لا تزال السلطة الفلسطينية، وعبر أجهزتها الأمنية المختلفة، تصرّ على تنفيذ أجندتها غير الوطنية، من خلال استمرار سياسة الاعتقال السياسي التي تستهدف خلالها الرموز الوطنية والكوادر في فصائل المقاومة والأسرى المحررين، ونشطاء سياسيين وطلبة جامعيين وصحفيين، وذلك بالزج بهم في سجونها وتعريضهم لشتى أنواع الإهانة والتعذيب.
ومنذ سنوات، وبالرغم من المطالبات والدعوات الفصائلية والحقوقية المختلفة، للسلطة وأجهزتها الأمنية، لإغلاق هذا الملف (الاعتقال السياسي) إلا أن الأخيرة ما زالت تضرب كل تلك الدعوات بعرض الحائط، حيث واصلت تلك الأجهزة اعتقال العشرات من النشطاء على خليفة سياسية.
ومع إطلاق السلطة قبل أيام سراح المعتقل السياسي أحمد هريش بعد اعتقال استمر نحو 5 شهور، عاد الحديث عن الاعتقال السياسي في الساحة الفلسطينية إلى الواجهة، خاصة مع توالي شهادات "هريش" حول فظاعة ما تعرض له من تعذيب خلال تلك الفترة.
شهادة مشفوعة بالقهر
واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً، بصورة المعتقل السياسي أحمد هريش وهو يحتضن طفله الرضيع "كرم" لأول مرة منذ مولده قبل نحو 85 يوماً، عقب إفراج الأجهزة الأمنية عنه بعد اعتقال دام 5 شهور بكفالة عدلية قيمتها 5 الاف دينار، وكفالة نقدية قيمتها 2000 دينار.
وجرى إطلاق سراح هريش بعد خوضه إضراباً عن الطعام لمدة 47 يوماً، وكانت الاجهزة الأمنية قد اعتقلت "هريش" على خلفية ما عرف بقضية منجرة بيتونيا.
وهريش هو أسير محرر قضى في سجون الاحتلال حوالي 5 سنوات.
في حين علقت شقيقة هريش بالقول: "مشاعرنا كانت مختلطة ولا يمكن وصفها، خاصة بعد فترة انتظار وقلق طويلة كانت لحظة مؤثرة جدا، انتظرناها لثلاثة أشهر، منذ يوم ولادة كرم".
وأضافت: "تعرض شقيقي لتعذيب شديد لا يخطر على بال أحد، ولم نسمع له مثيلاً غير الذي حدثنا به أحمد".
وأوضحت شقيقة المعتقل المفرج عنه "هريش"، أن النيابة بدأت منذ الأحد الماضي إجراءات التحقيق "بادعاء التعذيب" الذي تعرض له المعتقلون على خلفية ما عرفت بقضية منجرة بيتونيا، حيث استمعت لشهادة أحمد يوم الأحد، ولشهادة معتقلين آخرين، وفي اليوم التالي استمعت النيابة لشهادة خالد النوابيت، وفي اليوم الذي يليه استمعت لشهادة أحمد الخطيب وعلاء غانم وسعيد وهدان.
وكان الشاب هريش قد وصف التعذيب الذي تعرض له حيث تم عزله في زنازين انفرادية لمدة نحو 90 يوماً، إضافة إلى الشبح والتكبيل لساعات طويلة".
ولفت "هريش" إلى أنه وُضع بزنزانة يطلق عليها اسم "خزانة" لا تزيد مساحتها على 70 سم مربع، لا تسمح بالجلوس أو النوم إلا بوضعية القرفصاء بثني الركبتين للأسفل في ليلته الأولى.
ويوضح في تصريحات صحفية بعضاً مما تعرض له من تعذيب: "ضربتُ بالعصي على ظهر أصابع يدي، حتى تورمت وانتفخت، شبحت وعلقت لساعات وأيام وانحرمت من النوم، شبحتُ بربط يدي ورفعها للأعلى بالكاد كانت أصابعي تلامس الأرض، فتسببت لي بألم كبير بالظهر".
نال "هريش" نصيب الأسد من التعذيب وهو أكثر المعتقلين الستة تعرضاً للتعذيب، حتى إن المعتقلين الآخرين، أفادوا في تصريحات صحفية، أنهم كانوا يسمعون صراخه من الألم وهو يعذب في زنزانته، وهو الوحيد بينهم الذي استمر تعذيبه لأكثر من 100 يوم خلال مدة اعتقاله البالغة خمسة أشهر.
وبالرغم مما تعرض له من تعذيب وحرمان، عبر هريش الذي كان معتقلاً في سجن أريحا على ذمة جهاز المخابرات، عن فرحته بلقاء طفله كرم الذي ولد قبل حوالي 3 أشهر، بينما كان معتقلاً لدى الأجهزة الأمنية، بالقول: "ألتقي اليوم بكرم دون قيود في المستشفى رغم الوضع الصحي الصعب لكن بحمد الله كانت فترة طويلة وانتهت ".
وأشار هريش إلى أن أشهر اعتقاله الـخمسة لدى الأجهزة الأمنية من أصعب المراحل التي عاشها في حياته، وعبر عن ذلك بالقول: "حققوا معي باستخدام كل أشكال التعذيب الجسدي والنفسي".
في الوقت ذاته، طالبت منظمة العفو الدولية، السلطة في الضفة الغربية بالتحقيق في تعرض معتقلين سياسيين في سجونها للتعذيب، مشددة على وجوب ضمان إجراء تحقيقات فورية ونزيهة في حديثهم عن تعرضهم للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء احتجازهم.
اعتقالات متصاعدة
بدوره، أكد مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة"، المحامي مهند كراجة، بأن نسبة الاعتقالات السياسية والتعذيب في سجون السلطة بالضفة الغربية تصاعدت بشكل كبير، واصفًا العامين 2021 و2022 بأنهما "الأسوأ منذ وقوع الانقسام عام 2007".
وأضاف كراجة، في حديثه صحفي له: أن "العام الحالي سجّل زيادة واضحة في الاعتقالات السياسية وادّعاءات تعذيب المعتقلين في سجون السلطة، وكذلك عدم تنفيذ قرارات الإفراج القضائية والتوقيف على ذمة (المحافظ)".
وبحسب كراجة، فإنه تم تسجيل ما يزيد عن600 حالة اعتقال سياسي من قِبل أجهزة أمن السلطة بالضفة منذ بداية 2022، مبينًا أنّ مجموعته الحقوقية تابعت حوالي 380 - 400 حالة منهم، لافتاً إلى أن من بين المعتقلين من هم أسرى محررون من سجون الاحتلال، ونشطاء في فصائل المقاومة، وصحفيون وطلبة جامعات ونشطاء سياسيين.
وأوضح أنّ المجموعة رصدت خلال العام الجاري تجاوزات جديدة في موضوع الاعتقال السياسي، منها: ما يتعلق بارتفاع وتيرة اعتقال النساء والقامات الوطنية، لا سيما منذ "جريمة اغتيال نزار بنات"، الناشط السياسي الذي اغتالته قوات أمن السلطة في الخليل في شهر يونيو 2021.
وأشار إلى التقارير الحقوقية التي سلّطت الضوء على موضوع تعذيب المعتقلين في سجون السلطة، وكان آخرها التقرير الصادر عن "محامون من أجل العدالة" و"هيومن رايتس ووتش"، والذي تم تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب.
وقال كراجة: إنّ "التوصيات التي صدرت عن لجنة مناهضة التعذيب هذا العام، بضرورة إلزام السلطة بالرد على توصياتها التي جاء فيها أنّ هناك شكوكًا حول مقتل نزار بنات، بالإضافة إلى ادّعاءات سوء معاملة".
ونوّه إلى تقرير منظمة العفو الدولية الذي صدر قبل أيام، ويتحدث عن التعذيب في سجون السلطة، موضحًا أنّ مجموعة "محامون من أجل العدالة" حصلت على الكثير من الشهادات حول التعذيب وسوء المعاملة داخل المقرات الأمنية خاصة التابعة للمخابرات في رام الله وأريحا.
وذكر كراجة أنه رغم المطالبات الدائمة من قبل "محامون من أجل العدالة" ومؤسسات حقوقية أخرى لفتح تحقيق بهذه "الادّعاءات"، إلا أنه لا يتم التحقيق سوى في حالات قليلة جدًّا، آملاً بأن يتم الاستجابة لإجراء تحقيق جدي ورقابة ومحاسبة على عمل أجهزة أمن السلطة، سواء خلال التحقيق أو فترة الاحتجاز.
المصدر: صحيفة الاستقلال