقبلين غير مدبرين.. إنه الشهر الذي أرسى فيه المفكر فتحي الشقاقي وصحبه الميامين، قواعد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بعد أشهر من الجولات والجلسات والحوارات الواعية والمعمقة التي شهدتها غزة والقدس والزقازيق، وفى مطلع الثمانينيات نفذت سلسلة مباركة من العمليات الفدائية التي أربكت الكيان الصهيوني، وشكّلت تحولاً نوعياً في العمل الجهادى والمقاوم في فلسطين، مؤكدةً على رؤيتها الثاقبة والواعدة والواعية أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة، وأن مقاومة العدو والاشتباك معه داخل فلسطين المحتلة هو السبيل الأكثر تأثيراً وفعالية في لجم العدو والتصدي لمخططاته واستنزاف مقدراته.

فمنذ بدايات العام ١٩٨٢ وتشكيل الخلايا الجهادية الأولى التي تصدت لجنود الاحتلال، والمستوطنين، بالسكاكين وبما تيسّر من أسلحة وقنابل تمكن المجاهدون من توفيرها بشقّ الأنفس، كانت ملامح ميلاد الفجر الجهادي الجديد تتشكل في الأفق، رغم الملاحقة والحصار والاعتقال ومحاولات التغييب داخل السجون والزنازين، ولأنه قدر الله، لم يستطع الاحتلال بكل جبروته أن يوقف زحفه وانبعاثه..!

وفي مايو 1987، كان الموعد الأجمل مع الانعتاق من زنازين القهر في سجن "السرايا" وسط مدينة غزة، حيث كانوا ستة فرسان، بقيادة الفارس الرباني والمجاهد الكبير مصباح الصوري، على موعد مع الحرية، على موعد مع الفجر، على موعد مع الصيحة الجهادية الكبرى، صيحة ملأت أرجاء فلسطين والمنطقة لتعلن الميلاد المبارك للفكرة المقاتلة والواعدة والخالدة.. الفكرة التي لم تعرف منذ غرس بذرتها الأولى غير فلسطين، قِبلةً ورايةً وغاية...!

لقد شكلت تلك الثلة المؤمنة المؤيدة بنصر الله، فاتحة الطريق من جديد للعمل المسلح المسترشد بظلال القرآن ضد المحتل الغاصب، لتتمكن بفضل الله وتوفيقه من خلق حالة ثورية ونضالية جديدة في الساحة الفلسطينية إثر تمكّنها –رغم قلة الإمكان- من تنفيذ عديد العمليات البطولية التي أسفرت عن مقتل عدد من قادة وجنود ومستوطني الاحتلال في شوارع وأزقة غزة، حتى باتت حديث فخرٍ وعزٍّ للشارع الفلسطيني، ومصدر رعبٍ وقلقٍ أمني للاحتلال.

حينها بات الاحتلال بأجهزة استخباراته كافة، في سباق مع الزمن للقضاء على هذه الظاهرة الفكرة الوليدة المذخّرة بالرصاص والقنابل، التي انبثقت من آيات الإسراء، علّه يقضي عليها أو يحاصرها في مهدها، قبل أن تتمكن من التمدد في الآفاق والتغلغل في الأعماق، والاستقرار في الأفئدة والقلوب!

وفي لحظة فارقة، تمكن الاحتلال في حدثين منفصلين وبفارق أيام فقط، من اغتيال المجاهد مصباح الصوري وسط قطاع غزة، ومحمد الجمل، وزهدى قريقع، وسامى الشيخ خليل، وأحمد حلس شرق حي الشجاعية بمدينة غزة، بعد رحلة زاخرة بالمقاومة، عندها ظنّ العدو متوهّماً أنه باغتيال تلك الثلة المؤمنة يكون قد قضى على الفكرة التي تحولت مع أول دفقة دم من الصوري وإخوانه، إيذاناً بميلاد فجر العزة والكرامة المتولّدة من رحم الثورة التي خطّها المقاتلون الأوائل السابقون السابقون في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

ونحن على بعد 34 عاماً من تلك المرحلة التي شهدت وضع اللبنات الأولى للعمل الجهادي المقدّس في فلسطين، بتوجيهات واعية من المفكّر المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي –رحمه الله- ما زلنا نشعر ببركة ذلك الغرس، الذي أثمر وأينع في محطات خلّدها التاريخ.. حيث ما زالت الذاكرة حيّة ببطولات القوى الإسلامية المجاهدة (قسم) ولوائها المظفّر "أسد الله الغالب"، كما زلنا نعايش بطولات وأمجاد العز التي صنعتها -وما زالت- سرايا القدس.

فها هي مسيرة الجهاد الإسلامي مسيرة المؤسس الشقاقي واخوانه، مكللة بعناية الله تمضي على طريق الإسلام وفلسطين والجهاد، لا يضرها من خالفها، عاقدة العزم على المضي قدماً باتجاه تحقيق وعد الآخرة وإساءة وجوه بني يهود، ومعها كل الأحرار والثوار في "محور القدس" الممتد من طهران الإباء، وبغداد الفداء، مروراً بصنعاء البطولة، ودمشق العروبة، وبيروت المقاومة، وصولاً إلى فلسطين الرباط والثبات والإسراء.!

وختاماً، ونحن نعيش ذكرى ميلاد الفكرة وانتصارها على الجلاد، ننحني إجلالاً وإكباراً أمام كل قطرة دم سالت لتروي شجرة المقاومة في فلسطين على طريق التحرير، ونتواضع خجلاً أمام عذابات أسرانا البواسل عشّاق الحرية، ونعاهد الله وشعبنا وأمتنا على المضي قدما في درب ذات الشوكة، مهما كلفنا ذلك من أثمان.. ففلسطين جزء من ديننا وعقيدتنا دونها دماءنا وأرواحنا ومهج قلوبنا.