قال الدكتور محمد الهندي عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، إن الصراع في فلسطين يعكس ويلخص صراع الأمة مع الغرب بأبعاده العقائدية والثقافية والتاريخية كما أبعاده العسكرية والأمنية والسياسة، موضحا أنه صراع واحد بأوجه مختلفة متداخلة، وتتدخل فيه إسرائيل بكل قضايا المنطقة وكل دولها.
جاء ذلك في كلمة للدكتور الهندي خلال المؤتمر السادس لمنتدى كوالالمبور الذي انعقد الأسبوع الماضي في اسطنبول وتناول تطور القضية الفلسطينية وأثرها على المشروع الإسلامي.
وأضاف د. الهندي: السياق الذي فقدنا فيه فلسطين هو سياق الصراع بين الغرب الصليبي والحضارة الإسلامية، والذي كان من نتيجته إسقاط النظام السياسي الإسلامي ممثلا بالخلافة العثمانية التي مهما قسونا عليها لم تكن نظاماً استعماريا، ثم الغزو الثقافي عبر التغريب والاستشراق، ثم الضلع الثالث وهو التغريب بالقوة وذلك بإنشاء دولة إسرائيل التي هي مشروع مهمته السيطرة على المنطقة العربية والشرق الإسلامي ومنع نهوض واستقلال أي قطر فيه".
وأردف د. الهندي: حرب ١٩٤٨ كانت لحظه فارقة في تاريخ هذا الصراع حيث نشأت دولة إسرائيل على أنقاض فلسطين العربية، وكل التطورات اللاحقة من حروب وتهدئة واتفاقات حتى اليوم هي نتيجة لهذه الحرب التي مثلت سقوطا مدويا للنظام العربي والنخب السياسية والثقافية الذين لم يشكلوا أي تحد للمشروع الصهيوني، ودخلوا المعركة مهزومين عقديا وتقنيا على السواء".
وأوضح أن العروبة رفعت شعارات رنانة بدل أن تكون دعوة تتحدى شروط المستعمر،. ولأن حركة البشر في هذا الكون محكومة بقوانين صارمة لا تحابي أحدا، فإن الهزيمة كانت النتيجة الطبيعية عندما واجهت سبعة جيوش عربية تحركهم المصالح القطرية المتناقضة، عددهم لا يتجاوز ١٥ ألفا بدون رؤية ولا خطة ولا تدريب ولا هدف ولا قيادة موحدة، واجهوا (ما نسميها عصابات صهيونية) قوامها ٧٠ ألفا مدربين ومسلحين ولديهم خطة للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض ولديهم قيادة سياسية موحدة لها رؤية وأهداف محددة وتحالفات مع القوى الدولية الفاعلة وتعمل منذ سنوات لجلب وتوطين وتسليح اليهود الذين هم أدواتها لتنفيذ أهدافها.
واستطرد د. الهندي: هذا صراع مفتوح ويدور في كل المجالات عسكرية وأمنية وسياسة واقتصادية وإعلامية وثقافية. وفي فلسطين المقاومة تخوض جولات من القتال حتى تنضج أوضاع الأمة لتأخذ مسؤوليتها في هذه الحرب الشاملة"، مؤكداً أن هذا الصراع ليس له حل لأنه جزء من صراع حضاري أوسع، وأن كل الاتفاقات لا تمثل حلا بل هي جزء من إدارة هذا الصراع.
وقال: البعد الحضاري - العقدي هو أساس هذا الصراع، عندما تجاوزناه فقدت فلسطين بعدها الإسلامي ثم بعدها القومي، وانحصر الصراع في بعده الوطني، صراعا جغرافيا بين م. ت. ف. وإسرائيل، تبحث فيه المنظمة عن شرعية التمثيل في سياق مشروع التفاوض مع العدو، لتنتقل بذلك من مشروع التحرير إلى البرنامج المرحلي عام ١٩٧٤ ومنه إلى اتفاق أوسلو الذي أجهض انتفاضة عام ١٩٨٧،وفتح باب التطبيع لكل من يريد أن يتخلى عن فلسطين من العرب، وللمقارنة فإن مصر طردت من جامعة الدول العربية بعد توقيعها اتفاق كامب ديفيد، فيما يتم اليوم تبرير اتفاقات أبراهام الأخطر".
وزاد بالقول: تبرز في هذا الصراع العلاقة الجدلية بين نهضة الأمة والعمل على تحرير فلسطين، فلا استقلالا حقيقيا أو نهضة حقيقة لأي قطر ما لم يعمل على تحرير فلسطين، كذلك لا نهضة ولا استقلالا حقيقيا بقمع الشعوب بذريعة تحرير فلسطين، فالحكام الطغاة لم يحققوا نهضة ولا استقلالاً ولا تحريراً ولا حتى رد عدوان". مبيناً أن أي إنجاز للمقاومة في فلسطين هو رصيد وأمل لكل الأمة، كما أن استقلال ونهضة اي قطر هو رصيد لشعب فلسطين ومقاومتها لا يقل عن أي مساعدة أخرى.
وتحدث د. الهندي عن أوهام تتعلق بالصراع على فلسطين، منها وهم الصراع الوطني والقرار الوطني المستقل الذي فتح باباً لتخلي الآخرين عن فلسطين وتم تجاوز حقيقة أن فلسطين ومقدساتها أكبر من أي تنظيم فلسطيني أو مجموع الفصائل الفلسطينية أو كل الشعب الفلسطيني "فالذي يقرر مصير فلسطين هي كل الأمة، والشعب الفلسطيني يمثل جدار الأمة الأول لصد الجرائم التي تستهدفها جميعاً".
وتابع قائلاً: وهم أن التطبيع والشراكة مع إسرائيل تمثل مدخلاً للعلاقة مع أمريكا أو بابًا للسلام والاستقرار ونهضة المنطقة، ونسوا أن اتفاقات التطبيع منذ أكثر من ٤٠ عاماً لم تصنع سلاماً ولا استقراراً في المنطقة، ولكنها عمقت التوتر والانقسام الداخلي في دول التطبيع، كما عمقت الصراعات والانقسامات بين دول المنطقة، وأفقدت الشعوب ثقتها بالحكام والنخب السياسية، ولم تصنع نهضة ولا رفاهية، وزادت ارتهان المنطقة وثرواتها للغرب وإسرائيل، لأن إسرائيل مشروع هيمنة يسعى لإضعاف وإخضاع الجميع بما فيهم المطبعين لتستمر حاجتهم إليها".
واستدرك د. الهندي حديثه بالقول: رغم هذا الانهيار للأنظمة الحاكمة فلا يساورنا شك بأن هذا الكيان إلى زوال، وهناك مظاهر متعددة لذلك، أولها تصاعد منحنى مقاومة الشعب الفلسطيني رغم التضحيات، ولدينا جيل من الشباب يتمتع بإيمان وتصميم وجرأة غير مسبوقة، سواء كان مؤطراً داخل فصائل المقاومة أو في ظاهرة الذئاب المنفردة التي تقلق العدو وتصعب مواجهتها".
وشدد على أن السلطة الفلسطينية المقيدة باتفاق أوسلو أصبحت بدون تأثير في بعض المناطق، وتفقد الحافز والشرعية، وبدون مستقبل، مشيراً إلى أن للشعب الفلسطيني إمكانات معقوله لم تتوفر سابقاً في غزة التي أصبحت قلعة للمقاومة تصنع سلاحها بنفسها، مع وجود حاضنة للمقاومة تحميها وتحافظ عليها رغم الحصار والتجويع.
ولفت د. الهندي إلى أن منحنى إسرائيل في هبوط رغم القوة، حيث استنفذت مخزونها البشري من المهاجرين الجدد، واستنفذت تماسكها الداخلي وقدرتها على المواءمة بين عقيدتها الدينية ومتطلبات بنائها العلماني الغربي، مؤكدا أن ما أفرزته الانتخابات الأخيرة سيعمق هذا الشرخ بشكل غير مسبوق.
وأوضح أن دولة الاحتلال فقدت قدرتها على خداع العالم وحتى بعض مثقفيها الذين باتوا يتحدثون عن عقدة العقد الثامن، وفقدت قدرتها على ردع الشعب الفلسطيني