استضاف إقليم غزة بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في أمسية رمضانية، عضو المكتب السياسي بالحركة الشيخ نافذ عزام، للحديث عن معركة بدر الكبرى.
وشارك في الأمسية، مسؤول الإقليم الأستاذ يوسف دلول، وأعضاء لجنة الإقليم، ونخبة من مسؤولي الملفات والكادر التنظيمي.
وتحدث الشيخ عزام عن إرهاصات المعركة، التي وقعت في صبيحة يوم الإثنين، السابع عشر من شهر رمضان، في السنة الثانية للهجرة، مشيراً إلى أن إطلاق اسم (بدر) عليها نسبةً إلى آبار ماء مشهورة بين مكة والمدينة أسفل وادي الصفراء.
ولفت إلى أنه بعدما بلغ المسلمون تحرك قافلة كبيرة تحمل أموالاً عظيمة لقريش عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان، انتدب النبي، (صلى الله عليه وسلم)، أصحابه للخروج، وتعجل بمن كان مستعدًا منهم لئلا تفوتهم القافلة، ولذلك لم يكن خروج المسلمين بكامل طاقتهم العسكرية في معركة بدر، فهم خرجوا لأخذ القافلة، ولم يكن في حسبانهم مواجهة جيش قريش.
وأشار الشيخ عزام إلى أن 300 وبضعة عشر رجلاً من المسلمين خرجوا، ولم يكن معهم إلا فَرسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها، فعلم أبو سفيان بخروج المسلمين لأخذ القافلة، فسلك بها طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فاستعدت قريش للخروج دفاعًا عن قافلتها، وحشدت كل طاقتها، ولم يتخلف منهم إلا القليل، فقد رأت قريش في ذلك حطًا لمكانتها، وامتهانًا لكرامتها، وضربًا لاقتصادها، وبلغ عددهم نحوًا من ألف مقاتل، ومعهم مائتا فرس.
ونوه إلى ظهور الخلافات في جيش المشركين بعد نجاة القافلة بين مريد للعودة دون قتال المسلمين حتى لا تكثر الثارات بين الطرفين، وبين مُصر على القتال كأبي جهل، وقد غلب رأي أبي جهل أخيرًا، ولم يعد هدف قريش نجاة القافلة، بل تأديب المسلمين، وتأمين طرق التجارة، وإعلام العرب بقوة قريش وهيبتها، فلما بلغ النبي (صلى الله عليه وسلم) نجاة القافلة، وإصرار قريش على قتاله شاور أصحابه عامةً، وقصد الأنصار خاصةً فتكلم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، والمقداد بن عمرو من المهاجرين، فقالوا وأحسنوا، وفهم سعد بن معاذ (رضي الله عنه) مراد النبي (صلى الله عليه) وسلم فقال وأحسن، فَسُر النبي (صلى الله عليه وسلم) بقول سعد بن معاذ.
وقال الشيخ عزام :"وصل المسلمون إلى بدر قبل المشركين، وأشار الحبُاَبُ بن المنذر (رضي الله عنه) على النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجعل ماء بدر خلفه، فقبل النبي (صلى الله عليه وسلم) مشورته وأخذ برأيه"، لافتاً إلى أن المعركة بدأت بعدما أنزل الله النعاس وماءً من السماء على جيش المسلمين كي يُطهر به قلوب المقاتلين.
كما لفت إلى أن الله أمد جيش المسلمين بألف من الملائكة ليقاتلوا إلى جوار الصحابة، فقُتل من المشركين 70، وكان من بين القتلى عدد من زعماء قريش، منهم: أبو جهل، عمرو بن هشام، وأمية بن خلف، ووقع 70 من قريش أسرى، وفرّ بقية المشركين، تاركين وراءهم غنائم كثيرة في أرض المعركة، فيما ارتقى خلال المعركة 14 شهيدًا.
وبين الشيخ عزام أن في هذه المعركة دروس كثيرة، منها: أهمية الأخذ بالأسباب، ومنه تقصي أخبار العدو، فقد أرسل (صلى الله عليه وسلم) عدي بن أبي الزغباء وبَسْبَس بن عمرو الجهني، طليعةً يوم بدر، فرجعا إليه بخبر القافلة، وكذلك استواء القائد والجند في تحمل الشدائد والمصاعب، فها هو (صلى الله عليه وسلم) يتعاقب مع علي بن أبي طالب وأبي لبابة على بعير واحد، ويأبى أن يؤثراه، ويقول: «مَا أَنْتُما بِأَقْوَى مِنِّي، وَلا أَنَا بأِغْنىَ عَنِ الأجْرِ مِنكُما»، فكيف لا يحتمل الجند المشاق وقائدهم يسابقهم في ذلك؟!، وأيضاً تطبيق مبدأ الشورى، وتعويد الأمة على ممارستها، وبيان أهميتها، بخاصة في الأمور المصيرية كالحروب، ومنه ما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم)، حين استشار أصحابه وخاصةً الأنصار، وقبوله (صلى الله عليه وسلم) بمشورة الحباب بن المنذر بشأن ماء بدر، وفيه تعويد للصحابة على التفكير بالمشكلات العامة، والتربية على الشعور بالمسؤولية، والتنويع في استخدام الأساليب الحربية المختلفة، والتفكير بالجديد منها، ومن ذلك ما فعله (صلى الله عليه وسلم)، من جعل المسلمين في صفوف للقتال، على خلاف عادة العرب في استخدام أسلوب الكر والفر، وأمره (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه برمي المشركين بالنبل إذا اقتربوا، والاحتفاظ بها إذا ابتعدوا، حرصًا على الإفادة من النبال، أقصى ما يستطاع، إضافة لاستغلال الظروف الطبيعية أثناء القتال، ومنه ما فعل (صلى الله عليه وسلم) حين استقبل المغرب وجعل الشمس خلفه، فاستقبل المشركون الشمس وكانت في وجوههم.
ومن الدروس المستهلمة من هذه المعركة -كما وضح الشيخ عزام- أهمية الدعاء والاكثار منه، فقد فعل ذلك النبي (صلى الله عليه وسلم) حتى سقط رداؤه، وحتمية انتصار هذا الدين وأهله، حتى وإن تباينت الفروقات بين أهل الحق وأهل الباطل في العدة والعتاد، فحقيقة النصر هي من عند الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، مشدداً على أن تحقيق النصر يحتاج إلى الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية بالقدر المستطاع، والتوكل الصادق على الله عز وجل.