في أعقاب الاغتيال الإجرامي الذي اقترفته وحدة المستعربين العسكرية الصهيونية ضد الصحافية شيرين أبو عاقلة، وفي أعقاب ردود الفعل الفلسطينية والعربية والأممية والأوروبية وحتى الأمريكية الغاضبة، فإن الأسئلة التي باتت تخالج الجميع على كل المستويات والدول وخاصة على المستويين الفلسطيني والعربي:
- هل ستشكل عملية الاغتيال الإجرامية الواضحة الصريحة مع سبق الاصرار والترصد نقطة تحول في التعامل الأممي مع الاحتلال والجرائم الإسرائيلية...؟!
- وهل ستتحرك الأمم المتحدة مثلا لفعل شيء لمحاسبة المجرمين...؟!
- وهل ستتحرك الجنايات الدولية هذه المرة وهذا الأهم للتحقيق في الجريمة ومحاسبة المجرم الإسرائيلي...؟!
في هذا السياق نشير إلى أنه على مستوى الإجماع الفلسطيني/ العربي إلى حد كبير، هناك مشاعر وقناعات عربية راسخة بأن العدالة الدولية/ الأممية غائبة ومغيبة في فلسطين، وبأن الدور الأممي الحقيقي الذي يجب أن تلعبه المؤسسات الدولية في فلسطين، وفي مقدمتها مجلس الأمن هو توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الذي يذبح على مدار الساعة وبالبث الحي والمباشر على مرأى من العالم كله، على يد جنرالات وجيش الاحتلال الصهيوني.
المشهد الفلسطيني المليء بالجرائم الصهيونية المنهجية المتصلة المستمرة منذ أكثر من أربعة وسبعين عاما، يثير دائما وأبدا جملة من الاسئلة والتساؤلات الكبيرة المتعلقة بدور المجتمع الدولي:
- أين فلسطين من المواثيق والقوانين والأعراف والأخلاق الدولية والبشرية..؟
- لماذا تتوقف كلها عندما يتعلق الأمر بفلسطين والشعب العربي الفلسطيني..؟
- أين المجتمع الدولي..؟ وأين الأمم المتحدة..؟ وأين مجلس الأمن الدولي من المجازر الجماعية وجرائم الحرب الصهيونية المروعة المنفلتة بلا كوابح ضد نساء وأطفال وشيوخ فلسطين..؟!
-أين محكمة لاهاي..؟
- أين المحكمة الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب وجنرالات الإجرام في الدولة الصهيونية..؟!
إن فلسطين تتعرض إلى سلسة مجازر متصلة لم تتوقف.. وأهلنا في فلسطين يتعرضون إلى حملات وموجات من القمع والتنكيل والذبح الجماعي... والمجتمع الفلسطيني يتعرض إلى التدمير الشامل المنهجي... والمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية تتعرض إلى حملات متلاحقة من الاجتياحات الحربية التدميرية الاقتلاعية الهستيرية، وما يجري من اقتحامات يومية لمخيم جنين أبرز مثال على ذلك.
دولة الاحتلال تستبيح فلسطين وشعب فلسطين استباحة إجرامية شاملة، ولم تترك مجالا من مجالات الحياة المدنية إلا وألحقت به الأذى والدمار...
- فأين المجتمع الدولي إذن من كل ذلك..؟! وأين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني الأعزل..؟! ولماذا يتوقف المجتمع الدولي بمجلسه الأمني وبكل منظماته الدولية مشلولا حينما تمس المسألة "إسرائيل" وجنرالات الإجرام فيها...؟! لماذا تتعطل المواثيق والقوانين الدولية أمام "إسرائيل"...؟! ولماذا تتعطل المواثيق والقوانين والأعراف الدولية عندما يمس الأمر الدولة الصهيونية..؟!
فوفق المادة 13 من قانون حماية السكان المدنيين الذي أقر عام 77 فإن "المدنيين يجب أن يتمتعوا بحماية عامة من الأخطار العسكرية، ويجب أن لا يكونوا هدفا لأي هجوم"، غير أن معطيات المشهد الفلسطيني تبين للعالم كله أن دولة الاحتلال تقترف جرائم الحرب على أوسع نطاق وعلى مختلف الجبهات وفي مختلف المجالات ضد الشعب الفلسطيني، حيث تشير أحدث التقارير مثلا إلى استشهاد حوالي 8000 فلسطيني، منهم نحو 241 شهيدة، ونحو 1000 طفل، وقرابة 75 ألف جريح، ناهيكم عن التدمير الشامل للبنى التحتية الفلسطينية، ولحوالي 82 ألف منزل فلسطيني.
وحسب تقارير لمنظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات الأممية، فإن "الجيش الإسرائيلي يرتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين"، ودعا التقرير الأسرة الدولية إلى التدخل بأسرع وقت ممكن..
- فماذا يقول الأمين العام للامم المتحدة الذي يدعو للتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى في كل ذلك..؟! وأين عدالته وحمايته للشعب الفلسطيني...؟!
وهل نأمل خيرا وتطورا ايجابيا على مستوى الجنائية الدولية بعد عملية الاغتيال...؟!
في سلسة مواقف وتصريحات سابقة للأمناء العامين للامم المتحدة لم نرَ سوى معاداة السامية ولم يذرفوا الدموع إلا على المحرقة التي انقضى عليها نحو سبعة عقود ونصف من الزمن، وطالبوا العالم بعدم التزام الصمت تجاه معاداة السامية، واعتبر "أن المعركة – أي ضد اللاسامية - يجب أن تكون معركتنا" - أي معركة المجتمع الدولي-، بينما لم يروا المحرقة الصهيونية المفتوحة لابتلاع فلسطين والشعب الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة المدعمة حتى بمئات القرارات الدولية..!
نشعر بالغضب الشديد من هذا "الموقف الأممي"... ونشعر بالخجل الشديد أيضا من السلبية العربية والدولية من كل ذلك... ونعتقد أن أقوال ومواقف الأمناء العامين للأمم المتحدة خطيرة ويجب أن لا تمر هكذا بلا مساءلة أو شجب أخلاقي... فالأمين العام يمثل المجتمع الدولي ويتحدث باسمه، ونطالبه بشجب المحرقة الحية الماثلة المفتوحة ضد الفلسطينيين قبل أن يتباكى على محرقتهم - المشكوك بأمرها -! والأخطر من كل ذلك هنا الدور السلبي والمتواطىء للمطبعين العرب، وهم في حالة استسلام واستخذاء وتأقلم وبإرادتهم هم وليس غير ذلك.. فإلى متى ستستمر يا ترى حالة العرب هذه..؟!
منطقيا يفترض أن يستفيق وينهض العرب من استخذائهم وسباتهم في مواجهة هذا الهجوم الأميركي - الصهيوني الكاسح الذي يستهدف حسب المخطط المشترك بين الإدارتين الأميركية والصهيونية: الأمة العربية ومقومات وجودها ونهضتها وقوتها واستقلالها.
نتطلع إلى أن تشكل عملية اغتيال شيرين الإجرامية نقطة تحول حقيقية في العدالة الدولية في ضوء هذا الإجماع العالمي على إدانتها وتحميل الاحتلال مسؤولية الجريمة... فهل نبالغ يا ترى في ذلك...؟!