بقلم/ياسر عرفات الخواجا
(التنسيق الأمني مقدس ..مقدس ..مقدس) عبارة لطالما تبجح وتباهى بها رئيس السلطة "محمود عباس" وفريقه الأمني
فهي عبارة لم تكن من أجل لفت نظر العالم دبلوماسياً، ولم تكن أسلوب مواربة سياسية لتحقيق المصالح، ولم تكن تعبيرًا لإظهار جديتها والتزامها بالاتفاقيات، ولا حتى لإحراج الاحتلال سياسياً وتسجيل موقف عليه لإلزامه بدفع الاستحقاقات، وإنما هي عبارة لها قدسيتها-على حد تعبير فريق أوسلو- فالتنسيق الأمني بالنسبة للسلطة يمثل لها ماء الحياة ووصفة البقاء.
إن النهج الساقط لفريق أوسلو لم يكن وليد اللحظة، ولم يأت من باب التكتيك السياسي، أو التعاطي مع المتغيرات المرحلية، وإنما هو نظام حياة، وهو ذو أبعاد وأطوار وأدوار ممتدة من الخيانات السابقة التي لعبها هذا الفريق، والتي سيلعبها لاحقاً في الوقوف ضد مصالح الشعب الفلسطيني. إن دور السلطة الوظيفي يكمن باستجابتها لمشروع أمنى خالص، يتمثل بالقضاء على كل ما هو مقاومة؛ لتعزيز أمن الكيان.
إن الارتهان على الاحتلال بشكل مطلق من خلال هذا الفريق المتحكم بالسلطة وبحركة فتح وبمنظمة التحرير الهرمة الخربة التي باتت عبارة عن أداة وشاهد زور على تمرير كل المشاريع الخيانية بحق الشعب الفلسطيني يمثل طعنات متتالية بخاصرة الشعب الفلسطيني ومقاومته.
إن الخيانة التي تقوم بها السلطة اليوم لم تعد وجهة نظر، بل هي ممارسة فعلية وعلنية في وضح النهار، فهذا الدور الذي تقوم به السلطة ما هو إلا امتداد لمن سبقهم من المتعاونين والخونة.. فتطل علينا هذه الفئة اليوم وضمن سلسلة تآمرها على شعبها ومقاومته بمزيد من العمالة والخيانة، وذلك من خلال القبول بخطة "فنزل" الأمريكية، والتي تهدف للقضاء على المقاومة الفلسطينية عبر الأداة الفلسطينية المتمثلة بالسلطة، فخطة الجنرال الأمريكي المخضرم "مايك فنزل" صاحب التجارب الكبيرة في التخطيط الأمني والعسكري داخل المؤسسة العسكرية الأمريكية تهدف الى إعادة السيطرة على نابلس وجنين وشمال الضفة الغربية من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، وتأتي هذه الخطة في الوقت الذي فشل فيه جيش الاحتلال بالقضاء على جيوب المقاومة في تلك المناطق من خلال حملته التي أطلقها "كاسر الامواج"، التي بدأت في آذار الماضي.
الخطة الجديدة كما في كل مرة تضع السلطة رأس حربة في مواجهة أبناء شعبها ومقاومته، وهذا التكليف الأمريكي الإسرائيلي للسلطة تعده الأخيرة مكسباً سياسياً لها تستطيع من خلاله إثبات ولائها وتبعيتها، الأمر الذي يسهم في تحقيق أكبر المصالح المالية لجيوب قادتها، فضلاً عن الامتيازات الأخرى التي يتحصلون عليها من هذا النهج القذر.
وتكمن خطورة هذه الخطة المتمثلة بتعزيز التنسيق الأمني والإعداد والتدريب لأجهزة السلطة من خلال فريق أمريكي أمي من كبار الضباط الأمريكان، وبإشراف مباشر من الدوائر العسكرية والأمنية "الإسرائيلية"، وبالتنسيق الكامل مع أجهزة مخابرات الإقليم ضمن غرفة عمليات مشتركة، حيث تهدف هذه الخطة الى إعادة تأهيل قوات السلطة من خلال تشكيل قوات خاصة تعدادها "5000" جندي من أجهزة السلطة، مدربة على أيدى ضباط أمريكية، تحاكي هذه التدريبات مواجهة المقاومين والسيطرة على منطقتي جنين ونابلس، واللتان تعتبران المصدر الأساسي للكتائب التابعة لسرايا القدس والمجموعات المسلحة، ومنبع الحراك للمقاومة في الضفة الغربية.
هذه العملية التي تهدف إلى عملية استئصال واجتثاث ممنهجة لجيوب ومنابع المقاومة بعد فشل اللجوء للقوة الناعمة المتمثلة بأسلوب المفاوضات والترغيب التي مارستها السلطة مع بعض المقاومين الذين يتبعون لحركة فتح في منطقة نابلس، فأصبح الأمر لزاماً عليهم بالتحرك القوي من خلال إظهار وممارسة القوة والبطش العسكري. وإن ما جرى من جريمة بشعة في نابلس هو في حقيقة الأمر انعكاس وترجمة فعلية للقاءات والمباحثات السرية التي دامت ما يقارب الشهرين تبلورت من خلالها اتفاقية بين السلطة وكيان الاحتلال تقوم على هدنة من جانب واحد "السلطة"، التي تقوم بمد الأجهزة الأمنية "الإسرائيلية " بالمعلومات، وإطلاق يد الاحتلال في الضفة يفعل ما يشاء.
تصر السلطة وفى كل مرة على التعويل على الوعود والأوهام، وتستمر في عملها الوظيفي والأمني في حماية الاحتلال ومستوطناته، بل وتتفانى في إبراز إخلاصها اللامحدود في السير دون توقف في هذه الخطة التي تخدم مصالح الاحتلال.
هذا الدور الخياني الذي تمارسه السلطة والإصرار عليه يقود إلى نتيجة واحدة، وهي شرعنة كل ما يمارسه الاحتلال على الأرض؛ وما قمة العقبة إلا تتويج لمرحلة جديدة مليئة بالخيانة والتنازلات على حساب حقوق شعبنا.
لكن السؤال هنا هل ستنجح هذه الخطة وهذه القمة في القضاء على المقاومة؟؟ الخطة والقمة ما هما الا امتداد لمخططات هدفها ضمان أمن الاحتلال، وترسيخ وتمرير مخططه الاستيطاني التوسعي في تهويد القدس وضم الضفة، ولن تكون أفضل حال من سابقاتها من الخطط والقمم التي كانت دائمًا تستهدف مقاومة وحقوق شعبنا. وأعتقد جازماً أن القمة ستفشل وتسقط أمام إرادة ومقاومة الشعب الفلسطيني للمعطيات التالية:
1. أن شعبنا بمجمله بات يؤمن إيماناً عميقاً بأن المقاومة هي خياره الأفضل في استرداد الحقوق.
2. اقتناع الشعب الفلسطيني بفشل خيار السلطة، ورفضه لانغماسها في الاتفاقيات الأمنية مع الاحتلال، التي تجعل منها رأس حربة في مواجهة شعبنا ومقاومته.
3. قوة الحاضنة الشعبية الملتفة حول شباب المقاومة الذى بات يحمل وعياً جديدًا ومميزاً في فهمه للصراع واستعداده للتضحية بالغالي والنفيس.