كتب د. هاني العقاد
صعب علي دولة احتلال كإسرائيل ان تفهم وتستوعب وتقبل بسهولة ان الشعب الفلسطيني لا يقبل الاستسلام ولا يعرف الاستسلام وليس من المعادلات التي تستطيع فيها كل قوي الشر بالعالم ان تفرضها عليه، وما سجل التاريخ يوما من الأيام ان شعبنا محتلاً استسلم للقوي الغازية المحتلة وقبل بمخططات الهيمنة والوصاية واعطي كل ما يملك من ارض ومقدسات وتاريخ للاحتلال مقابل حلول لا تتعدي الاعتراف بحق هذا الشعب في العيش دون هوية سياسة ودون حقوق سياسية كاملة. إذا اخذنا بعين الاعتبار ان اسرائيل ليست دولة احتلال فقط وانما استعمار واستيطان ينفي حق الوجود لصاحب الأرض وسكانها الأصليين الفلسطينيين ولا يعترف بهم كشعب، فان هذا يعتبر من اعقد حالات الصراع وأصعبها ويكاد ايجاد حل عادل ومناسب له في زمن يتخلى فيه العالم عن العدالة الدولية ويتناسى قرارات الشرعية الدولية، وزمن لا يقبل فيه المجتمع الدولي الحقائق ولا يمتلك القوة الكافية لوقف جريمة احتلال يمارسها كيان عنصري مجرم منذ عشرات العقود فان هذا بالتأكيد امر شبه مستحيل.
اربع عمليات فدائية موجعة شهدتها شوارع دولة الاحتلال في تطور بالغ بانتقال المواجهة مع الفلسطينيين الي شوارع ومدن دولة الاحتلال تكاد مؤسسة الاحتلال لا تصدق ما يجري هناك , في الوقت ذاته لا تقبل باي معادلة جديدة غير معادلة القوة والهيمنة والامن المزعوم والهدوء بلا ثمن واستسلام شعبنا الفلسطيني المحتل , ركوب راس إسرائيلي معقد ناتج عن تطرف اكثر تعقيدا يحتاج الي زمن لكل تتخلي عنه دولة الاحتلال و وجود قادة يؤمنوا بالسلام كخيار وحيد لإنهاء الصراع ويقبلوا بالفلسطينيين كأصحاب ارض وشركاء هم وحدهم يستطيعوا ان يوفروا الامن والاستقرار في المنطقة وليس شعبا اخر او حكومات اخري تعتقد اسرائيل ان عقد اتفاقات تطبيع معها يمكن ان يصنع سلاما وامنا واستقرار لشعبها. أربع عمليات موجعة كشفت هشاشة منظومة إسرائيل الأمنية ما يعني ان إسرائيل سترفع مستوي القتل اليومي بحق من تطاله ايدي القوات الخاصة والجيش والمستوطنين من الفلسطينيين، أطفال ,رجال , نساء أي كائن فلسطيني حي وتزيد من سياسة الاعتقال والحصار واقتحام المدن والمخيمات بغطاء اعلامي موجه للمواطن الإسرائيلي , ومن جانب اخر سوف تستغل هذه العمليات لتكثيف الاستيطان وسرقة الأرض وإقامة بؤر استيطانية جديدة .
بالرغم من ذلك نستطيع ان نقول ان "عملية ديزنغوف" عادت الصراع الي الواجهة وحددت مسارات المواجهة مع المحتل وارسلت رسائل لكل الأطراف حتى المجتمع الدولي بان العدل في تناول القضايا الدولية هو من متطلبات الاستقرار بالعالم وان الحلول الشاملة للصراع ومنح الفلسطينيين حقوقهم هو الطريق الأقصر لتحقيق الامن والاستقرار بالمنطقة ,والرسالة الأهم لقادة العدو ان محاولتهم إلصاق هذه العمليات بتنظيمات داعشية هي محاولة فاشلة وان النضال الفلسطيني لم يكن بالأصل الا لتحرير الأرض والانسان وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف , وراس الرسالة التي أرسلتها هذه العملية لقادة الاحتلال ان صناعة الامن بالقتل والاغلاق والحصار والاستيطان مع بعض التسهيلات والحلول الاقتصادية امر فاشل ولن يحقق لإسرائيل أي هدوء. نحن نعرف ان كلمة السر لدي دولة الاحتلال هي الهدوء وتحاول تحقيقه بالقوة العسكرية دون ان تلجأ لسلام حقيقي مبني على الاعتراف بحقوق الفلسطينيين ولا اعتقد ان تفوز هذه الدولة المحتلة بهدوء مطلق طالما هي دولة احتلال تتنكر للسلام الحقيقي وكل هدوء تزعم انها حققته بالقوة هو هدوء نسبي سرعان ما يتلاشى لان المشهد الطبيعي بين الاحتلال والشعب المحتل هو كالمشهد الحالي من المواجهة الاشتباك الدائم.
تحاول دولة الاحتلال خنق مخيم جنين ومدينتها بعد اقتحام فاشل لاعتقال والد منفذ "عملية ديزنغوف" واخوته وهدم بيتهم وتراجع جيش الاحتلال الي مناطق التماس , وفي هذه المحاولات تعتقد دولة الاحتلال انها ستضعف المقاومة هناك وتشتت صفوفها وتحول بينها وبين خروج المقاومين للاشتباك مع جنود الاحتلال علي نقاط التماس والحواجز الي ان تتحين غفوة عيون رجال المقاومة ولو برهة لتنقض علي المخيم وتنفذ مذبحة ترمم من خلالها سمعة منظومتها الأمنية وتزعم حينا استعادة الهدوء , لكن التاريخ علمنا ان الحرب كر وفر , يوم عليك ويوم لك فاليوم يوم جنين ويوم رجالها الذين كتب التاريخ عنهم انهم رجال اشداء علي الحق ثابتين علي الدين قائمين , جربت إسرائيل قبل عشرين عاما سحق المخيم واستعادة الهدوء بالدبابات والصواريخ والاباتشي لكنها لم تنجح لان الاحتلال لم ينتهي , ان المخيم اليوم اصبح ثورة وقوة وهذه القوة تتعاشوا تلك المرحلة وحفرت دبابات شارون في وعيهم ان النار بالنار والبارود اقوي.
لم تفهم المعادلة اسرائيل ولا تريد ان تفكر فيها لأنها دولة قتل واحتلال وعقيده حكامها قائمة علي التطرف ولعل الايام الأخيرة منذ تلك العملية البطولية وحتي الان وارتفاع وتيرة الانتقام الصهيوني من الفلسطينيين وتصاعد المواجهة وارتقاء شهداء يدلل علي ان اسرائيل لم تفهم المعادلة بعد وهذا يعني الأصعب قادم وقد لا ينتهي بانتهاء رمضان كما يعتقون ولا احد يدرك مدة هذه المواجهة ولا نعرف نحن كمراقبين أيضا الي اين ستأخذنا لكن نستطيع ان نقول ان زيادة درجة الإرهاب الصهيوني, إرهاب الدولة المنظم هو الذي يحدد مسارات تصاعد المواجهة والمديات التي ستصل اليها وهذا مرتبط بمدي استيعاب إسرائيل المعادلة للمرة المائة, الان ام ان إسرائيل مازالت بحاجة الي مزيد من الوقت ومزيد من الفشل في احتواء النضال الفلسطيني , ومزيد من الفشل في تحقيق الامن دون ان تنهي احتلالها واستيطانها وتوقف قتلها وانتهاك حقوق أبناء هذا الشعب الفلسطيني العظيم .