بقلم / عامر خليل
ارتفعت وتيرة التلميح الإسرائيلي باغتيال قيادات المقاومة بالداخل والخارج إلى درجة أعلى وباتت أكثر صراحة بتسريبات مقصودة في الإعلام الإسرائيلي خاصة القناة ١٢ التي أورد مراسلها العسكري نير ديفوري مؤشرين عليها:
الأول ما نقله عن أوساط سياسة إسرائيلية بتوجيه نتنياهو لوزرائه ألا يدلوا بتصريحات في الإعلام عن الاغتيالات، مع إشارة هذه المصادر إلى أن الرد الإسرائيلي على أي عملية قادمة سيكون قويا او عظيما او بالمصطلح العبري "عوتسمتي" وهي صفة مشتقة من كلمة "عوتسمه" اي القوة وفي تفسير ذلك يوضح ديفوري ان الرد سيكون في الضفة قويا بعد اي عملية قادمة بدخول الجيش للمدن وتنفيذه حملة عسكرية واسعة حتى لو كان الثمن دخول غزة الى خط المواجهة.
وفي المؤشر الثاني برزت مقابلة ديفوري مساء السبت الماضي مع رئيس قسم العمليات في الجيش الإسرائيلي اللواء عودد بسيوك الذي أجاب على اسئلة عن غزة والضفة ولبنان وسوريا وايران وملخصها ان الجيش نفذ وينفذ عمليات في كل هذه الأماكن وتم اظهار صورة قائد حماس في غزة إبراهيم السنوار وهو يجلس على كرسي على حطام منزله الذي دمره جيش الاحتلال في معركة سيف القدس عام 2021 عندما سأل ديفوري بسيوك عن السنوار في موضوع الاغتيالات.
لا شك ان هناك ارتفاعا واضحا في لغة التهديد الاسرائيلي بالاغتيالات وتصور وكأنها وسيلة جديدة سيتم الاقدام عليها لتنجح فيما فشل فيه جيش الاحتلال حتى الآن بوقف عمليات المقاومة في خداع واضح للإسرائيليين الذين يشتكون من فقدان الأمن ويعيشون حالة استقطاب متزايدة بسبب التعديلات القضائية والتي اخذت تنعكس على احياء الاحتلال ليوم تأسيسه وذكرى قتلاه بالتوجه إلى مقابر القتلى والقاء كلمات بحضور سياسيين وسط تهديد عائلات القتلى بمقاطعة الاحتفالات او تشويشها وهو ما يطغى على اهتمام الإعلام الإسرائيلي.
من جانب اخر يجب فهم حديث الاغتيالات المتجدد في سياقه الصحيح ليس تهوينا او تضخيما وهنا لا بد من التأكيد على النقاط التالية:
اولا: الانقسام العامودي والأفقي في الجيش والمجتمع الإسرائيلي فلم يعد الحيش محل اجماع او بوتقة انصار او جيش الشعب كما يردد إسرائيليا فالهمز واللمز عليه من الاسرائيليين او السياسيين بات ظاهرة ملحوظة في العامين الأخيرين ولذلك قد يكون الاغتيال او الحديث عنها محاولة لتحقيق الاجماع حول الجيش ونقل الاهتمام إليه بدلا من الانشغال بالاستقطاب الحاد في المجتمع الإسرائيلي.
ثانيا: تتبدى علامات ضعف متزايدة لصورة "إسرائيل" ومجتمعها ربما كان مؤشرها محاولة حكومة نتنياهو في الحفاظ على وتيرة الرد الإسرائيلي كما هي دون توسيعه لمعركة أكبر، وربما كان التراجع الإسرائيلي في مسألة الاعتكاف بعد الاعتداء الإرهابي على المصلين ليلة السادس من نيسان الحالي كان الأوضح واعطى ضعفا يريد نتنياهو ترميمه في اعادة طرح الاغتيالات مجددا.
ثالثا: لا يخفى انه كان هناك حرصا اسرائيليا على تهدئة ميدانية وعدم الدفع في اتجاه الانفجار خلال رمضان وعيد الفصح اليهودي وما يسمى يوم الاستقلال واحياء ذكرى قتلى جيش الاحتلال والذي ينتهي يوم الاربعاء القادم ليكون الباب مواربا واكثر اريحية لتنفيذ اغتيالات
رابعا: الحديث الإسرائيلي المتكرر عن تآكل الردع الإسرائيلي والذي يحتاج لإعادته إلى عمل إسرائيلي مبادر يمكن ان يكون الاغتيال عنوانا له باستهداف قيادات في المقاومة بالخارج أو الداخل.
خامسا: تراجع نتنياهو في استطلاعات بشكل حاد فقد بات غانتس ولبيد يتفوقان عليه في الملائمة لرئاسة الوزراء بفارق كبير بعد كان يتقدم عليهما في الجولات الانتخابية الأربع الأخيرة، فقد يوظف نتنياهو التقديرات الأمنية عن اقتراب حرب متعددة الجبهات او الرد على صواريخ الشمال وعبوة مجدو لقرار في اتجاه اغتيال.
رغم كل الدوافع السابقة نحو خيار الاغتيال الإسرائيلي فلا يمكن الجزم بذلك فهناك العديد من المحاذير التي قد تمنع تنفيذ هذا الخيار وهنا يمكن قراءة التالي:
اولا: ان يكون التلويح الإسرائيلي بالاغتيالات يذهب في اتجاه الجمهور الإسرائيلي بطمأنته وتخفيف الخوف الذي يتملكه بعد العمليات الاخيرة.
ثانيا: ان يكون حديث الاغتيالات الإسرائيلي جزءا من الحرب النفسية لتحقيق الردع المفقود دون الولوج الى معركة غير مضمونة النتائج.
ثالثا: عرض مقابلة رئيس قسم العمليات في جيش الاحتلال عودد بسيوك في القناة ال 12 الإسرائيلية لم يكن مصادفة والتي أجريت في يوم تنفيذ عملية الشيخ جراح في الثامن عشر من الشهر الحالي وبثت مساء الثاني والعشرين منه فهي تهدف لتحقيق ما ورد في النقطة الأولى والثانية وكان ابراز المكان البئر في مقر وزارة الحرب تحت الأرض وسط شاشات المراقبة وتلقي بسيونك رسالة مكتوبة واعطائه امرا بالتنفيذ لعملية لم يكشف عنها مقصودا في دليل واضح على ان اخراج هذه الصورة كان جزء من حملة إعلامية لاستعادة الردع وكونه شكلا من الحرب النفسية وطمأنة الإسرائيليين.
رابعا: يدعم ما سبق الإشارات الواردة في الاعلام عن طرح أسماء مع صور كما ورد في صحيفة يديعوت على غرار السيد حسن نصرالله وصالح العاروري وإبراهيم السنوار وتكرار طرح الأسماء في كتابات اكثر من محلل إسرائيلي.
خامسا : رغم الحديث الإسرائيلي عن العودة الى الاغتيالات فان الحسابات الإسرائيلية دقيقة ويفهم المستوى السياسي والأمني عواقب ذلك وتعقيداته وما قد تؤول إليه من معركة تطول لأيام وأسابيع تكون نتائجها معاكسة للأهداف التي وضعت من اجلها، مع اداراك تل ابيب لقدرات المقاومة المتنامية في إصابة الجبهة الداخلية بشلل كامل واصابة العمق الإسرائيلي على مسافات طويلة لفترة طويلة من الزمن.
سادسا: المحاذير الإقليمية والدولية وما قدر تولده من مواقف تضر كيان الاحتلال أكثر مما تنفعه في وقت تنشغل الولايات المتحدة بقضايا أخرى وتريد تهدئة الساحة الفلسطينية وهو عامل تأخذه تل ابيب بالحسبان، الى جانب مزيد من الضرر لمسار التطبيع الإسرائيلي فعدوان إسرائيلي سيراكم مزيد من الانكماش فيه وصولا الى تجميده.
أيا كانت جدية حديث الاغتيالات الإسرائيلي فان الأمر ليس مستبعدا وقد تعرضت العديد من قيادات المقاومة على مدى العقود الماضية لعمليات اغتيال لم توهن من عزيمتها او قدراتها بل كانت حافزا أكبر لتصاعد العمل المقاوم وتطوره وتعزز نهج المقاومة فالأمر لا يخيف المقاومة التي باتت أكثر حذرا واستعدادا لإفشال أي محاولة يقدم عليها الاحتلال في اغتيال قياداتها.
مجرد الحديث الإسرائيلي عن الاغتيالات يقول أن المقاومة بعملياتها الفردية او المنظمة حققت نجاحا كبيرا ورسخت توازن الردع أمام كيان يمتلك آلة عسكرية ضخمة وهائلة لكن الإدارة الذكية للمشاغلة مع الاحتلال وتحسبه الكبير من معركة متعددة الجبهات يسجل نجاحا استراتيجيا في الصراع الطويل مع الاحتلال.