-كانت أيام رمضان المبارك وأيار/ مايو 2021 المنتصرة مرحلة فاصلة بين ما قبلها وما بعدها، في حرب الوجود طويلة الأمد، متعددة المراحل بين المشروع الصهيوني، وتجسّده في الكيان الصهيوني بعد اتفاقات الهدنة 1948/1949 من جهة، وبين شعب فلسطين؛ من اقتُلعوا من ديارهم داخلها وخارجها، ومن بقوا على أرضها تحت الكيان الصهيوني (فلسطينيو الـ48)، ومن بقوا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، من جهة أخرى.
وقد عرفت حرب الوجود هذه حروباً وحروباً، وكانت في أغلبها حتى نهاية القرن العشرين (من 1917) هزائم مؤقتة للكفاح الفلسطيني (المجرد من السلاح)، والجيوش العربية (المكبّلة المسيطر على تسلحها، ونواقص أخرى).
وقد ولّد كل ذلك أنواعاً من الوعي المقاوم، وألواناً من الوعي المهزوز أو المهزوم، فوصلنا إلى عدد من المعاهدات والمواقف المُدانة التي اعترفت بالكيان الصهيوني، ولا سيما اتفاق أوسلو الكارثي، وما بعده من تنسيق أمني (أكثر من معيب) وهرولة تطبيع مرذولة ذليلة من البعض. هذا على المستوى الرسمي، أما على المستوى "المعارض" الذي لم يصل إلى حد الوعي المهزوم، فقد راح يتعلق بالاعتراف بقرارات هيئة الأمم، أو بحلّ الدولتين (الظالم التصفوي)، أو حلّ دولة واحدة في حدود ما قبل حزيران/ يونيو 1967، أو حلّ دولة مساواة تتخلى عن نظام الأبارتايد (الميز العنصري- والنموذج الجنوب أفريقي)، فيما اعتبر العدو أن كل ذلك يحمل تنازلاً يقرّ بشرعية وجوده لجعل فلسطين كلها خالصة له.
ومن هنا نفهم كل سياساته وارتكاباته الإجرامية، بما فيها قوانينه التي اعتبرت نظام أبارتايد. فالميز العنصري بالنسبة إليه ليس مطلوباً لذاته كما في جنوب أفريقيا، وإنما هو للتضييق على الفلسطينيين للتخلص من وجودهم في فلسطين (اقتلاعهم والحلول مكانهم). من هنا يخطئ من لا يقيّم سياساته باعتبار جوهر الصراع يتمثل بحرب وجود تُشنّ علينا. والمهم أننا بعد أيام رمضان- أيار/ مايو أصبح من الممكن أن ننتقل إلى بداية استراتيجية الهجوم، فيما المشروع الصهيوني وكيانه دخلا زمن التقهقر.