تشهد المياه الإقليمية بين فلسطين المحتلة ولبنان حالة من التوتر، عقب بدء الاحتلال في إجراءات التنقيب عن الغاز في حقل كاريش والذي يعتبر ضمن الحدود البحرية اللبنانية.
حزب الله اللبناني وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله أعلن أن حقل كاريش هو حقلٌ لبناني، وأن أي محاولة للسيطرة على الحقل ستكون لها توابع خطيرة ليست على مستوى لبنان فحسب بل على مستوى الإقليم بأكمله.
وأكد نصر الله أن هدف المقاومة اللبنانية منع الاحتلال من السيطرة على الحقل مبيناً أن لديها القدرة على ذلك، مضيفًا أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة المقاومة والقوة والتي أخرجته من غزة ولبنان.
تصريحات السيد نصر الله جاءت بعد عزم الاحتلال التنقيب عن الغاز ومحاولة السيطرة على الحقل، وسط إعلان الاستنفار في صفوف جنوده والاستعداد لإمكانية استهداف حزب الله لمنصة الغاز بحسب مسؤولين أمنيين "إسرائيليين".
محللون ومختصون يرون أن مسألة تحديد الحدود البحرية قضية من شأنها تفجير الأوضاع، مؤكدين أنها الفيصل في تحديد مسار وطبيعة المرحلة المقبلة بين تل أبيب وبيروت، فيما لو ذهب المقاومة الإسلامية للرد عسكرًيا حال أقدم الكيان على المضي قدماً في هذه الخطوة، باعتبار ذلك تعدٍ على السيادة اللبنانية.
الكاتب السياسي اللبناني "عصام نعمان" أوضح أن الاحتلال يعمل منذ مدة طويلة في حقل "كاريش" بهدف ضرب المصالح السيادية للبنان، مشيراً إلى أن الكيان قطع شوطًا كبيرًا في التنقيب عن الغاز الأمر الذي دفعه لإرسال السفينة المتخصصة لهذا الغرض، حيث من المقرر أن تبدأ عمليات التنقيب عن الغاز واستخراجه وتسويقه خلال شهرين".
وأكد "نعمان" في تصريحات خاصة لـ "قناة فلسطين اليوم": أن "حزب الله جادٌ في تهديداته بالرد عسكريًا فيما لو تخطى الكيان الإسرائيلي الحدود البحرية المتعارف عليها بين لبنان وفلسطين المحتلة".
وبين الكاتب السياسي أن لبنان لم يحدد حدوده البحرية حتى اللحظة، بسبب استمرار عمل حكومة تصريف الأعمال، مشيرًا إلى أن "لبنان يعاني من مشكلة عدم اتخاذ قرار موحد وجامع".
ويرى "نعمان" أن بإمكان الحكومة الحالية في لبنان اتخاذ موقفًا حول تحديد الحدود البحرية مع الاحتلال كونها تمر بظروف استثنائية".
وحول إمكانية أن تتسبب أزمة حقل "كاريش" بإندلاع حرب بين لبنان والكيان الإسرائيلي، أكد "نعمان" أن إذا ما حصل ذلك يعني امتداد الحرب على مستوى الإقليم، دون أن تقتصر على لبنان، معززًا حديثه بالتوتر الحاصل بين العدو والجمهورية الإسلامية الإيرانية والذي انتقل من استهداف المصالح الإيرانية في سوريا إلى العمق الإيراني والذي قد يضطر طهران إلى استهداف حقل كاريش في محاولة منها للانتقام".
من ناحيته يرى استاذ العلاقات الدولية "نعيم سالم" ، أن الأمور تتجه نحو حل التوتر بشكل دبلوماسي بعيدًا الصدام العسكري، كون أن تصريحات عدة خرجت عن مسؤولين إسرائيليين تؤكد أن التنقيب لن يتم في حدود المنطقة البحرية المتنازع عليها".
وأوضح "سالم" في تصريحات خاصة لـ "قناة فلسطين اليوم": أن الظروف الدولية غير مهيأة لدخول تصعيد عسكري بين إسرائيل ولبنان بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والتي تعزز من رغبة الولايات المتحدة في عدم الانشغال بتصعيد جديد في المنطقة".
من جانبه أكد المختص بالشأن الإسرائيلي حسن حجازي أن "إسرائيل حاولت إظهار ما يحدث في محيط حقل كاريش بأنه لا يعد خرقًا وتعديًا للحدود البحرية المرسومة بين لبنان والكيان، كون أن عمليات التنقيب تتم في المنطقة التي تقع جنوب خط 29، مبينًا أن الاحتلال قطع شوطًا كبيرًا في عمليات التنقيب متجاهلًا كافة القوانين الدولية باعتبار نفسه الطرف الأقوى والمسيطر".
وأشار حجازي في تصريحات خاصة لـ "قناة فلسطين اليوم" : أن الاحتلال أنهى استعداداته كافة حيث يجري التحضير لاستخراج الغاز وسيحول إلى مصر لتحويله إلى غاز سائل ومن ثمن البدء بتصديره إلى أوروبا".
وبحسب الكاتب فإن "الدولة اللبنانية تتجه نحو المفاوضات لتسوية الموضوع برعاية أمريكية دون الذهاب نحو المواجهة العسكرية".
وفي معرض حديثه، بين حجازي أنه في حال فشلت المفاوضات فإن الأمور ستكون مفتوحة على مصراعيها بما في ذلك الخيار العسكري، مشيراً إلى أن المقاومة الإسلامية في لبنان هددت بضرب منصات الغاز في حال عدم استجابة الاحتلال للمطالب اللبنانية وهي تحظى بدعم كامل من كافة الأطراف في لبنان".
ولفت المختص حجازي أن "الولايات المتحدة ترغب في تسوية ملف كاريش عن طريق المفاوضات كونها لا تؤيد خيار المواجهة العسكرية التي لا يعرف إلى أين ستنتهي حدودها في حال وقعت، مرجحاً أن ذلك سيدفع الكيان والولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات بخصوص هذا الملف".
ويرى حجازي أن المواجهة العسكرية في حال اندلعت بين الكيان وحزب الله لن يقتصر حدودها على الأراضي اللبنانية خصوصًا بعد معركة سيف القدس التي أكدت على معادلة تشابك الجبهات التي لا تسمح للاحتلال بالاستفراد بأي جبهة على حساب الأخرى".
وأضاف أن مثل هذه المواجهة ستمتد على كافة الجبهات بما في ذلك غزة ولبنان وسوريا وستكون لها تبعات صعبة على الكيان، مؤكداً أن الكيان غير جاهز لخوض مثل هذه المواجهة في ظل حكومة هشة ومجتمع غير جاهز لمثل هذه الحرب التي ستكلفه ماديًا وبشريًا الأمر الذي سيدفعه إلى حل هذا الملف عن طريق التسوية الدبلوماسية بعيدًا عن شبح الحرب".