اطلق الجنود الاسرائيليون رصاصة على قدمي، وقعت على الارض، احاط بي المستوطنون ورقصوا حولي، هتفوا: اقتلوه.. اقتلوه، الموت للعرب، توقعت ان تصل سيارة اسعاف وان انقل الى العلاج بعد ان اصبحت غير قادر على الوقوف والحركة،
انزف الدماء، وفجأة استجاب احد الجنود للهتاف، واقترب مني، ومن مسافة صفر اطلق الرصاص بغزارة على رأسي وصدري حتى سقطت شهيدا وسط الابتهاج الهستيري والاحتفال بموتي.
انا الشهيدة هديل الهشلمون، قتلوني عندما حاولت عبور الحاجز العسكري للدخول الى البلدة القديمة في الخليل يوم 2292015، اوقفني الجنود، لا شيء معي، ارادوا ان اخلع النقاب فرفضت، ودون نقاش اطلقوا عليّ عشر رصاصات وعن مسافة 3 امتار، سبعة منها في الجزء العلوي من جسمي، وثلاثة في الجزء السفلي، اعدموني واقفا مندهشا مطرزا بالرصاص والموت.
القتل من اجل القتل، القتل العمد وبدون اسباب، لمجرد الاشتباه او عدم الاشتباه، القتل دون تمييز على نساء ورجال واطفال، الضغط السهل على الزناد، القتل حتى لو لم يكن هناك خطرا على الجنود، فكل جندي على هذا الحاجز او ذاك صار محكمة وجلاد في آن واحد، هناك نزعة انتقام ومقصلة متحركة تلاحق الفلسطينيين.
انا الشهيد محمد عطا ابو لطيفة، سكان مخيم قلنديا للاجئين، اعدمني جنود الاحتلال يوم 27112015 من مسافة صفر، عندما لاحقوني والقوا القبض عليا مصابا بثلاثة رصاصات انزف الدماء، وقعت في إحدى زوايا المخيم في تلك الليلة الموحشة، اقترب جندي مني، اطلق الرصاص على صدري، توقعت انه سوف يكلبشني ويعتقلني، لكنه اعدمني في ذلك البرد الشديد.
القتل بدل الاعتقال، سياسة اسرائيلية ممنهجة، ووفق تعليمات اسرائيلية رسمية، استباحة للدماء، استجابة لقرار "قائد شرطة لواء القدس" (موسى إدري) الذي اصدره ويقضي بحكم القتل على اي فلسطيني حتى لو كان بالامكان تحييده او السيطرة عليه، واستجابة لقرار "وزير الامن الداخلي" (جلعاد اردان) الذي هدد ان كل فلسطيني لن ينجو من القتل سواء حمل مفكا او سكينا او اصدر اي حركة معينة، فيجب اطلاق النار عليه وقتله.
انا الشهيد فادي علون، اعدموني يوم 4102015 في القدس المحتلة، طوقني الجنود والشرطة والمستوطنون، وكانت هناك جوقة متطرفة تطالب وتحث على قتلي، رقصوا حولي مشهرين اسلحتهم، كان بإمكانهم القبض عليّ بسهولة، وقد استجابت الشرطة لنداء وهتاف المستوطنين المتطرفين، فأطلقوا النار عليّ وقتلوني دون رحمة، سبع رصاصات اطلقت عليّ، لم يكتفوا بواحدة، شنّوا حربا على جسدي.
الاعدام الميداني التعسفي، القتل خارج نطاق القضاء، هي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين تحت حجج وذرائع واهية، جعلت من كل مسلح اسرائيلي "محكمة" متنقلة، تصدر قرار الاعدام الميداني بحق اي فلسطيني بمجرد الشك.
انا الشهيد طارق زياد النتشة، سكان الخليل، اعدمني الجنود الاسرائيليون يوم 17102015 عند مدخل شارع الشهداء في الخليل، تركوني انزف الدماء بعد اصابتي ولمدة (40) دقيقة دون علاج او السماح لسيارات الاسعاف من الاقتراب مني، كنت حيا وصاحيا، وبقيت انزف الدماء حتى سقطت شهيدا، ورأيت المستوطنين يوزعون الحلوى مبتهجين بموتي البطيء امامهم قطرة قطرة، حتى آخر شهقة صعدت مني.
هو تقديس الموت، غياب النزعة الاخلاقية والانسانية، التدني والفساد في كل المعايير والقيم القانونية والثقافية والانسانية في السلوك والفكر الاسرائيلي، الخوف والجزع والتطرف العنصري، وعدم رؤية الحياة، بل نمط حياة حربي تجاه كل شيء.
انا الشهيدة مهدية محمد ابراهيم حماد، سكان قرية سلواد قضاء رام الله، اعدمني جنود الاحتلال يوم 15122015 على حاجز حوارة العسكري، وابل كالمطر من الرصاص اطلق على سيارتي التي اقودها على مدخل البلدة، ودون سابق انذار، وعن بعد 30 مترا قتلوني، وتركوني اتجرع الموت دون السماح لطواقم الاسعاف من الوصول والاقتراب، صارت مركبتي قبرا غارقا في الدماء.
القتلة تحولوا الى ابطال اسرائيلين، تمجيد للبربرية الاسرائيلية بعد ان فقد "المجتمع الاسرائيلي" احساسه الانساني، التعطش للدماء، قناصة مقنعون ينتشرون على الحواجز والمداخل يصطادون قتلاهم واهدافهم بدقة مميتة، والاكثر خطورة ان الضمير الثقافي لا يرتجف في "اسرائيل" امام مشاهد الاعدام المستمرة.
انا الشهيد عبد الله عزام شلالدة، سكان قرية سعير قضاء الخليل، اعدمتني وحدات المستعربين الاسرائيلية (فرق الموت) يوم 12112015 بعد ان اقتحمت المستشفى الاهلي في الخليل، وداخل غرفة المستشفى اطلقوا عليّ خمسة رصاصات قاتلة، تركوا جثتي مضرجة بالدماء واختطفوا ابن عمي الجريح عزام، كان فجرا داميا وطويلا وبلا نهار.
مؤسسات حقوق الانسان مصدومة مما يجري بحق الفلسطينيين، وقد اتهمت الحكومة الاسرائيلية بالتشجيع على الاعدام والاستهانة بحياة البشر، وان عمليات الاعدام تأتي ضمن سياق الخطاب المتوافق لقادة "اسرائيل" واعضاء "الكنيست" الداعية الى قتل الفلسطينيين، والاكثر ان اتفاقيات جنيف مصدومة ايضا من اغتيال احكامها ونصوصها التي تعتبر الاعدام خارج نطاق القضاء جرائم حرب وتدعوا الى حماية السكان المدنيين.
انا الشهيدة الطفلة اشرقت طه قطاني 16 سنة، سكان مخيم عسكر قضاء نابلس، اعدمني جنود الاحتلال يوم 2211 2015 على حاجز حوارة العسكري بعد ان قام "رئيس المجلس الاستيطاني" المدعو (غرشون مسيكا) بدهسي بسيارته، وبعد اصابتي بجروح خطيرة اطلق الجنود الرصاص عليّ ومن مسافة قريبة، وظلوا يطلقون الرصاص حتى تاكدوا من موتي.
اطلاق الرصاص على الاطفال، على الاجزاء العلوية من الجسد، استخدام اسلحة محظورة دوليا، رصاص روجر، رصاص الدمدم المتفجر ضد راشقي الحجارة، يسقط الاطفال كالفراشات، هناك صمت، هناك الطفلة هديل عواد تركض في شوارع القدس خائفة يصطادها الموت، وهناك الطفل احمد مناصرة يهشمون راسه علنا امام الكاميرا حتى تنفجر الصورة غضبا، وهناك دانيا ارشيد الطفلة التي لم تعد الى المدرسة بعد ان اعدمها الجنود على باب الصلاة في الحرم الابراهيمي الشريف.
انا الشهيد الطفل عبد الرحمن عبيد الله، 13 سنة، سكان مخيم عايدة للاجئين، اعدمني قناص اسرائيلي بإطلاق رصاصة من نوع دمدم على قلبي، سقطت تحت علم الامم المتحدة المرفوع فوق مركز وكالة غوث اللاجئين، حقيبتي المدرسية وكتبي امتقعت بالدماء... شاهدت القناص واحتفظت بصورته في بؤبؤ عيني.
هي ثقافة الاشرار، والذين يدّعون انهم (نور للاغيار)، ويتبجحون بأن سلاحهم طاهر، وبأن جيشهم هو الاكثر "اخلاقية" في العالم، ويطلقون النار بعيدا وقريبا ليصلوا على اجسادنا الى حدودهم الموعودة، بل وأكثر، عندما يتغنون بتلك القصيدة العسكرية التي تقول ان "دولة اسرائيل" الشجاعة ستقام بين جدران القتلى، وعلى موسيقى اناشيد الحرب العالمية.
انا الشهيد الطفل احمد موسى سعيد كميل 16 سنة، سكان قباطية قضاء جنين، تم اعدامي يوم 24102015 على حاجز الجلمة العسكري، لقد تركوني مصابا انزف الدماء فترة طويلة، كنت اتحرك يمينا وشمالا حتى يدركوا انني مازلت حيا وبحاجة الى علاج، ولكنهم ظلوا ينتظرون حتى خمدت حركتي وزهقت روحي.
لا احد يستطيع ان يأمر الشعب الفلسطيني بالنسيان، فأي شعب يقدس الحياة ومتعطش لكل نقطة من الحياة الطبيعية عليه ان لا ينسى، فكم ينبغي ان يموت الفلسطيني؟ موت الجسد ام موت الذاكرة، وعلينا ان نوقظ الشهداء دائما حتى يبقى القتلة قلقون، عندما يأمرنا شهداؤنا بالحياة.
نحن الشهيدين محمد عقاب ابو ريم وسعيد جودة ابو الوفا، جرى اعدامنا على حاجز الحمراء العسكري يوم 912016، عندما امطر جنود الحاجز السيارة التي كنا نستقلها بوابل من الرصاص خلال انتظارنا المرور لتوزيع المواد التموينية في منطقة الاغوار، وبعد اصابتنا بالرصاص قام مستوطنون بضربنا بقضبان حديدية وبالعصي وامام انظار قوات الاحتلال حتى صعدت ارواحنا الى بارئها.
يقول البير كامو: ان الضحية تدخل عالم الموت بسرعة دون ان تعرف ما يحدث لها مهما كان ذعرها من العنف المميت الذي تعامل به، ان لحظة الرعب هذه محسوبة من لحظات الحياة، والضحية لا تفقد البتة على الارجح الامل في النجاة من الجنون الذي ينهار عليها.
انا الشهيدة العجوز ثروت ابراهيم سليمان الشعراوي 72 سنة، سكان الخليل، جرى اعدامي بطريقة استعراضية يوم 6112015، عندما اطلق جنود الاحتلال 15 رصاصة على سيارتي التي اقودها في منطقة رأس الجورة بالخليل، لقد تدربوا جيدا على قتلي وحصلوا على نياشين واوسمة.
يقول فقهاء القانون: القتل عن سابق تعمد اخطر من القتل في ساعة عنف مفاجيء، والحقيقة ان الاعدام يتوفر فيه سبق التعمد اكثر من اي جريمة أخرى، ولا يمكن ان يقارن بأي جرم ارتكبه مجرم، والاعدام الاسرائيلي يسبقه تعذيب يسمى تحريك دولاب الموت او شوي الروح.
انا الشهيد عبد الرحمن البرغوثي، سكان بلدة عابود قضاء رام الله، اعدمني جيش الاحتلال يوم 4122015 على مدخل البلدة خلال توجهي لزيارة خطيبتي في قرية دير غسانة، وفي البداية تم اعتقالي وتوقيفي، رفعت يداي وترجلت من سيارتي، وفجأة اطلقت عليّ النيران بغزارة، سقطت على الارض، هرب الجنود الى معسكر قريب، بينما ظلت خطيبتي تنتظرني حتى عدت اليها شهيدا.
لم يتأكد الشهداء المعدومين ان كان بإمكان القضاء الدولي ان يلاحق ويحاسب المجرمين، فهم لم يعودوا قادرين على المرافعة عن انفسهم، لقد صاروا في الابدية، يتأملون من القاضي الدولي الذي يزعم انه يبرهن على البراءة كما يبرهن على الاجرام ان يتوصل الى بعثهم من جديد.
حديث المعدومين يطول ويطول، فالموت مستمر في كل البلدات الفلسطينية، صوت الدماء والارواح تدوي على الارض وفي اعالي السماء، شهداء يسقطون ويسقطون، كتبوا وصاياهم على التراب وعلى الارصفة، ويتساءلون اين المحكمة الجنائية الدولية؟
حديث المعدومين
مطرا مطرا
على ارض النبوءات والحياة
لغة العائدين شهودا
على الجناية والجناة
* وزير شؤون الأسرى والمحررين- رام الله.