بالرغم من إعلان الرئيس أبو مازن وبلع "حماس" لهذا الإعلان بأنّ حكومة الوفاق الوطني حكومته وبرنامجها برنامجه، الذي يتضمن الاعتراف بـ"إسرائيل" و"نبذ العنف والإرهاب" والالتزام بالاتفاقيات الموقّعة، وأنّها حكومة مستقلين تكنوقراط ولا ينتمون لأي فصيل،
وبالرغم من أن رئيسها هو رامي الحمد الله، أي رئيس الحكومة الحاليّة، وأنها ستضم عددًا من الوزراء المهمين من الحكومة الحاليّة؛ الأمر الذي يجعل ما يحدث أقرب إلى تعديل الحكومة منه إلى تشكيل حكومة جديدة.
وعلى الرغم من سعي الرئيس لإلغاء وزارة الأسرى وتحويلها إلى هيئة تابعة للمنظمة استجابة لطلب أميركي وأوروبي مباشر أو غير مباشر، من خلال التهديد بوقف المساعدات الماليّة للسلطة، لأن جزءًا منها يُصرف لأسرى نفذوا أعمالاً "إرهابيّة"، وفي ظل إعلان أبو مازن أن التنسيق الأمني "مقدّس"، وسنستمر به سواء اختلفنا أو اتفقنا مع الإسرائيليين سياسيًا؛ أعلنت الحكومة الإسرائيليّة أنها بدأت حملة عالميّة ستركز على الولايات المتحدة الأميركيّة، هدفها منع الاعتراف بالحكومة الفلسطينيّة بحجة أنها تستند إلى حلف مع "حماس"، التي يَعْرِفها العالم وفقاً للزعم الإسرائيلي بأنها منظمة "إرهابيّة"، وأن اختيار أبو مازن الانضمام إلى هذه المنظمة "الإرهابيّة" يثبت أنه ليس شريكاً للسلام مع "إسرائيل".
ولكي تبرهن على جديّة موقفها، رفضت "إسرائيل" منح تصاريح للوزراء من قطاع غزة للقدوم إلى رام الله والمشاركة في حلف اليمين أمام الرئيس، في إشارة إلى أنها لن تتيح حريّة الحركة لأعضائها، وستفرض عقوبات عديدة، منها سحب بطاقات الشخصيات المهمة (VIP) ووقف تحويل العائدات الجمركيّة.
ردًا على القرار الإسرائيلي بمقاطعة الحكومة، أعلن أبو مازن "أن لكل خطوة إسرائيليّة عقابيّة رد فعل فلسطيني مناسب لها"، وأضاف "سنأخذ الأمور خطوة خطوة، ولن نكون البادئين في الرد، ولكن لكل خطوة إسرائيليّة سيكون لها رد من جانبنا".
إذا فكرنا في الرد الفلسطيني المحتمل، يمكن أن يتضمن واحدة من أو كل الخطوات الآتيّة:
- المضي في المصالحة والإسراع بتشكيل حكومة الوفاق الوطني والبناء عليها، من خلال بلورة إستراتيجيات جديدة وبرنامج يجسّد القواسم المشتركة، والاتفاق على أسس الشراكة السياسيّة الحقيقيّة، وإعادة بناء وتوحيد الأجهزة الأمنيّة، وتشكيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة كخطوة أولى نحو إعادة تشكيلها على أسس وطنيّة وديمقراطيّة، بحيث تضم مختلف ألوان الطيف السياسي، وعدم الخضوع للعقوبات الإسرائيليّة والتهديدات الأميركيّة التي تضع الحكومة تحت اختبار، كما ظهر في قول سوزان رايس وجون كيري للرئيس بأن الإدارة الأميركيّة ستراقب عمل الحكومة عن كثب ودور "حماس" فيها، وسوف يتم الحكم عليها من خلال السياسات وتركيبتها، ومدى تأثير المجلس التشريعي عليها، الذي يضم غالبيّة من أعضائه ينتمون إلى "حماس".
- مطالبة المؤسسات الدوليّة واللجنة الرباعيّة الدوليّة التدخل العاجل لوقف الإجراءات العقابيّة الإسرائيليّة نظرًا لتداعياتها المحتملة على المنطقة، خصوصًا في ظل حصول فلسطين على اعتراف دولي بها كدولة، ومن المفترض التعامل معها على هذا الأساس، وتوفير شبكة أمان عربيّة ودوليّة لتوفير أموال تعوّض عن القرصنة الإسرائيليّة.
- تفعيل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، سواء الجمعيّة العامة أو مجلس الأمن المؤيدة للحقوق الفلسطينيّة، التي تشكل رصيدًا هائلاً تم إهماله، خصوصًا الفتوى القانونيّة لمحكمة لاهاي وتقرير غولدستون وغيرهما، والسعي لإصدار قرارات أخرى ضد الاستيطان، ومجمل الإجراءات الاحتلاليّة، بعد اتضاح حقيقة الموقف الإسرائيلي ومعاداته "للسلام" وتهديده للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
- الانضمام للمزيد من الاتفاقيات الدوليّة وطلب العضويّة لكل أو بعض الوكالات الدوليّة، بما فيها محكمة الجنايات الدوليّة.
- وضع خطة تدريجيّة للتراجع عن الالتزامات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة المترتبة على "اتفاق أوسلو" في ظل تجاوز الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة للالتزامات الإسرائيليّة بصورة تكاد تكون كاملة.
- في هذا السياق، يمكن البدء بالتراجع عن تصريح الرئيس حول أن التنسيق الأمني "مقدّس"، ووقفه أو أجزاء منه، والالتزام بموقف مفاده أن السلطة لن تلتزم بأي اتفاقيات، ولن تنفذ أي التزامات من طرف واحد من دون التزام إسرائيلي مقابل ذلك، وهذا ينسجم مع القانون الدولي الذي ينص على مبدأ التبادليّة بخصوص التعامل مع الاتفاقات الثنائيّة، خصوصًا التي حصلت على الرعاية الدوليّة.
- تبني حملة المقاطعة الأكاديميّة والاقتصاديّة والسياسيّة لـ"إسرائيل" بشكل عام، والمستوطنات بشكل خاص، وتوفير كل ما تحتاجه هذه الحملة من دعم سياسي ومادي وحملة إعلاميّة محليّة وعربيّة وعلى امتداد العالم.
- تبني المقاومة الشعبيّة قولاً وفعلاً، وتوفير جميع احتياجاتها حتى تصبح حملة واسعة ومستمرة، بما يؤدي شيئًا فشيئًا إلى جعل الاحتلال مكلفًا لـ"إسرائيل" ومن يدعمها.
- إعادة النظر بشكل جوهري وحاسم في التطبيع المنفلت من عقاله مع "إسرائيل"، وما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي، على أساس مراجعة هذه التجربة، وهل أدت إلى اختراق المجتمع الإسرائيلي وزيادة قوة وتأثير معسكر "السلام" المضمحل في "إسرائيل"، أم إلى اختراق المجتمع الفلسطيني والإمعان بتمزيقه من خلال التنازلات التي تتم أثناء اللقاءات أو الحوارات مع إسرائيليين، معظمهم لا يتخذ موقفًا من الاحتلال ولا يؤيد الحقوق الفلسطينيّة، أي حوارات، وأحيانًا مشاريع مشتركة، تتم من دون شروط؛ ما يميّع الصراع ويظهره على غير حقيقته وكأنه نزاع على الأراضي وحول طبيعة "السلام"، وبين متطرفين ومعتدلين، وليس باعتباره صراعًا بين شعب مظلوم ومشروع استعماري استيطاني احتلالي عنصري ظالم؟
- اعتماد خطط ومشاريع تهدف إلى تعزيز مقومات الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين، خصوصًا في المناطق المعرضة لاعتداءات مستمرة ولهجمة استيطانيّة وتطهير عنصري في القدس ومناطق الجدار والمصنفة (ج).
- التراجع عن الموافقة الفلسطينيّة السابقة منذ مؤتمر "كامب ديفيد" في العام 2000 وحتى الآن على مبدأ "تبادل الأراضي"، الذي فتح شهيّة "إسرائيل" على المزيد من التنازلات الفلسطينيّة وأدّى إلى توسيع الاستيطان والأحياء "اليهوديّة" في القدس الشرقيّة، لأن أي حل نهائي سيتضمن ضم المستوطنات الكبيرة وهذه الأحياء لـ"إسرائيل".