محسن محمد صالح
كان حلّ الكنيست الإسرائيلي الذي توافقت عليه أحزاب الحكومة الإسرائيلية وأقره الكنيست؛ أمراً متوقعاً، مع تزايد الحديث عن هذا الموضوع في النصف الثاني من سنة 2018. والتبكير الذي حصل للانتخابات، (بحيث تُعقد في 9 نيسان/ أبريل 2019) لم يكن كبيراً؛ لأنه بحدود سبعة أشهر فقط.
وفرت الدعوة للانتخابات المبكرة طوق نجاة لرئيس الوزراء نتنياهو للخروج من الدائرة التي أخذت تضيق عليه، بشأن توجيه ثلاث لوائح اتهام ضدّه لمحاكمته بالفساد، بناء على تحقيقات وتوصيات الشرطة والنيابة العامة. وهي تهم متعلقة بتلقي رشى، وبالغش، وبخرق الثقة. فبعد الدعوة للانتخابات، يصعب على المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت توجيه الاتهامات لنتنياهو، حتى لا تكون تلك الاتهامات لاعباً رئيسياً في الحملة الانتخابية للقوى السياسية. ولذلك، فإن الأوساط المحيطة بمندلبليت تقول إنه سيجمد المداولات بشأن اتخاذ إجراءات بحق نتنياهو. ومع ذلك، فهناك دعوات لمندلبليت المتردد لأن يحسم أمره، حتى يتمكن الناس من اتخاذ خياراتهم السياسية، وهم على بَيِّنة من أمرهم.
من ناحية ثانية، فإن الدعوة لانتخابات قد تدفع لمزيد من تأجيل الإعلان عن خطة السلام الأمريكية الموعودة، المعروفة بـ"صفقة القرن". إذ إن نتنياهو لا يرغب بدفع الاستحقاقات المترتبة على الطرف الإسرائيلي، خصوصاً في ضوء تحالفاته اليمينية الاستيطانية المتطرفة المستعدة لإسقاط الحكومة، حتى ولو توفرت "أفضل الصفقات" المحتملة للتسوية.
ومن جهة ثالثة، فقد شكلت الدعوة للانتخابات هروباً من تفكك محتمل في تحالف نتنياهو الحاكم، نتيجة الخلاف حول قانون الشباب المتدينين في الجيش الإسرائيلي؛ والتنازع الحاصل بين شقي تحالف يهدوت هتوراه حوله؛، إذ يهدد أحد الطرفين بالانسحاب من الحكومة إذا ما سارت الحكومة باتجاه إقراره، بينما يهدد الطرف الآخر بالانسحاب منها إذا لم توافق على إقراره.
لا يخشى نتنياهو من الانتخابات المبكرة، فهي -على ما يبدو- ستوفر له فرصة إعادة تموضع سياسي أفضل. فما زالت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تعطي حزبه الليكود المرتبة الأولى، وبفارق كبير عن باقي الأحزاب الإسرائيلية. إذ تتوقع الاستطلاعات فوز حزبه بنحو ثلاثين مقعداً؛ أما منافسه الأول في الانتخابات السابقة "المعسكر الصهيوني" فتتوقع الاستطلاعات هبوطاً دراماتيكياً له من 24 مقعداً إلى 9 مقاعد، بينما سيفقد منافسه الثاني يش عتيد (هناك مستقبل) ثلث مقاعده (من 18 مقعداً إلى 12 مقعداً). أما الحزب الجديد الذي ينوي تشكيله وزير الجيش السابق موشيه يعلون، بالتحالف مع رئيس الأركان السابق بني جانتس، فيتوقع له أن يحصل على 14 مقعداً. وستراوح باقي الأحزاب غير بعيد عن مواقعها السابقة.
وبشكل عام، فما زال الاتجاه العام للمجتمع الصهيوني يميل نحو التطرف اليميني والديني، وهو ما يتوافق مع خط الليكود. وهذا سيسهل على نتنياهو تشكيل الحكومة القادمة بأغلبية 63 مقعداً تقريباً، بالتحالف مع القوى والأحزاب اليمينية والدينية.
ويدخل نتنياهو هذه الانتخابات دونما منافس حقيقي على الزعامة الإسرائيلية، ولعله يدخلها كذلك مرشحاً وحيداً لرئاسة الوزارة، مما يؤهله لتشكيل الحكومة القادمة دون عوائق حقيقية.
كما يدخل نتنياهو هذه الانتخابات، وقد تمكن خلال السنوات الماضية من توسيع القاعدة السياسية والاجتماعية لتيارات اليمين، وأحدث تغييراً في النخب الصهيونية تخدم هذه التيارات، وهيمن على الأوساط الثقافية والأكاديمية، وتحولت الأوساط الإعلامية إلى مزيد من اليمينية والتطرف. كما أن اليسار الصهيوني يشهد حالة تفتت وتحلّل غير مسبوقة؛ بل إن اليسار نفسه أخذ شكلاً "يمينياً" على "يسار اليمين"!!
ستفرز الانتخابات خريطة سياسية جديدة، تعطي أوزاناً جديدة للقوى الحزبية، وهو ما سيمكن نتنياهو من تحديث تشكيلته الوزارية، وكبح خصومه السياسيين، وقصقصة أجنحتهم، خصوصاً إذا ما تمكن من استيعاب اللاعبين الجدد (جانتس ويعلون). وبذلك يحصل نتنياهو على فرصة خامسة لتشكيل الوزارة، مما يجعله أحد أطول القابعين في منصب رئاسة الوزارة في تاريخ الكيان الصهيوني.