علي هويدي
تُطلق الجمعية العامة للأمم المتحدة دورتها الـ 77 في الثالث عشرة من شهر أيلول/سبتمبر المقبل، وبمشاركة 193 دولة، وبذلك يكون قد مر على تأسيس وكالة "الأونروا" أكثر من 72 سنة وهي التي أُنشئت بموجب قرار الجمعية العامة رقم 302 لتاريخ 8/12/1949 على أن يكون عمل الوكالة بشكل مؤقت ولمدة 18 شهراً تقدم فيها الوكالة المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، وخلال تلك السنة تعمل "لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين – UNCCP) والتي أُنشئت كجزء من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لتاريخ 11/12/1948 الذي أكّد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، تعمل وبالتعاون مع وكالة "الأونروا" على إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم والتعويض عليهم واستعادة ممتلكاتهم، ولهذا تكرر ذكر القرار 194 في قرار إنشاء "الأونروا" لثلاث مرات للتأكيد على ان عمل وكالة "الأونروا" مستمر إلى حين تطبيق القرار 194.
مع تعطيل دور "لجنة التوفيق" التي تشكلت من كل من أمريكا وفرنسا وتركيا مطلع خمسينيات القرن الماضي، وتعنت دولة الإحتلال من تطبيق القرار 194 - على الرغم من قبولها به كأحد الشرطيْن لقبول عضويتها في الأمم المتحدة بعد تطبيق قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لتاريخ 29/11/1947 - واختلال موازين القوى في الأمم المتحدة لصالح دولة الإحتلال، استمر عمل "الأونروا" كوكالة مؤقتة حتى يومنا هذا.
استمرار عمل وكالة "الأونروا" لأكثر من 7 عقود، يعني الفشل الذريع، ووصمة عار في جبين المجتمع الدولي المتمثل في الأمم المتحدة لفشله في تطبيق القرار 194 وغيرها من القرارات لا سيما القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 237 لتاريخ حزيران/يونيو 1967، الذي دعا الى "عودة كل فلسطيني اضطر إلى النزوح بعد الإحتلال الإسرائيلي لشرق القدس والضفة الغربية وقطاع غزة". أقرت الأمم المتحدة حق هذه الفئة من اللاجئين الفلسطينيين بتلقي المساعدات الإنسانية من خلال وكالة "الأونروا" إلى حين تطبيق القرار.
ومع تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بدوره في تطبيق القرارين 194 و 237 من جهة والتراجع الملحوظ في الدعم المالي للأونروا من جهة أخرى، في الوقت الذي يغدق فيه الأموال الطائلة لصالح اللاجئين الأوكرانيين على سبيل المثال لا الحصر، والمبالغ الهائلة التي تُدفع لتغذية الحروب من قبل الدول والتي هي بالأصل دول مانحة للأونروا، بات هذا يمثل ذروة معاني سياسة الكيل بمكيالين، وتطبيق عملي لا لبس فيه لسياسة المعايير المزدوجة، والتي فقد اللاجئون الفلسطينيون بسبب ممارستها الثقة بالمجتمع الدولي الذي يخضع للقوة والنفوذ وليس للحق والقانون.
وبات جلياً أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم أمر ممكن من خلال اختلال میزان القوی اختلالا حاسماً في الأمم المتحدة لصالح الفلسطينيين، وما محاولة تحجيم دور ومهام وكالة "الأونروا" إلا بهدف المساهمة في اهتزاز هذا الإختلال لصالح الإحتلال، والتمهيد لشطب القرار 194، ومهما تكن العراقيل كثيرة وكبيرة، ومهما بدت الامكانات العملية لتجسيد حق العودة مستحيلة حالياً، فإن الثابت وعلى رغم من مرور أكثر من 7 عقود أن قضية اللاجئين الفلسطينين هي باختصار، جوهر القضية الفلسطينية، وتقضي العدالة، إعادة اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم سنوات النفي والتشرد، فضلاً عن استعادة ممتلكاتهم والتعويض عليها؛ تلك التي وقعت تحت إدارة سلطات الإحتلال والتي استغلتها طوال هذه السنين بموجب ما يسمى بـ "قانون أملاك الغائبين" الصادر عن دولة الإحتلال في 20/3/1950.
لذلك انعقاد الجمعية العامة في دورتها الـ 77 يمثل تحدياً حقيقياً لاستعادة ثقة اللاجئين الفلسطينيين بالدور المنوط بالمنظمة الأممية من خلال التحرك على ثلاث مستويات؛ الأول دعم وكالة "الأونروا" مالياً والتخلص من الأزمة المالية المزمنة، والثاني إحياء دور "لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين" والتي لا زالت تقدّم تقريرها للجمعية العامة مطلع شهر أيلول/سبتمبر من كل سنة، إذ أن اليوم ثمة ميل وطلب دولي عالي المستوى إلى إعادة اللاجئين في مختلف دول العالم الى ديارهم الأصلية، لا سيما بعد حرب روسيا وأوكرانيا. ومع أن الوضع في فلسطين مختلف، إلا أن من الممكن الإستفادة من الرياح الدولية والإمساك بورقة "حق العودة".
والثالث استحضار هيبة وقوة المنظمة الدولية استنادا الى تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، كالقرار 2452 (1968)، والقرار 3236 (1974)، واعتمادا على الكثير من الاتفاقات الدولية في هذا الشان مثل اتفاقية جنيف الرابعة في شان حماية المدنيين في زمن الحرب (1951)، واتفاقية إلغاء جميع اشكال التمييز العنصري (1965)، والميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية (1966).
ورد في الإعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948 (المادة 13، الفقرة 2): "لكل شخص الحق في مغادرة اي بلد بما في ذلك بلده والعودة اليه"، وجاء في المعاهدة الأميركية لحقوق الإنسان المادة ( 22 الفقرة 5 ): "لا يمكن طرد أحد من أراضي الدولة التي هو أحد مواطنيها ولا حرمانه من حق دخولها"، وتكفل المادة (12) من الميثاق العالمي للحقوق المدنية والسياسية "حرية التنقل بما في ذلك حق الأشخاص في اختيار محل سكناهم وترك البلاد وحقهم في دخول بلدهم"، وورد في الشرعة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المادة (12): "لكل شخص الحق في مغادرة اي بلد بما في ذلك بلده كما أن له الحق في العودة إلى بلده".
نأمل أن لا تكون دورة الجمعية العامة الـ 77 كغيرها من الدورات..