بقلم/ أحمد الصباهي
لا بد بعد معركة «وحدة الساحات»، الأسبوع الماضي، من العودة إلى الوراء قليلاً، في قراءة لمجريات الأحداث في فلسطين، وصولاً إلى المعركة الأخيرة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة الجهاد الإسلامي، بعدما ابتدأ العدو المعركة التي سمّاها «الفجر الصادق» باغتيال قائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس» تيسير الجعبري، وما تبع ذلك من اغتيال قيادي آخر في السرايا خالد منصور.
خلفيات الاحتلال
من الواضح جداً أن العدوان الإسرائيلي على «الجهاد الإسلامي»، مخطط له منذ مدة، ويستهدف تحجيم الحركة وإنهاء دورها، وممّا عجّل ذلك في الآونة الأخيرة، انتشار كتائبها في جنين، وطولكرم، ونابلس، وطوباس، وما أثارته من قلق لدى قيادة جيش الاحتلال، بعد عدة اشتباكات مباشرة، خلال الاقتحامات المتكررة لجنين ومخيمها أو نابلس. وممّا زاد قلق الاحتلال، الحالة التي باتت تمثلها تلك «الكتائب»، من حالة وحدوية بين مختلف الفصائل، وجاذبيتها لدى جيل الشباب، بعدما سقط الرهان على «اتفاق أوسلو».
أصرّت «الجهاد» على إبقاء معادلة معركة «سيف القدس» العام الماضي على حالها (غزة - الضفة/ غزة ــ القدس/ غزة ــ الأسرى) وتثبيتاً لهذه المعادلة؛ هدّدت الحركة أخيراً باستهداف المستوطنات، في حال عدم إطلاق سراح الأسير المضرب عن الطعام خليل عواودة، كذلك الشيخ بسام السعدي، القيادي في «الجهاد» الذي اعتقله الاحتلال أخيراً من منزله في مخيم جنين.
وتؤرق «الجهاد» الاحتلال لكونها ترفض الركون إلى حالة الهدوء مع الكيان، فالحركة لا ترتبط بتحالفات إقليمية، تضطر من خلالها إلى مجاراة مصالح تلك الدول، وعليه مثلاً، شكّلت «تاسعة البهاء» نموذجاً لحالة التفرّد بإطلاق الصواريخ على المستوطنات عند التاسعة مساء، لإبقاء ما تسمّيه «الجهاد» جذوة الصراع المستمرة مع الاحتلال.
توقيت المعركة يخدم الاحتلال
لعب عنصر المفاجأة لمصلحة الاحتلال، بابتداء المعركة، فلقد استغل الوساطة المصرية، وتجاوبت «الجهاد» معها لخفض التوتر والتصعيد، وما أشاعته من أجواء، وصفها قادة الحركة بالإيجابية. باغت الاحتلال الحركة والوسيط المصري، بضربة وجّهها للقائد العسكري في «سرايا القدس» تيسير الجعبري، فحقّق رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد ما يبتغيه من رصيد داخلي، سيوظّفه في الانتخابات القادمة.
انطلق الرد من «الجهاد» على جريمة الاغتيال والعدوان، فأحبطت ما تعتبره الحركة محاولات إسرائيلية ترمي إلى كسر معادلة معركة «سيف القدس» في العام الماضي، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، عبر حصر مشروع المقاومة في غزة.
«الجهاد» تخوض المعركة منفردة
ربما كان مفاجئاً أن تخوض «سرايا القدس» هذه المعركة وحدها، من غير «القسّام»، الجناح العسكري الأكبر في القطاع، وهما رفيقا سلاح ونضال، على مر سنوات طويلة، ما أثار موجة غضب عارمة جرى التعبير عنها في وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يكن مستغرباً ما حصل، أن لا تشارك «كتائب القسام»، كون الأمر له سابقة، ففي عام 2019 خاضت «الجهاد» حرباً ضد الاحتلال بعد اغتيال القيادي في «السرايا» بهاء أبو العطا، وأثار الأمر في حينه أيضاً موجة غضب عارمة في الساحة الفلسطينية.
من المعروف أن هناك اختلافاً في التوجهات الفكرية والسياسية بين حركتي «الجهاد» و«حماس»، إلا أن ذلك لم يؤثر على ساحة العمل المشتركة في مواجهة الاحتلال في غزة والضفة. وكذلك في التصدّي لمفاعيل «أوسلو». وحتى مع أحداث «الربيع العربي» التي ألمّت بالمنطقة، وما أثارته من خلافات واختلافات، إلا أنها لم تؤثر على وحدة الحال في الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج، ولا سيما أن لكل من الحركتين تحالفاتهما ومواقفهما في العالم العربي.
تحدّيات فرضت نفسها على «الجهاد»
في قراءة لتصريحات قادة «الجهاد الإسلامي»، وعلى رأسهم الأمين العام للحركة زياد النخالة، يُتلمّس بوضوح حرص «الجهاد» على العلاقة المتينة مع «حماس»، على الرغم من الألم الذي يعتصر قلوب أبنائها جرّاء تركهم وحيدين في المواجهة. لكن هذا لا يمنع من الاستنتاج أن على رأس التحديات التي تواجهها «الجهاد» في المرحلة المقبلة هو إقناع حركة «حماس» بخياراتها التكتيكية للمواجهة مع الاحتلال.
وإن كانت حرب عام 2019، وما حدث أخيراً، حصل باعتداء وهجوم إسرائيليين، إلا أن ذلك لم يدفع «حماس» إلى المشاركة في ردّ العدوان، وبعيداً عن الدخول في تفاصيل متداولة في الأسباب التي تراها «حماس» موجبة في منعها من الدخول في حرب مع الاحتلال، إلا أنه يُخشى أن تتسع الهوة بين الطرفين في السنوات المقبلة، وخصوصاً أن «الجهاد»، وإن كانت لا تخفي التطوّر النوعي والهائل على مستوى التسليح وحرية العمل العسكري في القطاع بعد سيطرة «حماس»، إلا أنها لا تقبل بالسيطرة على قرارها، ولا بالاستكانة للضغوط الدولية للحفاظ على ما تسمّيه «جذوة الصراع مع الاحتلال». وبالتالي، ما هو المسار الذي ستسلكه الحركة للحفاظ على هذين الأمرين في القطاع؟
ويبرز تحدٍّ جديد، هو قدرة «الجهاد» على مواجهة مفتوحة مع الاحتلال منفردة، قد تمتد لأسابيع أو أكثر من ذلك، فما جرى في السابق، وما حدث أخيراً، وإن خرجت منه الحركة باقتدار في مواجهة العدوان، إلا أن خيارات الحركة ورؤيتها للصراع قد تفرض عليها الدخول في تجهيز وإعداد أكبر في السنوات المقبلة في الصراع مع المحتل، واضعة في حسبانها أن ما جرى من تفرّدها في الصراع يمكن أن يتكرر.
وفي تحدٍّ آخر، استغلّه الاحتلال في السنوات الماضية، وفي ظل ما جرى من أحداث في «الربيع العربي»، وما أثاره في المنطقة من صراعات، يتجلّى بتسليط الضوء على علاقة «الجهاد» المميّزة مع إيران، ليصوّب سهامه نحو الحركة حول استقلاليتها. هذه الاتهامات الإسرائيلية القديمة الجديدة عاناها الفلسطينيون في السابق، ولا يزالون، وخصوصاً بعض فصائل المقاومة، كحركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، عبر إلقاء تهم الإرهاب عليهما، ولا ننسى عام 2001 عندما ربط الاحتلال الإسرائيلي بين ما قامت به «القاعدة» في الولايات المتحدة من تدمير برجَي التجارة العالمي، وتوظيفه في حربه مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
اللافت في هذه الحرب، بناءً على علاقة الحركة بإيران، اعتبار الاحتلال، وهو ما صرّح به علناً، أنه لن يتعاطف مع «الجهاد» أحد، ولا نعلم إن كانت الصدفة، أو التخطيط الإسرائيلي، اختيار العدو توقيت المعركة خلال زيارة الأمين العام للحركة إلى إيران، لتوظيف ما جرى لمصلحته عبر الدعاية الإعلامية. ولكن أين يبرز التحدّي؟ خلال عمر حركة «الجهاد الإسلامي»، لم تخف الأخيرة علاقتها مع إيران، التي وللمناسبة تموّل «حماس» والعديد من الفصائل الفلسطينية، ولم تسجّل الحركة على نفسها أي موقف لا يتناسب وتطلعات الشعوب العربية والإسلامية. إلا أنه يؤخذ على الحركة ما يسمّونه «حصر علاقتها» مع دول معيّنة كسوريا وإيران، بخلاف «حماس» التي تمتد علاقاتها إلى دول عدة، مستغلة تنظيم «الإخوان» الدولي في هذا الإطار، كذلك لعبت وسائل الإعلام المعادية للمقاومة، وبعض الجهلة من الشيوخ من مختلف التوجهات السنّية، في توجيه السهام للحركة، ليس على المستوى السياسي فقط، بل حتى على المستوى المذهبي، ولو أنهم قرأوا أدبيات الحركة لعلموا أن مرتكزات البناء الفكري لـ«الجهاد الإسلامي» مبنية على ما تأثر به «الإخوان المسلمون»، فكيف للحركة أن تواجه هذا التحدّي، وإن كانت تدعو إلى ما هو أهم بين المسلمين، الوحدة، بمعنى نبذ الخلافات ومواجهة التحدّي الغربي والإسرائيلي.
لقد تخطّت «الجهاد الإسلامي» الكثير من التحدّيات على الساحة الفلسطينية، وأثبتت وطنية خالصة، فنأت بنفسها عن الصراعات الداخلية، وأحجمت عن المشاركة في الانتخابات الفلسطينية، منعاً لأي التزامات تمنعها من مواصلة الجهاد، وجنّبت اللاجئين في الشتات ويلات الخلافات في «الربيع العربي»، عبر حياديّتها، فهل ستتخطى الحركة ما هي مقبلة عليه من تحدّيات؟
المصدر: وكالات