بقلم: إبراهيم الأمين
حتى مساء الأحد، كان كثيرون يتوقّعون انفجاراً عسكرياً كبيراً في فلسطين، وتوقّعوا أيضاً أن يتمدّد إلى خارجها. واستند هؤلاء إلى تقدير بأن «مسيرة الأعلام» ستدفع المقاومة إلى ردّ عسكري حتميّ، ينطلق من قطاع غزة، ما سيؤدّي إلى مواجهة قاسية مع العدو، تستوجب تدخّل «محور المقاومة» من جبهات أخرى. وعندما مرّ الوقت ولم يكن التوقّع في مكانه، تنازعت الجمهورَ -وحتى المراقبين-؛ مناخاتٌ تداخَل فيها الإحباط بالخيبة والحسابات الخاطئة.
مَن يراجع تجارب المواجهة بين المقاومة الجادّة والعدوّ، في لبنان أو فلسطين، يدرك أن أبرز عناصر قوّتها تكمن في أن العقل، لا الانفعال، هو ما يتحكّم بخطواتها وقراراتها. وكلّ حساب خاطئ ينجم عن حماسة أو سعي لمكاسب خارج ميدان المقاومة، يقود حُكماً إلى نتائج سلبية.
فقط للعلم، لم يبقَ مسؤول عربي أو إقليمي أو دولي تربطه صلة بالمقاومة، إلا مارس كلّ أنواع التهويل ضدّ قيادات المقاومة في فلسطين، في حال تدخّلت لنصرة أهل القدس. ولم تبقَ جهة رسمية عربية إلا هدّدت أهل غزة بالجوع والقهر والحصار، إن حصلت المواجهة. وجرَت خطوات عملانية تهدّد بزيادة الضغط على الناس، ليس حياتياً فقط، بل حتى عبر تغطية عدوان "إسرائيلي" كان رئيس حكومة العدو نفتالي بينت، يريده قاسياً أكثر من أيّ وقت سابق، ضدّ القطاع ومقاومته وأهله.
طبعاً، لا يمكن تجاهل أخطاء الإدارة الإعلامية والسياسية لفصائل المقاومة خلال السنة الماضية. لم يكن انتصار «سيف القدس» أمراً عابراً، وما جرى خلال سنة من موجة عمليات ومواجهات في القدس والضفة الغربية وحتى داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 كان مذهلاً، وهو يمثّل اليوم مركزَ القلق عند العدو. لكنْ، ثمّة مَيلٌ إلى المبالغة، برز عند نشطاء وإعلاميين ومؤثّرين من أنصار المقاومة، وكذلك عند قيادات فيها، وتمظهر في الحديث عن الربط التلقائي لأيّ مواجهة بين أهالي القدس والعدوّ، وبين مقاومة غزة. لكن هذه الأخطاء لا تبرّر مناخ الإحباط الذي يُراد له أن ينتشر بقصد النيل من قرارات قيادات المقاومة في «حماس» أو «الجهاد الإسلامي»، أو بقية الفصائل.
ومَن لا يعرف عن تفاصيل إدارة هذا النوع من المعارك، عليه أن يرجع إلى الخلف قليلاً، ويتذكّر أن القادة الحاليين للمقاومة في لبنان أو فلسطين أو بقية المنطقة، يستنِدون في قراراتهم إلى حسابات يحكمها العقل. وكما بيّنت التجارب، أنّهم لا تنقصهم الشجاعة والإقدام والاستعداد لتحمّل المسؤولية والتضحيات، فهم أيضاً لا تنقصهم الحكمة التي تحتاج إليها كلّ مقاومة عاقلة.
ولمن لم يرَ المشهد جيداً، فليتذكّرْ بأن "إسرائيل" التي كانت تجتاح وتقتل وتهدم وتقوم بكلّ ما يحلو لها، صار جُلّ مبتغاها أن تنجح في تنظيم مسيرة لم تجذب سوى متطرّفي المستوطنات في الضفة الغربية، دون بقيّة مستوطني المدن. وانظروا إلى هذه الدولة التي تملك جيشاً جباراً كانت تستخدمه عندما يحلو لها، وأينما تريد، انتهى بها الأمر بأن تدرس كيفية تنفيذ عمليات أمنية في هذه المنطقة أو تلك، من دون ترك بصمات، لكي تحول دون تدفيعها الثمن.
ليس أمامنا سوى الثقة بالمقاومة وقيادتها... ونحن نثق بها!