أطلقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم تقريرها السنوي حول وضع حقوق الإنسان في فلسطين للعام ٢٠٢١.
وقدم عصام العاروري مفوض عام الهيئة اطاراً عاماً حول حالة حقوق الإنسان في الفترة التي يتضمنها القرير، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي سياسات الاقتلاع والتهجير القسري، في القدس والمناطق المصنفة ج، عبر تصعيد سياسات الهدم والإخلاء والتهجير وعرقلة المشاريع الإنسانية وجهود الإعمار، علاوة على مصادرتها وهدمها، حيث سجل رقماً قياسياً جديداً في عدد المشاريع الإنسانية المدعومة بأموال المانحين المهدومة والمصادرة لتبلغ (220) مشروعاً، من أصل (906) مبانٍ ومنشآت تم هدمها، إلى جانب تشريد أكبر عدد من المقدسيين من بيوتهم في سنة واحدة خلال السنوات العشرين الأخيرة، واستهداف المؤسسات المدنية الفلسطينية، بصورة سافرة أكثر من أي وقت مضى، وتصنيف عدد من المؤسسات الحقوقية والتنموية بالإرهابية. استمر حصار قطاع غزة وتجويعه بعد شن عدوان عسكري واسع، ليس فقط اتسم بعدم التناسبية وعدم التمييز، بل استهدف المباني السكنية والتجارية والأبراج ومقرات الإعلام والبنى التحتية، ووقع ضحيته عدد كبير من المدنيين، بينهم أسر بأكملها ونسبة عالية من الأطفال.
وأشاد عاروري بصمود الشعب الفلسطيني في وجه سياسات الاحتلال القمعية، والاعتراف المتزايد دولياً بانطباق تعريف الأبارتهايد على الاحتلال الإسرائيلي ودولة إسرائيل بأسرها، ليس في ما يتعلق بجريمة التمييز العنصري فحسب، وإنما أيضاً جريمة الفصل العنصري التي تصنف كجريمة ضد الإنسانية، وتشكيل مجلس حقوق الإنسان لجنة تحقيق دائمة في الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، تضاف إلى قرار محكمة جرائم الحرب الدولية بفتح تحقيق في جرائم حرب يشتبه في أن إسرائيل ارتكبتها.
أما على الصعيد الداخلي الفلسطيني، فقد تحدث العاروري عن إجراء الانتخابات المحلية الجزئية بشكل ناجح، بالرغم من منع حركة حماس إجراء تلك الانتخابات في قطاع غزة، مشدداً على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، تجنباً لوجود حالة فراغ دستوري تشكل قنبلة موقوتة للمجتمع الفلسطيني. وعرّج على الصدامات الداخلية التي رافقتها موجات من العنف، منذ قرار إلغاء الانتخابات العامة، مروراً بمقتل الناشط نزار بنات وما تلاه من قمع التحركات الاحتجاجية التي تكررت فيها كل الانتهاكات النمطية التي سجلت سابقاً، علاوة على خرق توصيات لجان التحقيق كافة التي تبنتها الحكومة، والانتهاكات التي تعرضت لها النساء الصحافيات والناشطات، بما فيها حالات انتهاك للخصوصية، والابتزاز الذي يشكل جريمة حتى لو قام بها أفراد عاديون، فكيف حين يمارسه ممثلو أجهزة رسمية.
كما تناول العاروري حالات العنف التي شهدتها الجامعات الفلسطينية، واشتباكات عشائرية ظهرت خلالها كميات من السلاح يشكل وجودها تهديداً كبيراً للسلم الأهلي، مع تراجع ملحوظ في فرض سلطة القانون، بل والانتقائية في فرضها. مع استمرار حالة الفوضى التشريعية والتي تمثلت في صدور (8) قوانين عن المجلس التشريعي في قطاع غزة، و(44) قراراً بقانون في الضفة الغربية، وهو أكبر عدد من القرارات بقانون خلال عام واحد منذ وقوع الانقسام.
من جانبه استعرض الدويك أهم ما تناوله التقرير في "وصف موضوعي وشامل، قدر الإمكان، للمستجدات الإيجابية والسلبية التي طرأت على حقوق الإنسان في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة خلال العام 2021، بالاستناد إلى إطار معياري معتمد على الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين، والقانون الأساسي الفلسطيني"، مبيناً أن الهدف من التقرير هو تسليط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في أراضي دولة فلسطين كحق أصيل للمواطنين ومختلف الفاعلين في المجتمع للوصول للمعلومات حول تلك الأوضاع وحصيلة عام آخر من واقع تلك الحقوق ومدى احترامها من قبل المنوط بهم ذلك، واستخلاص النتائج والتوصيات التي يجب تنفيذها، بما يساهم في احترام حقوق المواطنين وتعزيز احترام حقوق الإنسان ورفع المظالم عن مواطنين وفئات اجتماعية، وخلق البيئة التي تساهم في احترامها.
وبين أن العام 2022 شهد تصاعداً خطيراً في الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الإنسان التي بلغت ذروتها في العدوان على قطاع غزة في أيار (مايو)، الذي جاء نتيجة سلسلة إجراءات استفزازية قامت بها سلطات الاحتلال في مدينة القدس وساحات المسجد الأقصى المبارك، والتهديد بتهجير عشرات العائلات من حي الشيخ جراح وتوطين عائلات يهودية مكانها، فقد أدى هذا العدوان إلى مقتل (288) مدنياً فلسطينياً، بينهم (69) طفلاً، و(40) سيدة، و(17) مسناً، وإصابة أكثر من (8900) مواطن فلسطيني بجروح مختلفة، منها (90) إصابة صُنفت شديدة الخطورة. كما استهدف العدوان بشكل رئيس الأعيان المدنية والبنية التحتية بقصف عنيف ألحق أضراراً كبيرة فيها، فقد تعرضت (1447) وحدة سكنية للهدم الكلي، إلى جانب (13000) وحدة سكنية أخرى تضررت بدرجات متفاوتة. ومواكبة الهيئة التأثيرات الكارثية التي تسبب بها العدوان الحربي، على مختلف نواحي الحياة، وأصدرت سلسلة تقارير توثيقية خلال فترة العدوان ترصد آثاره السلبية، وتفاقم الانتهاكات في مختلف الحقوق. كما صعدت سلطات الاحتلال من هجمتها على مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، لا سيما المؤسسات الحقوقية، وأغلقت ست مؤسسات بعد أن وسمتها بـ (الإرهاب)، واقتحمت مرات عدّة مقر لجان العمل الصحي الفلسطيني واعتقلت عدداً من طواقمها بمن فيهم المديرة العامة الأستاذة شذى عودة (أفرج عنها مؤخراً).
وأشار الدويك إلى تأثير الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة - نتيجة قرصنة الاحتلال أموال المقاصة وتراجع المساعدات الخارجية وتداعيات أزمة كورونا - على قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الأساسية والايفاء بالتزاماتها، وتداعيات هذه الأزمة في تصاعد الاحتجاجات المطلبية والنقابية، لا سيما نقابة الأطباء التي تجاوزت في بعض الأوقات الحدود المشروعة للإضراب في القطاع الصحي، الأمر الذي شكل خطراً على المرضى، وهو ما دفع الهيئة للتدخل، وقد توجت الجهود بتوقيع اتفاق أنهى الخلاف بين الحكومة ونقابة الأطباء في الضفة الغربية في شهر أيار (مايو) 2021.
وأكد الدويك أن الهيئة قد استمرت في متابعة قضايا المواطنين، وتلك التي أثارت جدلاً كبيراً في أوساط الرأي العام، مثل صفقة تبادل اللقاحات مع الجانب الإسرائيلي، وموضوع فوضى السلاح، وعودة بعض مظاهر الفلتان خاصة في الخليل وجنين، وحادثة مقتل الناشط نزار بنات، والتظاهرات التي أعقبتها وتداعياتها على الرأي العام وحالة الحقوق والحريات العامة والحريات الإعلامية، وشكاوى المواطنين والصحافيين، التي تلقتها الهيئة بشكل فردي وجماعي في ما يخص الادعاء بالتعرض للضرب ومصادرة الهواتف المحمولة. وكدليل على مكانة الهيئة وتميزها وقوة حضورها على المستويات المحلية والعربية والدولية، فقد أعيد اعتماد الهيئة بتصنيف (أ) من لجنة الاعتماد الفرعية في التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للمرة الرابعة على التوالي، وذلك بعد استيفاء الهيئة عدداً كبيراً من المعايير مثل الاستقلال، والتفويض القانوني، والمهام الواسعة في حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، والشفافية في اختيار الأعضاء، والقدرة على الوصول لأماكن الاحتجاز، والتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، ضمن معايير أخرى.
أقسام التقرير
ويقسم التقرير السنوي السابع والعشرون إلى ثلاثة اقسام، الأول يبحث في أثر الانتهاكات الإسرائيلية على قدرة المؤسسات الفلسطينية على الوفاء بالتزامات حقوق الإنسان، من خلال استعراض أبرز تلك الانتهاكات، وأبرز تداعيتها على الحقوق الفلسطينية في المجال الصحي، والاقتصادي، والأمن وسيادة القانون، والحريات الدينية، وفي مدينة القدس، إضافة إلى قطاعات العمل والمياه والإعلام إلى غير ذلك، وقد ثبت لنا من جديد، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار سياساته وإجراءاته العنصرية بحق الفلسطيني، تقف حجر عثرة أمام إنفاذ دولة فلسطين لالتزامات في احترام حقوق الإنسان وحمايتها والوفاء بها. وقد أوصينا، بأن يقوم المجتمع الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة وأدوات القانون الدولي الأخرى بالضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس.
أما القسم الثاني، فيتناول الإطار المتعلق بالحقوق، من خلال استعراض المتغيرات في واقع الحقوق والحريات الأساسية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتم تقسيمه الى جزئين، تناول الجزء الأول واقع الحقوق المدنية والسياسية، وهي الحق في الحياة، وفي السلامة الجسدية وعدم الخضوع للتعذيب، وفي الحرية الشخصية، وفي حرية التعبير، إضافة إلى الحق في التجمع السلمي، والحق في تكوين الجمعيات، وفي تقلد الوظائف العامة بمساواة وعلى أساس قاعدة تكافؤ الفرص، والحق في المشاركة السياسية. أما الجزء الثاني، بحث قي المتغيرات المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي: الحق في الصحة، والحق في التعليم، وفي العمل.
في حين تناول القسم الثالث من التقرير تعاون المؤسسات الرسمية في الضفة الغربية والقطاع مع الهيئة فيما يتعلق بالشكاوى التي تلقتها الهيئة على مدار العام 2021.
فيما يتعلق بواقع الحقوق المدنية والسياسية، فقد كشف التقرير عن انخفاض عدد الوفيات غير الطبيعية عن العام السابق، استمرار المحاكم في قطاع غزة بإصدار أحكام الإعدام، حيث صدر (12) حكماً بالإعدام.
وفي مجال الحق في السلامة الجسدية وعدم الخضوع للتعذيب، فقد لاحظت الهيئة ارتفاع في ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة التي تلقتها الهيئة، حيث بلغ عدد الشكاوى (445) شكوى في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع (252) شكوى في الضفة الغربية، و(193) شكوى في قطاع غزة.
وفيما يتعلق بالحق في الحرية الشخصية، ارتفاع في عدد الاعتقالات التعسفية التي نفذتها أجهزة إنفاذ القانون في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، لا سيما اعتقال المواطنين بسبب ممارسة حقوقهم وحرياتهم المشروعة، حيث تلقت الهيئة (376) شكوى في الضفة الغربية وقطاع غزة بشأن التعرض للاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني من أجهزة إنفاذ القانون، وتم توثيق (109) حالة اعتقال على خلفية حرية التعبير، وتم توثيق (41) ادعاء بالاحتجاز على ذمة المحافظ.
كما تلقت الهيئة (70) شكوى، تضمنت (89) ادعاءً بانتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير، بواقع (56) شكوى في الضفة الغربية، و(14) شكوى في قطاع غزة. وفي مجال الحق في التجمع السلمي تلقت الهيئة (40) شكوى حول انتهاك الحق في التجمع السلمي، منها (35) شكوى في الضفة الغربية، و(5) شكاوى في قطاع غزة.
كان لافتاً هذا العام عدم تقيد أجهزة إنفاذ القانون والحكومة الفلسطينية للقوانين الناظمة للحق في التجمع السلمي، ولجميع توصيات لجان التحقيق السابقة ذات العلاقة، حيث استخدمت قوات الأمن القوة غير الضرورية والمفرطة في فض التجمعات السلمية، وزجت بعناصر عسكرية بلباس مدني بين المتظاهرين، الذين تعرض الكثير منهم لا سيما الفتيات لاعتداءات بالضرب وسرقة هواتفهن المحمولة.
كما شهد هذا العام، تعديل قانون الجمعيات الخيرية والأهلية، والذي نص على أحكام من شأنها عرقلة عمل تلك المؤسسات وتقليص استقلاليتها، قبل أن يقوم الرئيس بإصدار قرار بقانون يوقف نفاذ هذا القرار بقانون. وفي ذات السياق، استمرت تدخل مجلس الوزراء على مصادر تمويل الجمعيات والشركات غير الربحية.
وفي مجال الحق في التنقل، سجلت الهيئة هذا العام استمرار إصدار أوامر بالمنع من السفر وعلى أساس مرتبطة بحق المواطنين في التعبير عن آرائهم وفي الانتماء السياسي، كما استمرت وزارة الداخلية في الضفة الغربية بإخضاع طلبات جوازات السفر للمواطنين في قطاع غزة إلى فحص السلامة الأمنية غير القانوني.
أما في مجال الحق في المشاركة السياسية، فقد سجلت الهيئة نجاح انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية على عكس قطاع غزة، حيث ما زالت ترفض حماس إجراء تلك الانتخابات في قطاع غزة. وبينما نجحت الانتخابات المحلية، خابت آمال الشعب الفلسطيني بإجراء الانتخابات العامة، بعد تأجيلها من قبل الرئيس محمود عباس إلى وقت غير محدد بداعي منع الاحتلال لإجرائها في القدس. وفي مجال الحق في تقلد الوظائف العامة على أساس قاعدة تكافؤ الفرص، باعتباره أحد وجوه حق المواطنين في المشاركة السياسية، فقد تلقت الهيئة عشرات الشكاوى من المواطنين ادعو فيها إخضاع طلبات توظيفهم في القطاع العام إلى فحص السلامة الأمنية غير القانوني.
أمام انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، واستعراض واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما ما يتعلق بالحق في الصحة الذي نال اهتماماً كبيراً هذا العام بفعل استمرار جائحة فايروس كورونا، التي أنهت حياة حوالي 6000 مواطن فلسطين منذ العام 2020 وحتى الآن، كما استقبلت الهيئة (106) شكوى خاصة بالحق في الصحة، (8) منها فقط خاصة بالحجر الصحي غلب على الشكاوى المقدمة للهيئة بشأن هذا العنصر ارتباطها بموضوع تحويلات العلاج إلى خارج المؤسسات العلاجية الرسمية وعدم توفر بعض الأدوية.
وبذات السياق، فان الهيئة اوصت بضرورة أن تقوم الحكومة بزيادة موازنة وزارة التربية والتعليم، وأن تقوم وزارة التربية والتعليم بزيادة النفقات التطويرية، ما يمكّنها من تحسين جودة العملية التعليمية ونوعيتها ومخرجاتها، لتنفيذ ما التزمت به من برامج في خطتها الاستراتيجية
كما أوصت أجهزة انفاذ القانون بضرورة احترام حقوق الانسان وحمايتها وعدم تعريضها للخطر أو التقييد غير المبرر، كما أوصت بضرورة التحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان ومساءلة المتورطين فيها بصرف النظر عن مركزهم الوظيفية إضافة إلى التوصية بإنصاف الضحايا وتعويضهم. وفي مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فقد طالبت الهيئة برصد الموازنات الكافية من أجل الوفاء في هذه الحقوق واستثنائها من أي سياسات حكومية للتقشف.
اما القسم الثالث، وفيما يتعلق تعاون المؤسسات الرسمية مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالشكاوى، فقد اتسم بتعاون مرض من قبل المؤسسات الرسمية مع الهيئة، الا ان الهيئة لاحظت استمرار الردود النمطية في التعاطي مع الشكاوى.