معن بشور
لم يكن وعد بلفور البريطاني فريداً في تاريخ فلسطين المعاصر فقد سبقه وعد نابوليون حين غزا مصر في آواخر القرن الثامن عشر، ووعد " بالمرستون" رئيس وزراء بريطانيا في أربعينيات القرن التاسع بعد الخطر على المصالح الفربية الذي أحدثه نجاح محمد علي وأبنه إبراهيم باشا في الوصول الى هضبة الاناضول شمالاً، وجزيرة العرب شمال فتحدث بالمرستون عن ضرورة قيام حاجز بين مصر وبلاد الشام، وجاء مع وعد بلفور وعد سايكس – بيكو لتجزئة الأمة العربية خدمة للمشروع الصهيوني، كما جاءت بعده خيانات حكام عرب في حرب 1948.
واحلاف ومشاريع استعمارية تحمل كلها شيئاً من وعد بلفور وتسعى لتحقيقه وصولاً الى ما نراه اليوم من "وعود" الحروب والفتن في البلاد العربية يطلقها النظام الرسمي العربي، لا سيما بعض المهيمينن عليه، واتفاقات تطبيع وتحالف يعقده البعض مع الكيان الغاصب، وكلها تسعى لتحويل الوعد البريطاني الى حقيقة عربية شاملة تلغي كل مقاومة لها، وتدمر أي قطر يقف في وجهها...
لذلك ما زلنا نعيش عصر بلفور المتجدد في ما نشهده من حروب على مصر والعراق ولبنان وسورية والجزائر واليمن وليبيا والسودان وداخلها، وفيما نراه من تحالفات تعقد مع العدو باسم التطبيع وتسعى لإبقاء الوطن العربي كله في حال من عدم الاستقرار ...
لكن الجديد في الأعوام الأخيرة أن مقاومة وعد بلفور والوعود المماثلة المتجددة قد باتت اكثر صلابة وفعالية وقدرة من ما سبقها من مقاومات فلسطينية وعربية لم تتوقف اصلا منذ وعد بلفور، وبات الكيان الذي وعد به وزير خارجية بريطانيا أكثر هشاشة وأقرب الى الاندثار حسب كبار المحللين الصهاينة والأميركيين أنفسهم.
بين وعد بلفور وسايكس بيكو تناغم ليس في الزمن وحده (زمن الحرب العالمية الأولى) بل أيضاً في الهدف الذي هو تمزيق الأمة وتمكين اعدائها من السيطرة الدائمة عليها، لذلك فاذا كان الرد على وعد بلفور بالمقاومة الممتدة من فلسطين والى دول الطوق والجوار والعمق، فان الرد على سايكس – بيكو يكون بالوحدة، وحدة داخل الأقطار وبينها...
فالمقاومة تنتصر بالوحدة ... والوحدة تتحصن بالمقاومة... والمقاومة لا تكون قادرة على تحقيق أهدافها إلا بالوحدة، والوحدة لا يمكن تحقيقها إلا بالمقاومة بكل اشكالها وبوجه أعداء الأمة.