Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

المقاومة الفلسطينية بين الاستراتيجية والتكتيك

بقلم: خالد صادق

لا يمكن لعاقل ان يدور في خلده ولو للحظة واحدة, ان تكون المقاومة قد تخلت عن واجبها في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك, ولا يمكن لعاقل ان يتخيل ولو للحظة واحدة,  ان تكون المقاومة قد تخلت عن معادلاتها التي فرضتها بالقوة على الاحتلال الصهيوني عقب ملحمة سيف القدس البطولية, ولا يمكن لاحد ان يفترض ان المقاومة تراجعت امام الاحتلال, في اعقاب ما تسمى بمناورات «عربات النار», والتي بدأها الاحتلال قبل نحو شهر, وامتدت حتى انطلاق ما تسمى «بمسيرة الاعلام», وكانت تحاكي استعداد إسرائيل للمواجهة العسكرية على عدة جبهات, فالمقاومة الفلسطينية الباسلة وعلى مدار سنوات الصراع مع الاحتلال الصهيوني تجابة «إسرائيل» وجيشها بإمكانيات بسيطة, لا توازي اقل القليل مما تمتلكه «إسرائيل» من ترسانات من الأسلحة التي ليس لها نظير في منطقة الشرق الأوسط, لكن الإرادة اقوى من السلاح, والحق ابلج والباطل لجلج, وكم من فئة قلية غلبت فئة كثيرة باذن الله,  وما سطرته المقاومة الفلسطينية من ملاحم بطولية يشهد به الأعداء قبل الأصدقاء, والجولة لم تنته بعد, فالمقاومة لديها استراتيجية ثابتة لا تحيد عنها ابدا, وهى المشاغلة وادامة حالة الاشتباك مع الكيان الصهيوني واستنزافه تماما, ولديها تكتيك في استخدام أداة الردع, فقد كانت بالحجارة, ثم بعمليات الطعن والسلاح الأبيض, وأصبحت بالسلاح عندما امتلكته, ثم تطورت الى عمليات استشهادية والتزنر بالحزام الناسف في قلب الكيان, ووصلت الى الصاروخ والطائرات المسيرة, فالمقاومة وحدها تملك القرار في استخدام الوسيلة, وتختار الوقت بعناية كبيرة, لأنها تبحث عن تحقيق انجاز وليس مجرد تسويق لفعل.  

الصورة التي حاول نفتالي بينت استثمارها بالأمس في القدس, وسوق لها عبر وسائل الاعلام المختلفة, والخطاب الذي القاه بالأمس وهو مبتسم احتفالا بنصر وهمي صنعه على عجل, هو يدرك قبل غيره حقيقة هذا الوهم الذي يأتي في اطار الصراع والتنافس بينه وبين بنيامين نتنياهو الذي شارك بالأمس فيما تسمى بمسيرة الاعلام, ليضرب بينت ضربة موجعه ويسوق لنفسه انه جزء من هذا اليمين المتطرف, فكلاهما ينافس على حصد أصوات اليمين الصهيوني في الانتخابات القادمة , فكلاهما يسوق للوهم, وكلاهما يستخدم ارخص الأساليب والوسائل الوقحة للوصول الى غايته, وبدت الوقاحة بأبشع صورها في الهتافات التي اطلقها قطعان المستوطنين الرعاع, والذين هتفوا بصوت واحد بالموت للعرب, ليوجهوا صفعة للمطبعين العرب, وبدأوا يصرخون في وجه الفلسطينيين بحقدهم وكرههم «السعودية معنا, والامارات معنا, والبحرين معنا, ومعنا المغرب والسودان» ثم ابدوا سعادتهم الغامرة باستشهاد الزميلة الصحفية الراحلة شيرين أبو عاقلة, وتباهوا امام الكاميرا بقتلها, واعتدوا على المراسلين الصحفيين امام الكاميرات بحراسة الشرطة الصهيونية, وكل هذه المشاهد عمقت حالة الكره والنبذ لهذا الكيان اللقيط مع الامة العربية, بعيدا عن الأنظمة التي تسوق للتطبيع, ولا تستطيع ان تقنع بها الا حاشيتها المحيطة بها, والمسترزقين من وراء الحكام والزعماء والملوك العرب المطبعين مع الاحتلال.  
ولكن هل نجح بينت في هذه الجولة من المواجهة في القدس, وهل استطاع حسم الصراع حولها, للنظر أولا الى المشهد كي نحكم على النتائج, فحتى يسمح نفتالي بينت للمستوطنين باقتحام الأقصى صباحا, وانفاذ مسيرة الاعلام مساء قام بنشر الالاف من افراد الشرطة وما يسمى بحرس الحدود داخل مدينة القدس وفي محيطها, كما قام بنشر القبة الحديد ووحدات الجيش الصهيوني في الشمال والجنوب وفي الجولان واستنفر كل المستويات السياسية والأمنية والعسكرية والاستخبارية وفتح الملاجئ وهجر المستوطنين من منطقة الغلاف وأخلى محيط الغلاف مع قطاع غزة على مسافة عشر كيلو مترات من المستوطنين والجنود والاليات العسكرية, كل ذلك كي يقوم المستوطنون بإنفاذ مسيرة الاعلام واقتحام الاقصى, فهل هذه تسمى سيادة على القدس, لقد بدا بينت كالطفل اللقيط الذي يبحث عن امه او ابيه دون ان يعثر لهما على اثر, ورغم ذلك وجدناه يسوق لانتصار وهمي بعد ان اهتزت صورته بشدة امام الإسرائيليين بعد ان ضربته المقاومة في النقب والخضيرة وتل ابيب وبني براك والعاد, وبينت يدرك اكثر من غيره ان معركة القدس لم تنته بعد, واذا كان لا زال يحلم فعليه ان يستفيق, لان هناك رسالة وجهتها له حماس على لسان رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية عنوانها العريض «إن ما حدث في القدس لن يغتفر، والمقاومة ستواصل طريقها حتى اجتثاث الاحتلال, وهذا لسان حال كل فصائل المقاومة الفلسطينية.

ما بين الاستراتيجية والتكتيك مساحة ضئيلة، لكنها مؤثرة ويمكن البناء عليها، فالقرار الذي تتخذه المقاومة يحظى بثقة الجمهور الفلسطيني ودعمه، وما حدث في القدس مؤخرا ينم عن استعداد كبير للفلسطينيين في الدفاع عن قدسهم واقصاهم، فمواجهة الاحتلال تمت من قبل أهلنا في القدس وكل نقاط الاشتباك في الضفة (بلغت ٢٥ نقطة اشتباك على الاقل). فالمواجهة شعبياً تمت، ولم يمر الحدث بسلام من قبل شعبنا، اما حصر قضية المواجهة دائماً بإطلاق الصواريخ من غزة فهو تقزيم للمواجهة الشاملة التي أحد صورها العمل المسلح، وليدرك الجميع ان الردع قائم فعلاً بدليل حجم الحشد لقوات الاحتلال في مكان يدعي أنه عاصمته الموحدة والابدية، فالقدس على حالها تعاند الاحتلال وتعاند فرض السيادة الإسرائيلية عليها بعد ٧٤ عاماً، ثقوا بمقاومتكم التي صنعت المعجزات، فهي تزداد قوة يوما بعد يوم، ولا يمكن ان تخذل شعبها او تتوانى عن أداء واجبها.
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً        َ ويَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تَبِع لَهُ         بَتاتاً وَلَم تَضرِب لَهُ وَقتَ مَوعِدِ