في غمرة انشغال الجزائر في صراعها مع شقيقها المغربي، واستعداداتها في التحضير للقمة العربيّة التي سترأسها في آذار المقبل، استقبلت الجزائر الرئيس الفلسطيني وقدّمت له دعماً سياسياً يفتقده، مقترناً بدعم مالي سخي هو في أمسّ الحاجة له، في وقت تتراجع فيه التدفقات المالية من دول عربية وغير عربية عن رفد ميزانية السلطة الفلسطينية، وقد أبدت الجزائر استعدادها ورغبتها في استضافة جولة جديدة لحوار فلسطيني ـ فلسطيني، الأمر الذي يعزز من دورها وحضورها وينجح من دورها كرئيس قادم للقمة العربية، كما يعزز من شرعية صراعها مع المغرب، وللجزائر تجربة وخبرة في التعامل مع الفصائل الفلسطينية وهي تريد حسب ما قال وزير خارجيتها العمامري إعادة الاعتبار ل فلسطين من خلال رئاستها للقمة العربية، الأمر الذي يعطي قيمة للعمل العربي المشترك، وذلك حسب قوله.
وجدت الدعوة الجزائرية قبولاً عاماً لدي جميع الفصائل الفلسطينية، لا عن قناعه بجدوى اللقاء بقدر ما هو شيء من العلاقات العامة، كما هو احترام لدور الجزائر التاريخي والثابت، الداعم أبداً لفلسطين، ثم لأنّ كلّ فريق فلسطيني لا يريد أن يبدو معطلاً للحوار ورافضاً له، وهي فرصة لإحراج نظيره، وعلى قاعدة (مش غلط) بالعاميّة، فهو وقت سيمضي، بغضّ النظر عن التشاؤم المتبادل بإمكانية الوصول إلى نتائج تتجاوز الكلام والبيانات المعدّة بلغة تصالحية.
دعت الجزائر الفصائل لزيارتها تحضيراً للحوار، ولتبدأ بحوار جزائري مع كلّ فصيل على حدة للتشاور وكي تسمع منهم وتتطلع على تقديراتهم وتصوراتهم. عرض كلّ منهم أجندته، حماس في بنيتها ومعها الجهاد الإسلامي وفصائل أخرى ترى إيديولوجيا، أنّ هدفها هو تحرير فلسطين وذلك بأدوات كفاحية على رأسها السلاح، وترى أنّ التفاوض والطرق السلمية قد أثبتا تهافتهما وفشلهما لثلاثة عقود تآكلت فيها الأرض وتراجعت مكانة فلسطين بسببهما، وسياسياً ترى أنّ فتح لطالما انقلبت على التفاهمات، وأنها تختطف منظمة التحرير، لذلك لا ترى من مدخل ممكن للمصالحة إلا عبر صندوق الانتخابات البرلمانية للمجلسَين: التشريعي والوطني، وللرئاسة، وهي التي عطلتها رام الله بعد أن كانت قد وافقت عليها في لقاءات الأمناء العامين، وذلك بذريعة لم تكن غائبة على السلطة الفلسطينية ولم يكن أحد يجهلها وهي الانتخابات في القدس ، وأنّ رام الله في تمسكها بهذه الذريعة تلجأ إلى الهروب من الاستحقاق الانتخابي إلى زمن غير معروف مداه، اللهم إلا في حالة تمّ ضرب المشروع الصهيوني وإلحاق الهزيمة به وتغيّر موازين القوى العالمية، وتضيف حماس مطلبياً ضرورة رفع الحصار عن غزة وإعادة إعمار ما دمّرته آلة الحرب وفاقم من حدّته الحصار.
حركة فتح ترى أنّ الطريق الأوحد للعمل الفلسطيني يجب أن يقتصر على العمل السياسي والتفاوضي، لذلك ترى أن دخول أيّ فصيل لمنظمة التحرير والشروع في حوار جدّي معه يستلزم اعترافه باتفاق أوسلو، وهو الاتفاق الذي تقول عنه بعض قيادات الصف الأول في فتح بأنه كان خطأ جسيماً، فيما تقول قيادات أخرى من الاتجاه ذاته بأنه اتفاق مات ودفن، ثم انّ فتح تشترط أيضاً على معارضيها الاعتراف بشروط الرباعية الدولية، وهي شروط لم تعد تلك الرباعية تذكرها إلا لماماً، لا بل أنّ بعض تلك الرباعية قد تجاوز الشروط الأمر الذي بدا في اتصالاتهم مع حماس مباشرة أو عبر الوسيط ال قطر ي أثناء معركة سيف القدس.
استبقت رام الله زيارات الفصائل للجزائر بإرسال وفد من لجنتها المركزية لدمشق وبيروت، وذلك لإقناع فصائل المقاومة هناك بضرورة عقد المجلس المركزي، لم يوفّق الوفد في مهمته، فلم يكن يملك لا من الحجج ولا من الأسلوب ما يجعل هذه الفصائل تقتنع بجدوى عقد المجلس المركزي ومنحة النصاب العددي والسياسي، فهي لن تكون أكثر من (شاهد مشفش حاجة)، خاصة مع تجربتها في ما سبق، من جلسات للمجلس المركزي، فلم تلتزم السلطة بقراراتها على إلزاميتها، ولم يعد أحد يصدّقها لا من الفصائل ولا من الشعب الفلسطيني، ولم يعد العدو يخشاها لمعرفته اليقينية بعدم جديتها، وهكذا أصبحت من لزوم ما لا يلزم.
تعاني السلطة من تراجع وضعها الخارجي، وخاصة مع محورها، فبعضه قد فتح الأبواب على مصراعيها مع (إسرائيل) دون المرور عبر البوابة الفلسطينية، وبعض آخر يأخذ على السلطة أنها ترتب مع (الإسرائيلي) دون اطلاعها والتنسيق معها، فاللقاءات الأخيرة مثلاً بين الرئيس الفلسطيني ووزير الدفاع (الإسرائيلي)، جرت دون التنسيق مع عمّان والقاهرة اللتين اطلعتا على ما جرى من وزير الدفاع (الإسرائيلي) لا من رام الله. لكن السلطة تعاني أيضاً من وضعها الداخلي، وما يلحظ من فلتان أمني وارتفاع معدلات الجريمة، وتراجع الأداء الإداري لأسباب بعضها خارج عن قدرتها مثل جائحة كورونا وجفاف كثير من مصادر الدعم المالي الخارجي، وبعضها من عدم كفاءة الجهاز الإداري وتتالي فضائح الفساد التي لم يعد بين الواحدة والأخرى أيّ فواصل، مما أصاب حزب السلطة بجراح بدت في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية التي جرت مع نهاية العام، وحصدت القوائم المستقلة بها قرابة 72% من مقاعدها، حسب ما ذكر رئيس لجنة الانتخابات المركزية.
لم تجد قيادة السلطة بداً من استباق لقاءات الجزائر ـ إن تمّت إلا بترتيب وضعها الداخلي دون الالتفات إلى الحالة العامة وفي محاولة لفرض وقائع على الأرض، واستباق أيّ تطور محتمل، فاختارت وزير الشؤون المدنية (المكلف بإدارة العلاقة مع الاحتلال) لعضوية اللجنة التنفيذية وتولي أمانه سرّها، وهو الموقع الذي يؤهّله لأن يكون الشخص الثاني بعد الرئيس تراتبياً، واختيار آخر لرئاسة المجلس الوطني بديلاً لرئيسه الحالي الذي تقدّم به العمر، وهو الموقع الذي يجعل منه رئيساً مؤقتاً في حال غياب الرئيس، بهذا اتخذت فتح قراراتها الداخلية كما يُقال بالإجماع عن قناعة أو عن صمت، وترى ضرورة اتخاذ خطوة إضافية لمنحها مزيداً من الشرعية.
لتكريس وتشريع ما تقدم تعود مسألة انعقاد المجلس المركزي إلى ضرورتها، للموافقة على هذه الترتيبات، ولا يبدو أنّ أياً من الفصائل الجدية كالجبهتين الشعبية والديمقراطية موافقة عليه، وكذلك الأطر ذات الحضور كالمبادرة الوطنية التي تبدو متردّدة، بالطبع من سيحضر حتى الآن هي الفصائل المجهرية الحجم والتي لا وظيفة لها إلا منح الشكل الأحادي شيئاً من التنوّع الشكلي من خلال مكافأتها بمقاعد في اللجنة التنفيذية أو مقاعد وزارية.
الاثنين الماضي أكد الرئيس الفلسطيني لوزير الخارجية الأميركي وذلك في مكالمة هاتفية، على ضرورة عقد المجلس المركزي، وقال إنّ مهمة الاجتماع تقييم الأوضاع واتخاذ قرارات لازمة لحماية الشعب الفلسطيني وللدفاع عن حقوقه ومصالحه العليا، فيما تركز حديث الوزير الأميركي على ضرورة إجراء إصلاحات داخل بنية السلطة، وذلك حسب بيان الخارجية الأميركية.
تفصلنا عن السادس من شباط، الموعد المفترض لعقد المجلس المركزي أيام قليلة، فهل سيعقد بمن حضر؟ ما يقلق أنّ ثمة اتجاهاً قد أخذ يعلن عن نفسه وبصوت مرتفع مؤخراً، يرى أصحابه أنهم هم الشرعية والشرعية هم، هم من يمنحها لمن يريد أو يحجبها عمن يريد، لا من يأخذها من أحد، وهم في موقع إملاء إرادتهم وفرضها بقوة الأمر الواقع على الأرض المحتلة، أرض فلسطين، ولا تعنيهم لا حوارات الجزائر ولا الدور الجزائري، إنها مسألة تحمل من الخطورة ما يستدعي من الجميع التوقف عندها والتصدي لها.