الراية الأسبوعية:
دول الاستعمار القديم، بريطانيا العظمى وفرنسا، بشكل اساسي، بنوا قواعد (مستعمرات) لهم من السكان المحليين في كل انحاء العالم تقريباً. ها هي الصين وذيلها تايوان، وها هي الهند وذيولها في باكستان وبنغلادش وكشمير كذيل مشتغل دائم كما تايوان ..
وفي المشرق العربي الاسلامي كان لمعاهدة سايس بيكو (وزراء خارجية الاستعماريتين اعلاه) الدور الناظم لتقسيم منطقتنا الى دول و "دويلات " اصطنع في داخلها قاعدة للاستعمار تنفيذاً لوعد بالفور اسمها " اسرائيل "، لا تنتمي للوطنيات او الاقطار الموجودة التي كانت تشكل الامبراطورية الاسلامية التي فككها الاستعمار نفسه وحولها الى اشلاء، تحت عنوان نشوء القوميات المحلية، "لأوربة" هذه المنطقة، لا لشيء، الا لتقسيم هذه الطاقة الجغرافية -حضارية -سياسية -اقتصادية -اجتماعية-قومية-نفسية -دينية .. بهدف استمرار السيطرة غير المباشرة عليها، بعد انتهاء الانتداب الاستعماري المباشر، من خلال تنصيب ادوات محلية عميلة لهذا الاستعمار نفسه.
وقد نجح الاستعمار حتى اليوم بتثبيت هذه المعادلة في معظم الدول المصطنعة الناشئة نتيجة لقرار الاستعماريتين اعلاه.
الا ان نتائج الحرب العالمية الاستعمارية الثانية انتجت دولة استعمارية عظمى جديدة ترث بريطانيا وفرنسا تحديداً بسبب عجزهما عن الاستمرار في دورهما التاريخي، ونعني الولايات المتحدة الامريكية. وقد قبلتا بريطانيا وفرنسا الشراكة بقيادة امريكا، ووافقتا على تحديد دورهما المساعد للرأس الاستعماري الجديد _ امريكا.
وكي لا نضيع بوصلة المقال، فلا نريد التطرق للدور السوفياتي وروسيا والصين اليوم، بصفتهما دول اعلنت عن نفسها دول تحرر على الاقل، ودول لا تريد استعمار دول اخرى، رغم بروز مصالحها الآنية على الارض، خاصة بعد اختفاء الاتحاد السوفياتي، ولحق بجمهورياته ما لحق بالإمبراطورية العثمانية، واصبحتا محاصرتين كما كل دول وشعوب العالم التي تناضل من اجل الانعتاق من الاستعمار المباشر وغير المباشر.
هناك ملاحظتان في هذا السياق نود تسجيلهما، الاولى ان الاستعمار الغربي والتروتسكيين اعتبروا الاتحاد السوفياتي دولة امبريالية بصفتها دولة " شمولية " وغير ديمقراطية، وهذا ما تحاول امريكا الصاقه للصين العظمى التي تنافس امريكا على اقتصاد العالم.
اما الثانية وتحديداً بعد اختفاء الاتحاد السوفياتي والانتصار عليه من قبل الاستعمار الرأسمالي ، بسبب البيروقراطية والطابور الخامس بداخله ، اعاد هذا الاستعمار الرأسمالي انتاج ذاته تحت عنوان جديد ، "النيوليبيرالية - العولمية والديمقراطية وحقوق الانسان" كنظرية منتصرة على المساواة والاشتراكية والشيوعية ، يجب تعميمها كدين للشعوب ، مرة اخرى محاولة " اوربة" العالم جزافاً ، كذرائع جديدة لديمومة هذا الاستعمار البشع ، تنفيذا لإحدى نتائج مؤتمرات مفكري الامبرياليتين في نهاية الفرن التاسع عشر الذي ناقش كيفية الحفاظ على ديمومة الامبريالية كنظرية ازلية "نيو ليبيرالية" للبشرية برمتها وتحويلها لدين الشعوب المادي حتى لو استخدم الديانات السماوية كأدوات تستقطب عامة الناس البسطاء ، خاصة في الشعوب المتخلفة - النامية التي لم يرفع يده الاستعمار عنها حتى يوماً واحداً وبتقلبات "موضوعية" مبتكرة ، الامر الذي يحصل حتى اليوم .
الامارات ودول الخليج نموذج المحميات الاستعمارية المؤثرة:
كانت الامارات وكل ما يسمى دول الخليج الممتدة على شواطئ عمان، تسمى "مشيخات" قبلية، تسيطر كل مشيخة على الارض الصحراوية التي تعيش عليها، حيث عزز الاستعمار البريطاني لدى كل مشيخة نزعة الاستقلالية عن "المشيخات" الاخرى بغية تثبيت نظرية التفتيت.
وقبل اكتشاف النفط تحت صحاري الرعاة، كان سكان المنطقة نقطة وصل بحري تجاري بين آسيا وافريقيا واوروبا عبر الطرق البحرية المعهودة، كانت المنطقة تموج بمراحل السلم والحرب لأسباب اقتصادية كونها معبر تجاري، سميت في بعض المراحل "مشيخات" القرصنة، نسبة للبحر.
مع اكتشاف النفط في اواخر ايام الاستعمار وما بعد ذلك، اكتست هذه المنطقة بأهمية خاصة، استثمر فيها الاستعمار الامريكي والبريطاني عسكرياً واقتصادياً كي لا تخرج هذه المنطقة من تحت سيطرته، تماماً كما كانت العراق وإيران كدول كبيرة نفطية. الا ان الاستيلاء على دول كبيرة لها تأثير اقليمي لا يتقارن مع دول صغيرة اصبحت غنية ومتطورة شكلاً تمتلك ارصدة مالية ببنوك العالم تصنف دولياً على انها من اقوى اقتصادات العالم، لا تستطيع حماية نفسها وممتلكاتها.
المكونات الاقتصادية للإمارات:
تأتي الامارات في المرتبة السابعة من حيث احتياطي النفط بالعالم وفي المرتبة 22 على مستوى الصرف في السوق وثاني اكبر دولة على مستوى الفرد في القوة الشرائية والمرتبة 40 على مستوى التنمية البشرية، وتصنف من البنك الدولي على انها ذات الدخل المرتفع والتطور الاقتصادي النامي ..
في الحقيقة ان من يدقق في هذه الارقام، يجد انه امام "امبراطورية" صغيرة او اقليمية، مسنودة من دولة اقليمية أكبر هي السعودية، وكلتاهما تعتبران محميات امريكية ومثلهما كل ما يسمى مجلس التعاون الخليجي، والامر يسري على كل دول الخليج بشكل او بآخر التي ترتهن اهميتها من عدمها بحسب كمية اموالها، خاصة وان القواعد الامريكية والغربية لا تبرح عن اي من هذه " الدول " المصطنعة. فوجودها مرهون فعلاً بحماية امريكا بقواعدها واساطيلها التي تملأ الشاطئ العماني الكبير، حيث تدخل "اسرائيل" على الخط بعد " سلام ابراهام " وتشارك في حرب "السايبر" وحرب البحار مع امريكا في مواجهة ايران تحت ذرية القنبلة النووية المزعومة، تماماً كما حصل في سيناريو القنبلة النووية المزعومة في العراق ..
ولا نجد ابلغ من ترامب الذي لم يكن دبلوماسياً في تعامله معهم عندما قال لهم " عندكم كثير من الاموال، ادفعوا ، فنحن نحميكم .. والا " !!
دولة مجسات الاستعمار:
تسعى الامارات لان تكون دولة مؤثرة على دول المنطقة وتتصرف كما لو كانت روسيا، تحارب الى جانب السعودية في اليمن مباشرة، بل وتنافسها على مناطق النفوذ، كذلك تتدخل عسكرياً في ليبيا وتشتري طائرات اف35، تتدخل في السودان مع البرهان ضد البشير الإخواني المدعوم قطرياً وتركياً .. تعقد " سلاماً ابراهيمياً" مع دولة الكيان الصهيوني، ترفقه باتفاقات عسكرية تعلن "اسرائيل" انها ستستغلها لضرب المرافق النووية الايرانية اذا ما اتخذ القرار، تنسج علاقات مع سوريا الجريحة والمحاصرة عربياً ودولياً، بعد ان كانت تدعم المجموعات الارهابية لتدميرها، وان بشكل اقل من قطر والسعودية، وتسعى لإقامة علاقات تنسيق مع ايران، وأردوغان تركيا يعلن عن عزمه على تحسين "العلاقات" معها ومع مصر .. واين لا، وفي آن واحد، انها مجسات عسكرية -سياسية مدروسة وموجهة!
فما نستغربه عن دور وسلوك روسيا في علاقاتها مع المتناقضات تحت مبرر انها دولة عظمى، تقوم به الامارات، التي تنافسها امارة قطر، بشكل مفهوم جداً لدى الحكومات التي تتعامل مع الامارات وقطر، ما لا يفهم كثيراً لدى عامة الناس!
فهل يعقل دور كهذا لاتحاد الامارات او "المشيخات" الست، ذات المليون ونصف مواطن موزعين على كل الامارات، يقطنها نحو 8.5 مليون عامل او مقيم لا يمنح المواطنة، من كل ارجاء العالم منهم 15.1% اوروبيين، 14.1 آخرون، منهم اسرائيليين وامريكان و2.2% صينيين، والباقي من الهنود والباكستانيين والاسيويين والعرب .. الخ
هل تهضم هذا القوة، دون ان إدراك انه دور يناط بها من قبل الدولة العظمى الراعية والحامية لها، امريكا و"الناتو"!
فهل الامارات سمسار له حصة، ام قاعدة سياسية كما قطر التي رأينا دورها في افغانستان وغزة وسوريا قبل ذلك ، اضافة لكونهما قواعد عسكرية ونفطية ، تنفذان السياسة الامريكية خلف الكواليس ، لتظهر امريكا عند قطف ثمار سياستها التي تتمظهر بالحدة ، وتمارس البراغماتية خلف الكواليس ، تماشياً مع قاعدتها المعلنة " انها لا تتوقف عن الحديث والتواصل حتى مع الاعداء " ، وتنفذ ذلك من خلال قواعدها او محمياتها المسماة دولاً صنعها الاستعمار نفسه ويستثمرها اشد استثمار ضد شعوبها وشعوب امتها العربية المغلوب على امرها عبر ادوات الاستعمار من الطبقات النفطية الحاكمة ، تماماً كما دولة الكيان الصهيوني في فلسطين .
فهل يتوقع أحد ان تتحول هذه "المشيخات"، القواعد الى دول ذات انياب سيادية، تعلن استقلالها عن مشغلها الامريكي! ام ان كل الدول المتحاربة والمتناقضة تدرك ما ندركه، وتحاول ان تستفيد من هذا السمسار سياسياً واقتصادياً، وتسعى لنهش حصة ولو ضئيلة من الفريسة المطروحة! ام انها تتحدث مع امريكا عبر حبل وصلها، الامارات، القواعد!
واخيراً، ماذا لو تمرد التسعة مليون عامل اجنبي وتوقفوا عن العمل، ماذا سيحصل لهذه الدولة المصطنعة حينذاك! وماذا لو نفذت إيران تهديدها إذا ما تآمرت عليها الامارات وساهمت بدورها مع "اسرائيل" لضربها! افلا تتدخل امريكا و"اسرائيل" لحمايتها! انه بيت القصيد، الذي يجعل الامارات ومثيلاتها تجرؤ على تبوء هذا الدور الاستعماري المرسوم !