منذ جاءت حكومة بينت على أنقاض حكومة نتنياهو، تلك الحكومة التي لم تحظ سوى على تأييد 61 صوتاً متكئة على أصوات القائمة العربية الموحدة....تلك القائمة التي بدت منسجمة في مواقفها وسياساتها مع موقف الأحزاب اليمينية الصهيونية في هذه الحكومة، فيما يتعلق بحقوق شعبنا،فهذه القائمة ترى بإسرائيل دولة يهودية وجدت ولتبقى ولتقف أيضاً الى جانب قانون أساس القومية اليهودية،وترفض توجيه الإنتقادات والإتهامات للمستوطنين على ممارساتهم الإجرامية بحق شعبنا الفلسطيني،ودعمت قانون تشديد القمع بحق أسرى شعبنا ...وعلى الجبهة الأخرى وجدنا بأن دول النظام الرسمي العربي،حلف " ابراهام" التطبيعي أوغلت في علاقاتها التطبيعية مع دولة الإحتلال منتقلة من " الإندلاق" التطبيعي نحو رسم ونسج واقامة التحالفات الأمنية والعسكرية والإستراتيجية مع دولة الإحتلال،وصولاً الى عقد المعاهدات الدفاعية معها،كما حصل مع النظام المغربي.واذا ما أضفنا إلى ذلك العامل الفلسطيني الرسمي والسلطوي المنقسم على ذاته والمتشظي،وبما يسهم في تعميق ضعف العامل الذاتي الفلسطيني ...ندرك ونفهم لماذا يقوم المحتل مستغلاً كل هذه الظروف والأوضاع في تشديد حربه على القدس والمقدسيين،حرب تطال البشر والحجر والشجر...فالمحتل لتهويد المدينة وأسرلة سكانها يتبع ثلاث استراتيجيات ويربطها بالفكر التلمودي التوراتي، السيطرة على ما فوق الأرض عبر تكثيف الإستيطان في قلب الأحياء والبلدات العربية المقدسية،متبعاً بذلك مخططات التطويق،إحاطة المدينة في الأطراف بكتل إستيطانية وجدران فصل عنصري تفصلها عن محيطها الجغرافي والديمغرافي الفلسطيني،ومن ثم الإختراق،بإقامة المستوطنات والبؤر الإستيطانية، التي تمنع التواصل الجغرافي والديمغرافي بين البلدات المقدسية الواقعة داخل جدار الفصل العنصري،والخاضعة لسيطرة بلدية الإحتلال المقدسية،ما يطلق عليه اسم (قدس 1)،اثنان وعشرين بلدة مقدسية داخل جدار الفصل العنصري،فعلى سبيل المثال لا الحصر تقام المستوطنات لكي تمنع التواصل الجغرافي بين القرى والبلدات المقدسية،مستوطنة تفصل جبل المكبر عن صورباهر، ومستوطنة تفصل سلوان عن الثوري ومستوطنة تفصل الطور عن العيسوية وأخرى تفصل شعفاط عن بينت جنينا وهكذا، والهدف ليس فقط من أجل الحد من التواصل الجغرافيا بين تلك القرى والبلدات والحد من نموها الديمغرافي،بل من أجل تحويلها الى وحدات اجتماعية منفصلة،تهتم بشؤونها وهمومها الخاصة،ولا تلتفت للهم الوطني العام،بما يضعف من مناعتها ووحدتها الداخلية.
المحتل لم يكتف بالتطويق والإختراق،بل عمل على تطبيق مخطط التفتيت بحق القرى والبلدات المقدسية،بحيث تقام البؤر الإستيطانية في قلب الأحياء العربية،على سبيل المثال لا الحصر مستوطنة " نوف تسيون" في قلب بلدة جبل المكبر،مستوطنة "معاليه هزيتيم" في قلب حي رأس العامود" ،مستوطنة " ريخس شعفاط" في قلب شعفاط،ومستوطنة "جفعات هشاكيد" في قلب بلدة بيت صفافاوهكذا،والهدف هنا تحويل القرى والبلدات المقدسية الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع،والإستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي التابعة لها،والحد من نموها ديمغرافياً وتوسعها جغرافياً.
وهذه الإستراتيجية لا تقوم فقط على تكثيف الإستيطان،بل يسير الى جانبها السيطرة على الممتلكات والعقارات والأراضي الفلسطينية،وبالتحديد في البلدة القديمة من مدينة القدس،والتي يوجد فيها اليوم أكثر من 75 بؤرة استيطانية،وبلدة سلوان التي يوجد فيها 82 بؤرة استيطانية،وهذه البؤر الإستيطانية،أقيمت من خلال عدة طرق واساليب منها الخداع والتضليل وتزوير اوراق ومستندات الملكية،وكذلك ضمن ما يعرف بالجيل الثالث،أو أملاك الغائبين،وأيضاً هناك من هم تجردوا من قيمهم الوطنية والدينية والأخلاقية،وعملوا على تسريب تلك العقارات والمنازل للجمعيات الإستيطانية "العاد" و"عطروت كهونيم" مقابل المال..وغيرها.
أما الإستراتيجية الثانية،فتقوم على السيطرة على ما تحت الأرض،بإقامة مدن يهودية أسفل البلدة القديمة،وحفر الأنفاق أسفل وحول المسجد الأقصى،هناك أكثر من 78 نفق أسفل وحول الأقصى،وكذلك تم احاطته بالكنس والأبنية التلمودية والتوراتية،ومنها ما يسمى بكنيس " فخر اسرائيل" أكبر كنيس يهودي، مكون من ست طبقات ،اربع منها فوق الأرض واثنتان تحت الأرض،والهدف من ذلك تهويد المشهد المقدسي،لكي يبدو مشهد يهودي تلمودي توراتي مصطنع،بدل المشهد العربي الإسلامي – المسيحي الأصيل،وبالقدر الذي يستهدف فيه الأقصى والبلدة القديمة، تستهدف بلدة سلوان،التي يجري التركيز عليها في التهويد، لأنها مرتبطة بالفكر التلمودي التوراتي باسم النبي داود،ويطلقون عليها اسم مدينة داود.وهناك العديد من الأنفاق التي جرى حفرها أسفل بلدة سلوان،لكي تصل ما بين تلك الأنفاق مع الأنفاق الموجودة أسفل المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
في حين تقوم الإستراتيجية الصهيونية الثالثة لتهويد المدينة بالسيطرة على الفضاء المقدسي، من خلال ما يسمى بالقطار الطائر "التلفريك" المكون من 73 عربة،ستجلب أكثر من 3000 سائح ومستوطن في الساعة الواحدة من اجل الزيارة والصلاة في حائط البراق" المبكى" ،وهذا القطار الطائر،سيمر فوق البلدة القديمة،ويلعب دور كبير في تشويه المنظر والفضاء للمدينة،وكذلك سيسهم في "قتل " الحركتين التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة وسيربط ذلك البؤرة الإستيطانية المقامة في بلدة الطور مع البؤر الإستيطانية في سلوان والبلدة القديمة من القدس،ولغرض تشغيل هذا القطار جرى مصادرة جزء من مقبرة باب الرحمة،من أجل حفر قواعد خرسانية عميقة لثلاثة عشر عمود من الباطون المسلح يرتفع كل منها ستة وعشرين متراً،وبما يجعلها أعلى من سور القدس،وتطل وتراقب ما يجري في داخل ساحات المسجد الأقصى من تحركات وتجمعات وصلوات وأية عمليات ترميم أو إعمار.
في إطار تغيير الواقعين الجغرافي والديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين،ولتغيير مشهدها الكلي ،عمدت دولة الإحتلال ليس فقط استهداف البشر،عبر سياسات الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي، بل كان هناك استهداف للحجر،بحيث بلغ عدد المنازل المقدسية التي جرى هدمها منذ بداية الإحتلال بأكثر من 5000 منزل،وهناك أكثر من 22000 منزل مقدسي مهددة بالهدم،تحت حجج وذرائع البناء غير المرخص،ومنذ تولي بينت للحكم شهدنا " تسونامي" في عمليات هدم المنازل المقدسية،فخلال هذا العام شهدنا هدم 160 منزل مقدسي،وعمليات الهدم سابقاً كانت فردية ومتباعدة،ولكن أضحت تلك العمليات متسارعة،وانتقلت من الهدم الفردي الى الهدم الجماعي،والإحتلال حتى يخفف من وطأة الإدانات الدولية لجرائمة والإستنكارات لتلك الجرائم،لما يقوم به من هدم لمنازل المقدسيين،لجأ الى إجبار المقدسيين على هدم بيوتهم بأيدهم،تحت طائلة التهديد بتحميلهم تكاليف عمليات الهدم لجرافات و"بلدوزرات" الإحتلال التي تأتي ل"غرس" أنيابها في جدران وأساسات بيوت المقدسيين،وكذلك تكلفة القوات من الشرطة وحرس الحدود التي ترافق عمليات الهدم،وعادة تكاليف عمليات الهدم تتراوح بين 40 – 60 ألف دولار، وعلى سبيل المثال عائلات نصار السبعة في منطقة وادي قدوم في سلوان،أجبرت على هدم منازلها بأيدها،وشرد 70 فرد من أفرادها،وكذلك فعلت عائلات برقان وجعابيص والرجبي والحليسي في رأس العامود والمكبر وبيت حنينا وسلوان،في حين رفض المواطن عطا جعافرة من جبل المكبر هدم منزله بيديه،وهدم بواسطة جرافات وبلدوزرات الإحتلال،وعمليات الهدم الذاتي،الهدف منها إخفاء الصورة الحقيقية لدولة الإحتلال،كدولة عنصرية،وكذلك اخفاء المناظر البشعة لجرائمة المرافقة لعمليات الهدم،وخاصة للأطفال الذين يلتحفون السماء ويفترشون الأرض،ويقفون على أطلال منازلهم،يبحثون بين أنقاضها على بقايا ألعابهم وكتبهم ودفاترهم،وكذلك هذه الطريقة الهدف منها أيضاً كسر إرادة المقدسيين وتحطيم معنوياتهم وإذلالهم،ومن يقومون بهدم منازلهم بأيدهم،هم مجبرين قسرياً على ذلك فهم عدا الخسائر الناتجة عن هدم البيت،الذي ربما قضوا سنوات طويلة في العمل او بيع حلي ومجوهرات زوجاتهم أو الحصول على القروض من البنوك بفوائد عالية،من أجل بناءه لكي يأويهم ويأوي اطفالهم،يجدون كل أحلامهم تضيع أمام أعينهم برمشة عين،وسيتحملون مصاريف اضافية لن يقووا على دفعها،وخاصة أنهم ربما يكونوا قد دفعوا مخالفات وغرامات بناء وأتعاب محامين ومهندسين بمبالغ تصل الى 50 الف دولار.
سياسات الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي
مشروع تسوية وتسجيل الأملاك والأراضي في القسم الشرقي من المدينة، الذي تزعمته وزيرة الداخلية اليمينية المتطرفة اياليت شاكيد في 18/أذار / 2018،والتي كانت في تلك الفترة وزيرة ل" العدل" الإسرائيلي ،فنحن ندرك الآن بأن هذا المشروع التهويدي بإمتياز واختيار الأحياء والقرى العربية المقدسية التي ستجري فيها تسوية وتسجيل الأملاك لم تكن اعتباطية أو عفوية،بل هناك جملة من الأهداف سعت تلك المتطرفة وحكومتها لتحقيقها من خلال القيام بهذه المشروع،فحكومة الإحتلال وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال"،يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الإحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين،أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة،او عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية.
الآن تتضح حقيقة هذا الإهداف،بإعلان ما يسمى بالوصى العام لوزارة القضاء الإسرائيلية،انه يدير 900 عقار في القسم الشرقي من المدينة،ويعمل بالتنسيق مع الجماعات الإستيطانية من أجل إقامة مشاريع استيطانية في خمسة بلدات مقدسية،حيث جرى نقل المسؤولية عن املاك الغائبين الى الوحدة الإقتصادية التي يتزعمها المستوطن المتطرف غورفنيكل ...هذه الأحياء الإستيطانية سيقام أولها في قرية بيت صفافا في منطقة خربة اللوز،على أرض مساحتها 38 دونم،تدعي وزارة القضاء الإسرائيلية،بأنها املاك ليهود ،هذه المستوطنة المسماة ب "جفعات شاكيد" تتكون من 473 وحدة استيطانية ورياض أطفال ومدرسة ابتدائية وكنس يهودية،وستحاصر قرية بيت صفافا وتمنع تمددها الجغرافي وتعزلها عن منطقة بيت لحم ..وكذلك ستعمل الجمعيات الإستيطانية على إقامة مستوطنة بين بيت صفافا وقرية صور باهر بالقرب من مستوطنة جبل ابو غنيم" هار حوماة"على ارض مساحتها 5دونمات وثلاثمائة متر،لم يتم العثور منها سوى على 3 دونم وثلاثمائة متر منها....بالإضافة الى إقامة بؤرة استيطانية في منطقة باب العامود،حيث هناك عشر عائلات يهودية تدعي بأن السكان العرب في تلك المنطقة يقيمون في هذه الأملاك،ويجب العمل على إخراجهم من تلك الأملاك،وفي بيت حنينا سيقام حي استيطاني على ارض مساحتها 6 دونمات بالقرب من معسكر لجيش الإحتلال،حيث يدعون بأن قطعة الأرض تلك هي أملاك يهودية ...والمشروع الأخطر يستهدف حي جورة النقاع "كبانية أم هارون" في القسم الغربي من الشيخ جراح،حيث تدعي الجمعيات الإستيطانية بأن الأرض والبيوت التي يعيش فيها الفلسطينيون أرض وأملاك يهودية،وسيعملون على إخلاء سكانها والسيطرة على الأرض والبيوت،حيث جرى الإستيلاء على بيتين في تلك المنطقة،وجرت قبل أكثر من عشرة أيام محاولة من قبل المستوطنين للسيطرة على بيت وقطعة الأرض التابعة لها التي تخص المواطنة فاطمة سالم،حيث وضعوا شبك حول قطعة الأرض ولم ينجحوا بالسيطرة على الأرض بسبب تصدي أصحاب البيت وسكان الحي للمستوطنين وطردهم،والسيدة فاطمة سالم تعيش في هذا البيت منذ 73 عاماً،وبات المستوطنين يسيطرون على 33 قطعة من أصل 58 قطعة في منطقة جورة النقاع "كبانية ام هارون".
يضاف الى هذه المشاريع الإستيطانية ،مشروع استيطاني مكون من برجين كل برج 30 طابق ستقام على أراض قرية الولجة جنوب مدينة القدس المصادرة لصالح مستوطنة "جيلو"،وهذه الشقق السكنية ستكون لخدمة الأزواج الشابة واستجلاب المزيد من المستوطنين الى مدينة القدس.
المشاريع الإستيطانية هذه تترافق مع مشاريع التطهير العرقي،حيث جرى الإستيلاء على قطعة أرض في المدخل الرئيسي لحي الشيخ جراح مساحتها 4700 متر،تحت حجج وذريعة المصادرة لإقامة حديقة عامة،وقد جرى تجريفها والغرض واضح استخدامها كموقف لحافلات وسيارات المستوطنين القادمين لزيارة ما يسمى بقبر الصديق شمعون،وهذا الإستيلاء والتجريف المترافق مع الإدعاء بقيام طفلة لعائلة حماد المهددة بالطرد والتهجير من حي الشيخ جراح بطعن مستوطنة،الهدف منه واضح الضغط على قضاة ما يسمى بمحكمة العدل العليا الإسرائيلية لإصدار قرار لصالح المستوطنين،بطرد واخلاء عائلات الشيح جراح،او اتخاذ العملية المزعومة من أجل الإستيلاء على بيت حماد كمقدمة للإستيلاء على بقية بيوت الحي.
ومشاريع الطرد والتهجير القسري والتطهير العرقي، لا تطال فقط عائلات جورة النقاع" كبانية أم هارون " ال 45 ولا عائلات "كرم الجاعوني " ال 28 عائلة،بل هي تطال أحياء سلوان الستة "بطن الهوى" و"البستان" و"عين اللوزة" و" وادي الحلوة" و"واد ياصول" و"واد الربابة"،ففي واد ياصول محكمة الإحتلال "العليا" أصدرت قرارها بهدم بيوت 58 عائلة فلسطينية هناك تحت ذريعة البناء غير " القانوني" والعمل على توسيع غابة السلام،والهدف واضح السيطرة على الحي وبقية الأحياء الأخرى من أجل تهويد بلدة سلوان وربط البؤر الإستيطانية مع بعضها البعض في بلدة سلوان وإقامة حدائق تلمودية ومسارات توراتية.
الأقصى ومخاطر التهويد والتقسيم
المشروع الإسرائيلي للسيطرة على المسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني بعد التقسيم الزماني وصولاً الى ما يعرف بإقامة الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد القبلي …يتقدم خطوة خطوة،في ظل حالة ضعف داخلي فلسطيني وتشظي وإنقسام،وحالة عربية مهرولة بشكل غير مسبوق نحو التطبيع مع دولة الإحتلال …موفرة الغطاء الكامل للمحتل لتنفيذ مشاريعه ومخططاته التهويدية بحق القدس والأقصى …فعلى طريق التقسيم المكاني للمسجد الأقصى …توسعت عمليات الإقتحام وزادت اعدادها بشكل كبير،ليس فقط في فترات الإقتحام الكبرى ما يعرف بذكرى “توحيد” القدس وخراب الهيكل وعيد الفصح والأعياد اليهودية الممتدة من رأس السنة الى يوم ” الغفران” فعيد ” العرش” اليهودي….بل شهدت عمليات الإقتحام تطور غير مسبوق، في الإقتحامات الكبيرة والواسعة في تلك الأعياد،في التحضير لما يسمى بتأسيس ” الهيكل المعنوي” …ومحاولة ادخال أدوات الطقوس الإحتفالية التلمودية والتوراتية النباتية من سعف النخيل واغصان الريحان والصفصاف الى ساحات المسجد الأقصى،ومن ثم القيام بعمليات ” النفح في البوق” أكثر من مرة في ساحات الأقصى واداء طقوس ما يسمى بالسجود الملحمي، إنبطاح المستوطنين على وجوههم،وهذا يعتبر في الفكر التلمودي التوراتي ،أعظم اشكال الطقوس التلمودية والتوراتية ..وترافق ذلك مع رفع علم دولة الإحتلال في ساحات الأقصى وترديد وإنشاد ما يسمى بالنشيد القومي اليهودي ” هتكفاه”…وكذلك القيام بإتمام مراسيم زواج في ساحات الأقصى وافعال لا اخلاقية فاضحة ..كل هذا كان يجري تمهيداً لإجراء كل طقوس العبادات المتعلقة بالهيكل في ساحات الأقصى على شكل صلوات تلمودية وتوراتية صامتة تمهيداً لأدائها بشكل علني مع توفر الظرف المناسب..العمل استمر على تغيير الوضع القانوني والديني والتاريخي للأقصى …وتجويف الوصاية الأردنية وتفريغها من محتواها على المسجد الأقصى وتحويلها الى وصاية شكلية،وكذلك تقليص صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية وسحب المسؤولية الإدارية منها بشكل تدريجي..واصحاب الوصاية والسلطة الفلسطينية والعرب والمسلمين،استمروا في نفس سياستهم العقيمة والبائسة،سياسة قائمة على الإنهزام والإنبطاح والتمسك بنفس اللغة ” الخشبية” من شجب واستنكار وندب وبكاء وتشكي أمام المؤسسات الدولية،التي لا تقيم لها اسرائيل وزناً ولا تعترف بقراراتها ….تطورت الأمور نحو سماح احدى قضاة محكمة الصلح الإسرائيلية “بيهلا يهالوم” بالسماح للحاخام الصهيوني المتطرف “أريه ليبو” وأتباعه بأداء طقوس الصلوات الصامتة في الأقصى،وهذا الحاخام العنصري ،هو أمين سر مجلس ” السنهدرين الجدد”، الذي شكلته مجموعة من الحاخامين من التيار القومي- الديني لإحياء ما يسمى بالهيكل المزعوم بدل المسجد الأقصى مع كامل طقوسه التلمودية والتوراتية.
الإستهداف للأقصى لم يتوقف ،بل الجماعات التلمودية والتوراتية تعمل ليل نهار من أجل تحقيق مخططاتها ومشاريعها للوصول الى هدفها في إقامة الهيكل المزعوم ….ولذلك نجد بان هناك مجموعة مشاريع تستهدف زيادة اعداد المقتحمين باعداد كبيرة جداً للأقصى ،عبر مشاريع القطار الطائر ” التلفريك” ،والذي سيمر فوق المسجد الأقصى،ومن خلال 73 عربه له،تقوم بجلب 3000 مصلي يهودي وزائر اجنبي كل ساعه الى حائط البراق …وصولاً الى اتخاذ لحنة التعليم في البرلمان الإسرائيلي ” الكنيست” يلزم المدارس الإسرائيلية بأن تشمل جولاتها التعليمية بشكل إلزامي المسجد الأقصى ” جبل الهيكل” وهذا يعني بأننا سنكون امام عشرات الآلاف من المقتحمين للمسجد الأقصى بشكل يومي….وهذا يعني أيضاً محاولة جادة لتغير الوضع القانوني والتاريخي والديني للأقصى،وبما يمكن الجماعات التلمودية والتوراتية،أن تجد لها موطىء قدم مكاني فيه،حيث مخططها يشمل السيطرة على كامل المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى والتي تعادل 1/3 مساحة المسجد الأقصى،حيث تسعى للسيطرة على مصلى باب الرحمة ،واقامة كنيس يهودي كبير فيه،وكذلك السيطرة على باب الرحمة وجزء من مقبرة باب الرحمة الذي جرى مصادرته ومنع الدفن فيه،من اجل اقامة حدائق تلمودية وتوراتية ،ومن ثم السيطرة على كامل المنطقة الجنوبية الغربية،القصور الأموية وحائط البراق،على أن يتم ربط ذلك بالبؤر الإستيطانية والأنفاق الموجودة في بلدة سلوان،82 بؤرة استيطانية ،وكذلك انفاق ممتدة من وادي حلوة الى الأنفاق الموجودة حول اسفل المسجد الأقصى.
نحن نرى بأن قرار لجنة التعليم في الكنيست جاء من أجل تعزيز وزيادة عدد المقتحمين اليهود للمسجد الأقصى المبارك ولترسيخ فكرة الهيكل المزعوم في العقول اليهودية الناشئة”.
وكذلك فإن ما تقوم به الجماعات اليهودية المتطرفة بدعم من الحكومة اليمينية المتطرفة بالمساس بأقدس مقدسات المسلمين المسجد الأقصى المبارك، بهدف إشعال المنطقة بحروب دينية لها أول وليست لها آخر وتتحمل حكومة “إسرائيل” كافة تبعاتها. ولعل الإجتماع الذي عقد بين وزير ما يسمى بالشؤون الدينية لدولة الإحتلال مع زعامات جماعات الهيكل ومطالبها لشرعنة تهويد الأقصى ..فتح المسجد الأقصى امام الجماعات المتطرفة طيلة شهر رمضان لكي يتسنى لهم الإحتفال بما يسمى بعيد الفصح في الأقصى …اغلاق الأقصى أمام المصلين المسلمين في فترة الأعياد اليهودية وزيادة فترة الإقتحامات المسائية…تعديل تعريف ما يسمى بالأماكن المقدسة لكي تشمل المسجد الأقصى باعتباره معبد ومعلم توراتي يهودي …زيادة عدد الأبواب التي يجري من خلالها الإقتحامات اليومية للأقصى.
هذا الإجتماع وتلك المطالب ،تبين حجم الإستهداف للأقصى،من تلك الجماعات التلمودية والتوراتية.
ان الخطر الكبير والجدي المحدق بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية،يتطلب أوسع التفاف شعبي وجماهيري حول المسجد الأقصى،وشد الرحال اليه من كافة المناطق التي يتمكن خلالها أبناء شعبنا من الوصول اليه ..وكذلك ف الأردن صاحب الوصاية على الأقصى مطالب بإتخاذ مواقف عملية تغادر خانة بيانات الشجب والإستنكار والشكاوي الى المؤسسات الدولية، ولديه اوراق ضاغطة في هذا الجانب سياسية واقتصادية ودبلوماسية ،ويستطيع ان يُفعل تلك الأوراق من خلال طرد سفير دولة الإحتلال من الأردن وسحب السفير الأردني من تل أبيب ومراجعة اتفاقية وادي عربه،والغاء اتفاقية الغاز وغيرها،وكذلك المؤسسات العربية والإسلامية من جامعة دول عربية ودول منظمة التعاون الإسلامي، ،يجب أن يكون لها دور في حماية الأقصى من خطر التهويد والتقسيم المكاني ،ولم يعد مقبولاً الركون الى القنوات الدبلوماسية واللقاءات الرسمية مع قادة دولة الإحتلال،فما أن يجف حبر تلك اللقاءات،حتي يبادر قادة دولة الإحتلال الى خرق التزاماتهم وتعهداتهم للملك الأردني عبد الله الثاني وحكومته بعدم تغيير الأوضاع القانونية والدينية والتاريخية للمسجد الأقصى.
قرار لجنة التعليم في الكنيست الصهيوني على درجة عالية من الخطورة ،وينذر بتطورات غير مسبوقة على صعيد تحويل وجر المنطقة الى صراع ديني غير مسبوق.
تجار البلدة القديمة من القدس بحاجة لخطة طوارىء إنقاذية
من الواضح بان الأوضاع والظروف الصعبة التي تعيشها البلدة القديمة من القدس بفعل اجراءات وممارسات الاحتلال الأمنية والشرطية وعمليات الإغلاق وتقييد الحركة والحواجز الأمنية والشرطية الثابتة والمتحركة شلت الى حد كبير الحركتين التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة من القدس...ولكن رغم كل ذلك كان التاجر المقدسي يقاوم ويصمد ويحافظ على وجوده ورباطه، ويشكل شوكة في حلق المستوطنين والإحتلال، الساعين لتهويد البلدة القديمة، والتي تشكل بوجودها البشري والتجاري والسياحي والإقتصادي والديني حاجز الصد الأمامي أمام المحاولات الصهيونية الرامية الى تغيير الأوضاع الدينية والقانونية والتاريخية للمسجد الأقصى والسعي لتقسيمه مكانياً، تمهيداً لتنفيذ مخطط اقامة الهيكل المزعوم ....ولكن هذا الصمود وهذا الوجود تعاظمت المخاطر عليه بفعل انتشار جائحة " كورونا"،منذ آذار عام/2020،ودخول دولة الإحتلال في ثلاث عمليات اغلاق خلال عام واحد، تلك الجائحة التي دمرت الحركة التجارية والإقتصادية بشكل كلي، وقد اضطرت الكثير من التجار الى إغلاق محالهم التجارية، أو التي منعت من العمل بفعل تلك الجائحة للخروج والبحث عن مصدر رزق لهم، وهذا راكم الكثير من الديون والأعباء المالية على التجار، لكونهم لا توجد لهم جهة راعية او حاضنة، تعمل على تعويضهم عن خسائرهم والأضرار التي لحقت بهم....ولعل القطاع الأكثر تضرراً من غيره في هذا الجانب هو قطاع التحف الشرقية " السنتوارية"،المرتبطة والمعتمدة أعمالهم على الحركة السياحية والمعطلة حتى اللحظة الراهنة.
هؤلاء التجار والعاملين في هذا المجال، يضاف لهم العاملين في المطاعم والمقاهي السياحية يتجاوز عددهم ال 400 تاجر ومستفيد، يتركز اغلبهم في منطقة باب الخليل والباب الجديد وسوق الدباغة.
من يدخل الى البلدة القديمة من القدس ويصل الى سوق الدباغة وباب الخليل، ويتطلع ويتفرس في وجوه اصحاب المحلات التجارية، الذين يأتون فقط من أجل تهوية محلاتهم والاطمئنان عليها ،وجزء منهم يتسلى بلعب ورق الشدة او احجار النرد.. لفترة لا تزيد عن ساعة او ساعتين ومن ثم يقفلون محلاتهم التجارية...ولا يعرفون متى ستنتهى معاناتهم،والى متى سيكونوا قادرين على الصمود والبقاء، فهم بالكاد يتدبرون امورهم الحياتية في الأوضاع الطبيعية، فكيف سيصبح الوضع مع استمر الإغلاق وعدم وجود آفاق قريبة لعودة الحركة السياحية ???.....
ما العمل وما هي المخارج..؟؟
نحن ندرك بأن قضية انعاش الحركة التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة وتعزيز الصمود فيها للتجار والمواطنين وبالذات تجار التحف الشرقية " السنتوارية "، خشب ،خزف، مصدفات ومطرزات وأشغال يدوية والمطاعم والمقاهي المرتبطة بها، اكبر من قضية توزيع طرد غذائي او صحي أو دفع مبلغ مالي 3000 دولار لمرة واحدة،وحتى هذا المبلغ لم تف به السلطة،فما زال عدد منهم ،469 لم يستكمل دفع المبلغ لهم، ونحن ندرك بأن هذه القضية اكبر من قدرات وإمكانيات الغرفة التجارية ومؤسسات السلطة الرسمية ووزارتها المرتبط عملها بالقدس ......ولذلك هي تحتاج الى خطة انعاش بالمعنى الشمولي تشارك فيها الغرفة التجارية والمرجعيات والوزارات ذات الشأن والعلاقة بالقدس ومنظمة التحرير......ومسألة الحفاظ على هوية المدينة وعروبتها واسلاميتها،وبالذات البلدة القديمة منها، والتي هي محط أنظار واطماع دولة الإحتلال والجمعيات التلمودية والتوراتية،تلك الجماعات في ظل حالة الإغلاق لتلك المحلات في فترة إنتشار جائحة " كورونا"...أصبحت تؤدي شعائرها وطقوسها وصلواتها التلمودية والتوراتية في منطقة سوق الدباغة...حيث مخاطر التهويد والضياع تتهدده.
نحن لا نريد لتجارنا في البلدة القديمة أن يتحولوا الى متسولين وشحادين...وبالمقابل لا نريد ان نستمر في حالة البكاء والتشكي والتذمر، فلا بد من وضع خطط عملية وآليات تنفيذية....تمكن من بقائهم وتعزيز صمودهم....ولذلك لا بد من مطالبة السلطة الفلسطينية والحكومة الأردنية من دعوة المؤسسات العربية والإسلامية من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والصناديق واللجان العربية والإسلامية المشكلة باسم القدس، لكي تتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على الوجود العربي الفلسطيني المقدسي في قلب البلدة القديمة، والتي تستهدفها المشاريع الإسرائيلية التهويدية بالضم والتهويد، فالقدس التي يتغنى بها الجميع،ويقولوا بأنه لا يمكن التخلي عنها،والتي تعقد المؤتمرات والندوات باسمها، وكذلك تجمع التبرعات والمساعدات باسمها ولصالحها،وتخرج المظاهرات والمسيرات نصرة لأهلها،والمخصص يوم لنصرتها إستناداً للدعوة التي اطلقها الإمام الراحل الكبير آية الله خميني بجعل الجمعة الأخيرة من كل شهر رمضان، جمعة لنصرة اهل القدس،وهذا الشعار الذي رفعه الخميني، يجب ان يترجم الى فعل على أرض الواقع، والقدس يجب أن تبقى فوق التجاذبات والخلافات السياسية والمذهبية، فالقدس يفترض أن توحد لا ان تفرق، ومن يريد ان يعمل لصالح القدس واهلها بعيداً عن لغة المصالح ،يجب أن يرحب به،ولذلك أرى من الهام والضروري بأن توضع خطة إنعاش للبلدة القديمة على المستوى الداخلي بتكثيف الزيارات والسياحة الداخلية اليها، ضمن برامج وخطط يجري تنسيقها مع شعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني،بحيث من يأتي من أجل الصلاة او زيارة الأماكن الدينية أو التسوق، يكون ضمن برنامجه زيارة الأسواق المهددة بالإغلاق في البلدة القديمة والشراء من تجارها ،ولو على صعيد ضريبة تعزيز صمود سواء كان بحاجة او لم يكن.
أما على الصعيد العربي والإسلامي،فالخطط والبرامج لدعم المقدسيين وتعزيز صمودهم،وبالذات تجار البلدة القديمة منهم،سواء لجهة تسويق وبيع منتوجاتهم في تلك البلدان،من خلال معارض أو أسواق داعمة تقام لذلك،او عبر الشراء الألكتروني ومن خلال مواقع خاصة تنشىء لهذا الغرض،أو تبني دعم مشاريع محددة لهؤلاء التجار،بالعمل على إحياء حرف مهددة بالإنقراض مثل النحاس،الفخار،الأدوات التراثية والمطرزات وغيرها،فإنه لا بد بشكل عاجل وملح أن تكون خطة إنقاذ وطوارىء، لجميع تجار البلدة القديمة،والذين لا يتجاوز عددهم 1400 تاجر،ولكن تكون الأولوية لتجار الحرف المرتبطة بالتحف الشرقية " السنتوارية" وما يرتبط بها من مطاعم ومقاهي وخدمات سياحية،بحيث يخصص للإربعمائة تاجر مبلغ مالي الف (1000 ) دولار شهري لمدة من 3 – 6 شهور،تتبناه دولة عربية او إسلامية،على سبيل المثال شهر السعودية وشهر قطر وشهر الكويت وشهر الإمارات وشهر ايران وشهر ماليزيا وشهر تركيا واخر اندونسيا...الخ. ومن بعد ذلك يصار بقرار عربي – إسلامي وضمن ما يسمى بدول منظمة التعاون الإسلامي، بتخصيص مبلغ شهري ل 1400 تاجر في البلدة القديمة 500 دولار أمريكي كتعزيز للصمود والوجود في البلدة القديمة.
ما نحتاجه في القدس وبالذات البلدة القديمة منها،لكي نعزز من وجودنا وصمودنا والبقاء في قدسنا وعلى أرضنا،وعدم تسارع عمليات التهويد وتسرب المحلات التجارية،او إغلاقها وهجرها، الى مسكوفيتش عربي او فلسطيني او إسلامي واحد،فمسكوفيتش الصهيوني يضخ أكثر من مليار دولار سنوياً لتعزيز الإستيطان في القدس والسيطرة على أراضيها وممتلكاتها،وأمة تقول أنها تزيد عن مليار ونصف مليار،ألا يوجد فيها مسكوفيتش واحد ،ينقذ مسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وقبلة المسلمين الأولى من مخاطر التهويد والضياع..؟؟.