بقلم / سعادة مصطفى أرشيد
تميّز هذا العام منذ مطلعه بالأزمة الاستثنائية التي تسبّبت بها الحرب الروسية الأوكرانية، واستثنائيتها تعني أنّ الأمور من بعدها لن تكون كما كانت من قبلها، وذلك بغضّ النظر عن الفريق المنتصر والفريق المهزوم، هذا ولا يزال عامُنا أمامه خمسة شهور طوال حبلى بأكثر من أزمة تحمل طابعاً استثنائياً على الصعيدين الدولي والقومي الإقليمي. من هذه الأزمات التي ننتظرها في مطلع أيلول المقبل أزمة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة وأزمة استخراج الغاز اعتاد (الإسرائيلي) مستفيداً من الدعم الغربي الذي يتلقاه وبدعم من فائض القوة الممنوح له على اعتبار العالم حديقة عبريّة ومجالاً حيوياً مستباحاً من قبله…
من القارة الأميركية الجنوبية الى الشرق البعيد، وبالتالي لم يكن أمراً استثنائياً افتراضه انّ مياه لبنان والأردن من حقه فقط وله دون غيره، كما كان يحصل منذ عقود، وانّ غاز شرق المتوسط من حقه على الطريقة ذاتها وخاصة اللبنانيين الذين عليهم ان يدفعوا ثمن تأييدهم للمقاومة ومعارضتهم لمشاريعه، جوعاً وقهراً وحرماناً. هذا (الإسرائيلي) لا يريد الاعتراف بأنّ ذلك كان ممكناً في زمن مضى وولى الى غير رجعة، وانّ ما يستطيع أن يمليه على دول كبيرة وثرية في الخليج او تلك المطبّعة معه في العالم العربي، لا يستطيع أن يفعله مع لبنان الصغير الذي يملك مقاومة صغيرة في حجمها كبيرة في فعلها وبإرادتها القادرة على ردعه وعلى الدفاع عن حقوق شعبها، فإذا كان لبنان محروماً من حقه في الدفاع عن حدوده البحرية أو في استخراج ثروته النفطية والغازية، فلن تستطيع (إسرائيل) ذلك أيضاً، إنها معادلة لا يفلّ الحديد إلا الحديد.
كان لتهديد سيد المقاومة مفعولة السحريّ فقد سلّم (الإسرائيلي) بجديته وحسب القناة العبرية الثانية عشرة: انّ (إسرائيل) استنفرت كامل قواها البحرية والبرية والجوية والاستخبارية خوفاً واستعداداً لما يمكن أن يحصل في حال انتهت مهلة المقاومة دون ان يتوصل الوسيط الإسرا ـ أميركي لإبرام اتفاقية، ثم تضيف القناة ذاتها بأنّ الحكومة (الإسرائيلية) مارست ضغطاً على واشنطن للعمل بسرعة من أجل إبرام اتفاق مع لبنان قبل مطلع أيلول، وهو الموعد الذي تنتهي فيه المهلة التي حدّدها السيد حسن نصر الله.
يقوم المبعوث الإسرا ـ أميركي بجولات مكوكيّة داخل لبنان وأخرى بين بيروت وتل أبيب، في لبنان يسمع ولا بدّ وجهات نظر بعض ممن يزايدون في تطرفهم ضدّ مصالح بلدهم على مَن يلتقيهم في تل أبيب، ولو قيّض له القيام بزيارات لعواصم عربيّة مطبّعة لسمع مثل حديثهم أو لو استمع إلى فضائيّاتهم المسخّرة للهجوم على المقاومة والداعمة لوجهة النظر (الإسرائيلية) متفوّقة في نقدها وهجومها حتى على شقيقاتها من القنوات العبرية. من اليوم حتى مطلع أيلول ستزدحم الوساطات والضغوط والتدخلات، وستحاول (إسرائيل) والولايات المتحدة بداية تمديد المهلة التي أعلنها السيد نصر الله، هذا ان استطاعت، ولكنها في النهاية ستبذل أقصى الجهد أن تسلب حزب الله والمقاومة اللبنانية هذا الإنجاز ـ إنْ تمّ توقيع اتفاق ـ بالقول إنّ الاتفاق جاء نتيجة للجهد الأميركي والذي قد تنضمّ إليه وساطات عربية مطبّعة، و(إسرائيل) ومعها أولئك المطبعون لا يريدون أن ينعم اللبناني بفوائد الغاز والنفط الإيراني الذي يحمل بكتيريا التشيّع، بإجمال القول تريد (إسرائيل) وحلفاؤها العرب المطبّعون تجريد المقاومة من النصر إن تحقق وقطع حبل الفعل الإيراني الذي سيشعر به كلّ مواطن لبناني عندما يصل اليه الغاز والنفط من إيران.
في أيلول المقبل ستتلاحق الأعياد اليهوديّة وسترتفع حرارة الانتخابات التشريعية (الإسرائيلية) التي ستجري في مطلع تشرين الثاني، حيث يتجمّع تحالف عريض يضمّ الإدارة الديمقراطية في واشنطن مع عواصم خليجية وعمّان ورام الله، تريد منع بنيامين نتنياهو من العودة لرئاسة الحكومة وتهدف لدعم الثنائي لابيد ـ غانتس، والاتصالات جارية والأموال مبذولة لقيادات فلسطينيي الداخل من أجل ذلك. قد لا يكون من الحكمة أن يغامر أحد بالتأكيد على انّ هذه الأزمة ستنتهي باضطرار «الإسرائيلي» لتوقيع اتفاق يستجيب لما تطرحه المقاومة، خاصة أنّ الثنائي لابيد وغانتس ومعهم أطراف عربية مطبّعة يدركون ان أي اشتباك عالي المستوى مع لبنان أو غزة سيكون في صالح نتنياهو انتخابياً… وموعدنا مع أيلول ليس ببعيد.