بقلم: أمين مصطفى
عصفت وتعصف في المنطقة أحداث تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات، مخلفة وراءها تداعيات وبصمات مؤثرة تستحق التوقف عندها، بخاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهو ما يحتاج إلى إجراء قراءة متأنية بعيدا عن الانفعال والتشنج، من أجل تصويب المواقف دون مجاملات وأبرز هذه الملفات الساخنة: حرب "سيف القدس"، الانتخابات، المصالحة، التسوية، البيئة الفلسطينية، القدس، التطبيع، "الإخوان المسلمين"، المقاومة وغيرها من العناوين. لا يستطيع القيام بهذه القراءة سوى قيادي لعب ويلعب دورا فاعلا في هذه الأحداث ويمتلك من مقومات الجرأة والشجاعة والوضوح الكثير، ليكاشف الجميع بالحقائق، من خلال النقد والنصح، من منطلق الحرص والمسؤولية وليس من أي منطلق آخر. في هذا الإطار، وفي هذا التوقيت الحساس جاء حوار المكاشفة المفصلي الذي استمر حوالي الساعتين، الذي أجرته "العربي 21" مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، زياد النخالة، الذي انبرى للإجابة على كل الأسئلة بهدوء، تاركا للمحاور أن يطرح أسئلته بلا مجاملة أو تردد، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام على المعلومات الصحيحة كما يراها.
تحدث النخالة عن "ميزة" حرب سيف القدس، وأبرز ما خلصت إليه، ليدرك القاصي والداني أن جيش العدو الذي كان يدعي بأنه لا يقهر يمكن هزيمته، مؤكدا أن هذه الحرب "أحدثت تغييرا في الوعي العربي، والوعي الفلسطيني، وأيضا تغييرا في الوعي "الإسرائيلي"، حيث تمكنت من كي الوعي "الإسرائيلي" من جهة، وبالمقابل رفعت من مستوى الوعي العربي والفلسطيني". لم يشأ أمين عام حركة الجهاد الإسلامي أن يعطي هذه الحرب صفة الانتصار، مفضلا وصف نتائجها بـ"إنجاز معنوي"، حتى لا يعطي للناس "جرعة أكبر مما حدث في الواقع"، محملا الخطاب الإعلامي "الخلل" الذي حدث في هذا الشأن.
فتح الحوار الحديث حول المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وتعقيدات البيئة الفلسطينية والتسوية ومنظمة التحرير وغيرها من المواضيع المهمة، فرأى أن "البيئة الفلسطينية فيها الكثير من التعقيدات، من بينها تعدد الفصائل والانتماءات، وكل فصيل يضع رؤيته وله ميزاته وخطابه". بهذا التحديد أراد أن يوضح للناس ولكل الأطراف المعنية بالصراع مع العدو، أسباب الخلافات والتناقضات التي تبرز بين الفصائل الفلسطينية، ولمزيد من الشفافية قال: "الخلاف في الساحة الفلسطينية هو خلاف على البرامج والرؤى السياسية، وهذا الخلاف انعكس على الميدان".
هناك من يعمل بشكل مكشوف في إطار التسوية، وما زال متمسكا باتفاق أوسلو رغم فشله والوصول إلى حائط مسدود أدى إلى كوارث عدة، عكست نفسها على مجمل الملفات الفلسطينية في الصراع مع العدو الصهيوني. وهناك من يرفض هذا المسار ويعتبره مضيعة للوقت، ويرى أن المقاومة هي الخيار الأساس للتحرير واستعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني. لذا رأى النخالة أن هناك صعوبة في المصالحة بين الفصائل بخاصة بين حركتي فتح وحماس بسبب خلاف الرؤية والبرنامج، واصفا الجهود المبذولة في هذا المجال بـ"العبثية"، و"الثرثرة السياسية"، مضيفا: "حتى توصيف إسرائيل نحن لسنا متفقون عليه كقوى سياسية"، معتبرا أن "الرؤية الفلسطينية التي قامت على فكرة القبول، وتقديم برامج سياسية تقبل بالطرف "الإسرائيلي"، إنما هذه أوهام نحن خلقناها".
من هذا المنطلق دعا النخالة إلى ضرورة إعادة قراءة المشروع الصهيوني "ونبني على قراءتنا هذه برامجنا الوطنية"، متهما كل من يطرح فكرة التسوية مع العدو الصهيوني بأنه "لا يفهم المشروع الصهيوني". هذا يكشف حقيقة أن كل ما جرى عرضه على الفلسطينيين جاء بالضغط، وليس صفقة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب القائمة على تصفية القضية الفلسطينية سوى محاولة من محاولات فرض حل على القيادة الفلسطينية. وسخر النخالة من الجري وراء سراب الحلول الوهمية، قائلا "إذا لم تقبل إسرائيل من العرب والمسلمين مجتمعين مبادرة للحل، فكيف يمكن أن تقبل من الفلسطينيين منفردين صيغة حل أو مشروع تسوية".
هذا الموقف يدلل على حقيقة واضحة كعين الشمس بأن أي مفاوضات أو تسويات بين أطراف فلسطينية غارقة في وهم أوسلو مع العدو، لا قيمة لها، لأنه سرعان ما ينكشف عجزها وفقرها من تحقيق أي مكسب، لذلك اعتبر النخالة بأن كل المبادرات التي تطرح "رسائل في الهواء"، مضيفا أن "الضعفاء لا يمكن أن يحصلوا على شيء بالمفاوضات". هذا التحليل المنطقي أثبتته تجارب الصراع مع العدو، وبينته كل المواجهات التي دارت بين شعوب العالم والقوى الإستعمارية الغازية، وخلصت إلى أنه ليس لدى الشعوب المقهورة سوى المقاومة للانعتاق نحو آفاق الحرية، وهذا ما ينطبق على الحال الفلسطينية، وهو ما أكده القائد النخالة عندما قال: "المقاومة هي الطريق الأصح والأصوب والأسلم في صراعنا مع المشروع الصهيوني، ونحن ضد البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الذي يقوم على التسوية".
وتوقف النخالة عند العلاقة القائمة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحركة الجهاد الإسلامي، موضحا أنها علاقة احترام متبادل، رافضا ما يردده بعض المشككين والمحرضين بأن الحركة محسوبة على إيران. ولأول مرة تقريبا تناول الحوار موضوع "الإخوان المسلمين" في مصر، معتبرا أنهم "تورطوا في انتخابات الرئاسة، حيث قفزوا على شيء لا يمكن حمله". وبالنسبة للانتخابات الفلسطينية، جدد النخالة موقف حركة الجهاد منها، معتبرا أن "هذه الانتخابات ليست سوى خديعة وتضليل للشعب الفلسطيني وللعالم، وحرف للبوصلة عن اتجاهها الصحيح".
يصعب الإحاطة بكل جوانب وتفاصيل الحوار، لما تضمنه من روى سياسية تحتاج إلى دراسات معمقة، غير أن خلاصة ما توصل إليه هذا الحوار، هو أن حركة الجهاد الإسلامي متجذرة من مواقفها التي انطلقت على أساسها، وهي أن الصراع لا يقتصر على مساحة من فلسطين فحسب، بل على كل أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، والصراع على القدس هو صراع بين الحق والباطل، وكل المشاريع والمبادرات والتسويات التي تطرح من قبل الإدارة الأميركية وكيان العدو مرفوضة رفضا قاطعا، وبالتالي فإن المقاومة هي وحدها وسيلة استعادة كامل حقوق الشعب الفلسطيني.