على الرغم من قناعاتي وإدراكي لحقيقة وطبيعة نظام الفصل العنصري الصهيوني، إلا أن متابعة وسائل الإعلام الإسرائيلية المرئية والمسموعة، والنقاش الدائر بين مقدمي البرامج والمحللين السياسيين، حول فضيحة عدم السماح للاجئين الأوكرانيين الدخول لإسرائيل يثير الغثيان والحنق والغضب والألم وانعدام الإنسانية، والشعور بالألم نحن جزء منه ويستوطن فينا منذ عشرات السنين.
النقاش يعكس الاجماع الصهيوني، وتجليات فكرة وأساس قانون القومية والانسجام مع طبيعة نظام الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني، وفكرة القانون قائمة على التمييز العنصري على أساس الدين الذي قامت عليه إسرائيل وتمارسه لأكثر من سبعة عقود ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين. فالقانون ينص على أن "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير".
لسنا بحاجة لمشاهدة مقاطع الفيديو والصور للاجئين أوكرانيين في مطار اللد اللذين افترشوا الأرض وتعرضوا لإزدراء ومعاملة قاسية وغير إنسانية، وعانوا ظروفا شديدة السوء، دون أن توفر لهم احتياجات أساسية كأماكن للمبيت والحمامات والراحة، في الوقت ذاته يواجهون خطر الترحيل بعد كل تلك المعاناة، هذه المعاملة والمشاهد هي تعبير حقيقي عن صورة وحقيقة نظام الفصل العنصري، وهو الفضيحة الشاهدة على الفضيحة التاريخية لإقامة هذه المستوطنة، وازدواجية المعايير التي تتجلى في استغلال ضحايا الحرب في أوكرانيا والتمييز بين ضحية وضحية على أساس العرق والدين والجنس واللون.
هذه صورة وحقيقة دولة الفصل العنصري الذي تدعي أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة، وتطبق معايير حقوق الإنسان ودولة ذات قيم أخلاقية، وجزء أصيل من ما يسمى العالم الحر، وكأننا والعالم غير مدركين طبيعة نظام الفصل العنصري، وكيف سيتم وضع إسرائيل ونظامها العنصري أمام التزامها الأخلاقي بمساعدة اللاجئين الأوكرانيين؟ وتصريحات وزيرة الداخلية شاكيد، "أن كل إنسان عاقل يعي أن دولة الشعب اليهودي الصغيرة لا يمكن أن تشكل بديلاً للدول أوروبا المختلفة ومن بينها المجاورة لأوكرانيا".
مع العلم أن إسرائيل واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية 1951 للاجئين، إلا أن قوانينها لا تتضمن أي تشريع خاص باللجوء وإن كانت تسمح للباحثين عن اللجوء بالعمل وتمنحهم الحماية المؤقتة وحق عدم الإعادة القسرية. وتابعنا خلال السنوات الماضية سياستها التي اتبعتها ضد طالبي الهجرة واللجوء من الأفارقة، واعتدنا على برامجها النابعة من عنصريتها، وأنها دولة اليهود فقط، والتي تضع في رأس أولوياتها إغلاق الحدود في وجه المهاجرين، واليوم تغلق أبوابها الموصدة أمام اللاجئين الأوكرانيين، واستقبال بعضهم لفترة معينة بحجة الحفاظ على الهوية القومية لدولة اليهود.
تعاطف نظام الفصل العنصري مع الضحايا الأوكرانيين، وعند أول اختبار أخلاقي وإنساني، سقط النظام في فخ الادعاء بالتمسك بالقيم الأخلاقية، ومن هو اليهودي وغير اليهودي واليهودية، وشعور اللاجئين الذين وصلوا إسرائيل، كأنهم متهمون مُطالِبون بحكم مخفف.
العالم لا يريد رؤية طبيعة إسرائيل ونظامها العنصري الاستيطاني ويغض النظر عن سلوكها، لكن هذه الفضيحة تفتح النقاش واسعاً في أنحاء العالم على طبيعة وحقيقة ووضوح هذا التمييز، قد لا يكون الوقت مناسبا لفتح هذا النقاش في وسط ضجيج الدبابات وهدير الطائرات والصواريخ والقنابل. لكن لا يجب أن يغض الفلسطينيين النظر والتوقف عن دق الجدار وفضح طبيعة النظام، وعدالة القضية الفلسطينية حتى على المستوى الداخلي، خاصة على مستوى الحقوق والعدالة والتمييز والفصل العنصري.
من المرجح أن الحرب ستطول، لكن هذا لا يمنع الفلسطينيين من رفع كلفة وثمن الاحتلال ونظام الفصل العنصري أكثر، والاتفاق على استراتيجية وطنية للمقاومة، والتوقف عن تعزيز وتعميق العلاقة معه، وطريقته في التعامل مع قضيتنا من خلال التسهيلات الاقتصادية، وكأن قضيتنا مجرد قضية إنسانية.