في مثل هذا اليوم الموافق 22 - 1 تمر علينا ذكرى عملية بيت ليد المزدوجة التي هزت أركان الكيان الصهيوني سواء من حيث دقة التنفيذ أو في حجم الخسائر، وما زالت الذاكرة تسكن تفاصيل تلك العملية المنظمة والدقيقة والأقوى في تاريخ المقاومة الفلسطينية حتى وقتنا الراهن .
فلم تكن خسائر العدو الصهيوني في هذه العملية 22 جندياً وضابطاً وإصابة أكثر من 60 آخرين بل تعدتها إلى قدرة الاستشهاديين صلاح شاكر من مخيم رفح وأنور سكر من حي الشجاعية على تخطي كافة حواجز الصهاينة المحكمة والنزول في موقف خاص بالجنود ليكبذا نظرية الأمن الصهيونية ويسقطاها بشظايا جسديهما الطاهران .
وكانت عملية بيت ليد أول عملية استشهادية فلسطينية مزدوجة ينفذها الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، فقد ترجل الثنائي المزدوج، "أنور سكر" و "صلاح شاكر"، بملابس جيش الاحتلال أمام مفترق بيت ليد قرب مدينة أم خالد المحتلة، والتي يطلق عليها الاحتلال باسم "نتانيا"، ليتقدم أنور سكر ويفجر نفسه وسط تجمع الجنود الصهاينة، وما هي إلا دقائق حتى فاجئ الاستشهادي صلاح شاكر الجنود بانفجار ثان، لتتوالي بعد ذلك أرقام القتلى والجرحى.
لقد شكلت عملية بيت ليد البطولية فارقاً خطيراً لدى الكيان الصهيوني، باعتبارها تطوراً نوعياً كبير يهدد أمن الكيان، وتأتي في صدارة العمليات المشرفة والنوعية للمقاومة الفلسطينية ضد جنود الاحتلال .
ومثلت بيت ليد نموذجاً حياً وصريحاً لفكر الشقاقي وحركة الجهاد الإسلامي التي ربطت بين فلسطين والإسلام والجهاد، ومقارعة الاحتلال بكافة أشكال المقاومة المتاحة بداية من الحجر ومروراً بالسكين وليس انتهاءً بالقنابل والأحزمة الناسفة والعبوات والصواريخ.
تفاصيل العملية
يوضح القيادي في حركة الجهاد الإسلامي ياسر صالح أن الضوء الأخضر منح للعملية بعد انتهاء عمليات رصد وتدقيق للهدف المحدد ورفع كافة البيانات التي يحتاجها المشرفين على تنفيذ العملية لضمان نجاحها.
وقال صالح:" تم انتقاء الاستشهاديين المكلفين بتنفيذ العملية وتلقيا التدريبات اللازمة، فيما تولى الشهيد القائد محمود الزطمة مسئولية تصنيع الأحزمة اللازمة لتنفيذ العملية".
وتابع:" لم تكن هذه العملية الوحيدة التي حملت بصمات الشهيد محمود الزطمة على الأحزمة والعبوات الناسفة فقد سبقها بتجهيز سيارة مفخخة للاستشهادي أنور عزيز بتاريخ 13/12/1993، وحقيبة متفجرة للاستشهادي هشام حمد في نتساريم بتاريخ 11/11/1994 رداً على اغتيال القائد هاني عابد" .
وبين أنه وبعد الانتهاء من إعداد المتفجرات وتدريب الاستشهاديين على طبيعة المهمة تولى الأسير المجاهد عبد الحليم البلبيسي مسئولية تأمين وصول الاستشهاديين للهدف ونجح بذلك في تخطي الحواجز الصهيونية في منطقة وقوع العملية، لافتا إلى أن الاحتلال حكم على الأسير البلبيسي بالسجن مدى الحياة بتهمة نقل الاستشهاديين لتنفيذ عملية بيت ليد.
وواصل صالح سرد تفاصيل العملية البطولية قائلا: " بعد وصول صلاح شاكر وأنور سكر للمكان يرتديان زي مطابق للجنود , ترجل الاستشهادي الأول سكر عن استراحة الجنود على المفترق ليمزق أجسادهم العفنة بشظايا جسده وعبوته، وبعد 3 دقائق ترجل الاستشهادي الثاني شاكر ليفجر نفسه بحشود الجنود التي هرعت مذعورة خارج المبنى المحصن لتفقد مكان العملية".
دقة التنفيذ
وأضاف صالح :" العملية كانت منظمة جدا وتم أخذ كافة الاحتياطات لضمان نجاحها، وكونها عملية مزدوجة فهي تحتاج لثبات وقوة القلب النابع من قوة العقيدة ، فصلاح شاكر انتظر الشهادة وأقدم عليها بعد دقائق من رفيقه أنور سكر".
وكانت حصيلة العملية حسب اعترافات العدو حينها مقتل 22 جندياً صهيونياً وإصابة أكثر من 60 آخرين بجراح متفاوتة.
حصاد الرجال
وأوضح أنه شارك في تجهيز العملية مجموعة من الشهداء القادة وهم : الشهيد القائد محمود الخواجا الذي كان قائد قسم حينها وأقدم عملاء الاحتلال على تصفيته بمخيم الشاطئ عام 1995م ليكون أول الشهداء المسؤولين عن عملية بيت ليد الذين تعرضوا للاغتيال.
وأكمل: "تبعه الشهيد المؤسس فتحي الشقاقي الذي اغتيل في منفاه بمالطا على يد الموساد عام 1995م، وكان قد تبنى العملية في نفس يوم تنفيذها وباركها وهو ما دفع رئيس حكومة الاحتلال حينها لإطلاق جملة من التهديدات والوعيد للشقاقي الذي رد عليه بأنه عاش أكثر مما كان يتوقع وأنه ينتظر الشهادة" .
وكذلك الشهيدان أيمن الرزاينة وعمار الأعرج , اللذان قامت مجموعة مأجورة من السلطة الفلسطينية باغتيالهما بتاريخ 14 رمضان الموافق 3/2/1996 قبيل الإفطار في معسكر الشاطئ".
وتأخر اغتيال الشهيد المهندس محمود الزطمة نظراً لاعتقاله لدى أجهزة السلطة لتقدم طائرات الاحتلال على اغتياله بتاريخ العاشر من أبريل للعام 2003م أثناء قيادته لسيارة في شارع فلسطين بحي الشيخ رضوان .
هذا ولا زالت قوات الاحتلال الصهيوني تحتجز جثماني الشهيدين أنور سكر وصلاح شاكر ضاربة عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية في هذا السياق .