Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

معركة و"حدة الساحات" بين خطابي النصر والهزيمة

بقلم: رامي حاج سعيد

يبدو خطاب و"حدة الساحات" الذي أصرّت حركة الجهاد الإسلامي على ترسيخه بدماء أبناء السرايا وقياداتها العسكريّة وبمئات الصواريخ التي استهدفت عمق الاحتلال، هو الخطاب الأهم.

في قراءةٍ متأنيّة لواقع الخطاب الإعلامي ومفرزاته إبّان انطلاق معركة و"حدة الساحات" التي قادتها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، بدى واضحاً ذلك التعثّر في إدارة المشهد الإعلامي ضمن سياقاته المعهودة.

 فلم يكتسب "خطاب الهزيمة" المزيد من الوقت لتثبيت مفرداته ومصطلحاته، على الرّغم من كلّ محاولاته الجادة لتخطي عتبة "الترند" وتكثيف جهود ذبابه الإلكتروني، وصفحاته المشبوهة وذلك نتيجة للعديد من العوامل الحاسمة نذكر منها على سبيل المثال: عجز الخطاب الإعلامي الإسرائيلي عن إعادة تركيب مفرداته، وتشكيل روايته الإعلامية، والتي طالما قدّمت حماس للجبهة الداخلية الإسرائيلية على أنّها العدو الوحيد، على الرغم من الحضور الدائم لحركة الجهاد الإسلامي ولباقي قوى المقاومة الفلسطينية في كلّ جولات الصراع السابقة، وعلى الرغم من تفرّد الجهاد الإسلامي بالكثير من المفاهيم الإيدلوجية التي تسمح لها أن تكون هي العدو الأخطر بالنسبة لكيان الاحتلال.

ليبدأ الإعلام الإسرائيلي متأخراً بطرح اسم حركة الجهاد الإسلامي، والتركيز على ما تمتلكه من مواصفات استثنائية وتحديداً فيما يتعلق بقدرتها على ربط البنية الفكريّة والعقائديّة لديها بالممارسات السياسيّة والعسكريّة.

 وبهذا فإنّ خطاب "الهزيمة لقوى المقاومة وانتصار كيان الاحتلال" لم يكن قادرا على تثبيت حوامله الفكريّة المعتادة وعقائده الإيدلوجية خلال الحرب الأخيرة، لغياب الركن الأهم في هذا الخطاب وهو "حماس" والتي طالما شكّلت العدو الفطري للجبهة الداخلية الإسرائيلية بعد سنوات طويلة من التعبئة الايدلوجية.

وليطفوا على السطح وبشكل استدراكي الكثير من النقاشات الحادّة حول ما تجلّى من قدرة الجهاد الإسلامي في إدارة المعركة وبشكل أحادي.

 وليكتفي هذا الخطاب وبشكل قسري بتسليط الضوء على بعض المنجزات التي اختصرتها الرواية الرسمية لجيش الاحتلال، بأنّه استطاع تحقيق الأهداف العسكريّة، وتحديداً فيما يتعلّق بتحييد بعض القوى العسكرية الوازنة "كحماس" واستهدافه المكثّف لبعض القيادات العسكرية " تيسير الجعبري وخالد منصور".

وفي المقابل بدى الخطاب المعتدل لبعض القنوات العربية، التي لم تعرف الاعتدال يوماً هو الخطاب السائد، مبشّرا بانتصار الصورة على المفردة السياسية، فالحقيقة التي لم تتغيّر في كل الحروب التي خاضتها قوى المقاومة الفلسطينية ضد قوى الاحتلال، تكيّفت هذه المرّة مع الخطاب السياسي لهذه القنوات وأفرزت عشرات المرئيات المجرّدة من الخلفيات الايدلوجية التي تصوّر العمليات العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي على أنّها جزء لا يتجزأ من الفعل المقاوم، بل وذهبت بعيداً في إبراز الدور الاستثنائي لهذا الفصيل في إدارة المعركة وحيداً، وطبعاً هناك الكثير من التفسيرات التي قد تبرّر هذا الانقلاب الحاد في طريقة التعاطي مع حركة الجهاد الإسلامي، وتسويقها بما يشبه الحياد ولكنّه وفي توصيف أدق، استثمار في ما أطلق عليه كيان الاحتلال وعبر العديد من منصاته الإعلاميّة، حياديّة حركة حماس وتقديمها كعنصر متخلّف عن اجماع غرفة العمليات العسكريّة في غزّة، وبالتالي استقطاب المزيد من ردود الأفعال العربية والإسلامية الرافضة لهذا الموقف، وبما يشبه إعادة تركيب الوعي الجمعي بأنّ حماس باتت خارج مفهوم الصراع مع كيان الاحتلال، وبأنّ حركة الجهاد الجريحة بتخلف حليفها الاستراتيجي لديها أيضا القدرة العملياتية لإطلاق مئات الصواريخ النافذة للعمق الإسرائيلي. .

وبين هذا وذاك يبدو خطاب و"حدة الساحات" الذي أصرّت حركة الجهاد الإسلامي على ترسيخه بدماء أبناء السرايا وقياداتها العسكريّة وبمئات الصواريخ التي استهدفت عمق الاحتلال، هو الخطاب الأهم. 

ولعل العامل الحاسم في نجاح هذا الخطاب هو كلمة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة، واصراره المطلق على وحدة الهدف والرؤية، حتى بعد أدراكه بأنه ذاهب للمعركة وحيداً.. ليؤكد ّ وعبر قناة الميادين بأنّ "سرايا القدس ستكون مع كل فصائل المقاومة موحدة في مواجهة العدوان". 

وليستثمر النخالة بالوجود الصوري لحماس مستعيداً بذلك رغبته بإعادة ترسيخ خطوطه الحمراء، والمتعلقة بربط ساحة غزّة بكل ساحات الوطن الفلسطيني المحتل، بعد أن تعذّر فعل ذلك في رمضان إبان مسيرة الإعلام للعديد من الاعتبارات التي باتت واضحة وضوح الشمس.

ربما لا يتفق الجميع على تبني أيًّ من خطابي الهزيمة والنصر، وربما قد يتعذّر تعريف الانتصار كمفهوم ثابت قابل للقياس، ولكن يبدو واضحاً بأن الانتصار الحقيقي في هذه المعركة هو قدرة الجهاد الإسلامي بكل قياداته السياسية والعسكرية على إعادة ترسيم حدود المعركة القادمة بما يتناسب وخطاب "وحدة الساحات"، وبما يتناسب مع مركزية القضية الفلسطينية عربيا وإسلامياً، والأهم ربما هو إعادة تصويب مفهوم الصراع مع كيان الاحتلال خارج أيّ تسوية مؤقتة أو دائمة.