بقلم: راغدة عسيران
كسائر الدول الاستعمارية في العالم قديما وحديثا، اضطرّ كيان العدو الصهيوني لسنّ قوانين خاصة تنظّم علاقاته مع الشعب المستهدف، الشعب الفلسطيني، وشعوب المنطقة بشكل عام، لزعمه أنه دولة حديثة وليس عصابات مارقة، وأن هذه العلاقات مضبوطة بأجهزة دولة وليست سائبة ومرهونة لأهواء مستوطن أو أكثر.
كسائر الكيانات الاستيطانية الإحلالية في العالم، تتميّز قوانين الكيان الصهيونية بعنصريتها إزاء الشعوب الأصلية، لاعتقادها بتفوّق العنصر الأوروبي الأبيض على باقي شعوب العالم. يستهدف الكيان الصهيوني الشعب الفلسطيني بشكل خاص، في كافة نواحي حياته، المعيشية والسياسية والعبادية والثقافية. فالقوانين التي يسنّها منذ إقامته على أرض فلسطين تهدف الى نهب الأرض والموارد، الى قمع وقتل الفلسطيني، والسيطرة على حياته ومعيشته وتنقلاته، والى تدمير منزله وإنتاجه وإعاقة العمل في وطنه، لإرغامه على "الهجرة الطوعية".
وكسائر الكيانات الاستعمارية المتوحشة، يسنّ الكيان الصهيوني قوانين لتجريم المقاومة ضده، ويشرعن التعذيب في سجونه وقمع وإذلال الأسرى. وعندما تفلت الأمور من بين يديه وتشتدّ المقاومة ويصمد الشعب الفلسطيني رغم كل اعتداءاته، يُصدر أوامره العسكرية للاعتقال الإداري ويرسل وحوشه (المستوطنين والمستعربين وقواته الخاصة) التي تنتهك قوانينه، للنهب والقتل والتدمير.
وفي مقال جديد صدر عن معهد بيغن – السادات، يقترح اللواء احتياط غرشون هكوهن "أخذ القانون باليد"، أي تجاوز قانون المستعمر وتقييداته أحيانا، كما هو الحال في قرية بيتا وجبل صبيح، إذ يكون ذلك "مبررا ومجديا كاضطرار ظرفي" لأن الصراع بين الصهاينة والشعب الفلسطيني هو "صراع على حيازة الأرض"، وفي هذا الميدان، يصبح كل شيء مباحا للمستوطنين.
توسعت الدراسات لشرح القوانين الصهيونية التي استولى كيان العدو بموجبها على الأراضي في فلسطين بعد 1948، والتي ما زال يستخدمها لنهب كل قطعة أرض يملكها الفلسطيني، في أنحاء فلسطين، إن كان في مناطق الداخل المحتل عام 1948، أو في مناطق الضفة الغربية المحتلة التي صنّفها "ج" في اتفاقيات أوسلو المشؤومة. كما شرحت هذه الدراسات كيف استولى الكيان الاستيطاني على الممتلكات، الخاصة والعامة، البيوت والمساجد والمستشفيات والمدارس والمباني الرسمية والسجون، التي وقعت تحت احتلاله. فدمّر بعضها وأسكن مستوطنيه في منازل الفلسطينيين، حيث نهبت ميليشياته المسلحة محتوياتها. فانتهك حرمة المساجد بتحويلها الى مطاعم ومتاحف، واستوطنت مؤسساته في المباني الرسمية أو بيوت الفلسطينيين الفخمة، في ظل قانون المستعمر الصهيوني.
يمارس العدو سياسة التطهير العرقي باسم القانون. في الشيخ جراح، يزوّر وثائق لمصلحة المستوطنين للاستيلاء على منازل الفلسطينيين، وفي حي البستان وبطن الهوى في سلوان، يدمّر بيوت الفلسطينيين بحجة عدم ترخيصها، أي أن بناءها غير قانوني بالنسبة له، أو بسبب ما يعتبره المصلحة العامة، أي إقامة حديقة توراتية أو شق طريق لتسهيل مرور المستوطنين. أما بيوت عائلات المقاومين، الشهداء والأسرى، فلها قانون خاص، حيث يتم تدمير المنزل أو نصفه أو حتى غرفة منه، بعد إجراء مسرحية أخذ مقاساته لتحديد المساحة التي ستُدمّر، لإظهار مدى إلتزامهم بقوانينهم الدقيقة و"عدالتهم" في تطبيقها. فاتفقوا فيما بينهم على أنه سيتم هدم منازل المقاومين، كعقاب جماعي يردع، كما يظنّون، استمرار المقاومة.
في البلدة القديمة، يُمنع قانونيا (كما هو الحال في المدن الساحلية، يافا وحيفا وعكا) ترميم البيوت المتصدعة، التي تصرّ العائلات الفلسطينية على الإقامة فيها رغم حالها، وتنتظر المؤسسة الصهيونية بكافة أجهزتها انهيارها وعدم صلاحيتها للسكن، لإخلاء ساكنيها، بحجة المحافظة على سلامتهم، كجهة مسؤولة عن حياتهم. ولكن، بعد إخلاء العائلات الفلسطينية من بيوتها، يتم أحيانا ترميم المنازل لبيعها للمستثمرين اليهود في العالم، كما يحصل اليوم في مدينتي يافا وعكا، على وجه التحديد.
في الأراضي المحتلة عام 1948، أصدر الكيان الصهيوني قانون كيمنتس لهدم بيوت الفلسطينيين، في جميع البلدات الفلسطينية الصامدة، بحجة أنها غير مرخصّة، وتمنع قوانينه البناء خارج المناطق التي حدّدها، دون الأخذ بعين الاعتبار التوسع الديمغرافي الطبيعي في هذه البلدات. من جهة أخرى، تمنع قوانين أخرى خاصة ببعض المستوطنات سكن الفلسطينيين فيها، وتعيق السكن في مستوطنات أخرى بإجراءات إدارية. ما يعني أن المستوطنين ومؤسساتهم يستولون على الأرض ويبنون عليها مستوطناتهم وبيوتهم، ويمنعون أهل البلاد من السكن فيها، ويضيّقون عليهم السكن في بلداتهم الأصلية.
قانونيا، تحاول المؤسسة الصهيونية محاصرة الفلسطينيين في أقل مساحة ممكنة من الأرض، لحثهم على ترك وطنهم وإشعارهم أنهم "الغرباء" فيه، كما يحصل لأهل النقب الصامدين في قراهم غير المعترف بها، حيث يُنعتون ب"الغزاة" لأرضهم، ما يستوجب حسب قانونها، ملاحقتهم وتدمير بيوتهم وقراهم، وقتل مواشيهم ورش مزروعاتهم بالمواد السامة، لترحيلهم عن أرضهم. في الأغوار ومناطق أخرى في الضفة الغربية، وفي المثلث، يتم هدم البيوت وتهجير الفلسطينيين وسرقة أرضهم بتفعيل قانون المصلحة العامة (مدّ شبكة كهرباء أو شق طريق) والتدريبات العسكرية.
لقد سنّت الكنيست سابقا قانون "شاليط" لشرعنة التضييق على الأسرى وقمعهم في سجون العدو، وخاصة أسرى قطاع غزة، الذين منعوا من الزيارة العائلية لأكثر من عقد من الزمن. ما يعني أنها اضطرت الى سنّ قانون لشرعنة، أمام الرأي العالمي، التعامل اللاإنساني لأجهزتهم الأمنية مع الأسرى.
تطبيق قوانين الكيان الاستعماري يعني تجريم كل أشكال المقاومة، من الكلمة الى الصاروخ، مرورا بالحجارة والاعتصام والمظاهرة والقنص والدهس، وحتى الاحتجاج في السجون. كل من يتصدى لنهب الأرض (قرية بيتا وغيرها) ولإخلاء المنازل (الشيخ جراح والقدس بشكل عام) وللقصف والقتل (قطاع غزة) ولمنع عودة اللاجئين الى وطنهم، وللقمع في السجون يصبح مجرما وخارجا على قانونهم، قانون المستوطن، ما يستدعي القمع والقتل.
هذا ما حصل خلال وبعد معركة "سيف القدس" التحرّرية التي وحّدت الشعب الفلسطيني. شنّت الشرطة الصهيونية حملة اعتقالات واسعة في الاراضي المحتلة عام 1948، اسمتها "حملة القانون والنظام" حيث تم اعتقال أكثر من ألفي فلسطيني، وجرح المئات. تهدف هذه الحملة الى ترهيب الفلسطينيين الذين هبّوا دفاعا عن المقدسات ومدينة القدس، ومنع أي تقارب بين جماهير الشعب الواحد، لأن قانون الاستعمار لا يعترف بوجود الشعب الفلسطيني، بل جزّأه الى فئات متباينة في العقيدة ونمط الحياة.
وأخيرا، في كيان العدو، غير مسموح للعائلات الفلسطينية أن تعيش تحت سقف واحد، خاصة بعد إصدار قانون "منع لم الشمل" خلال انتفاضة الأقصى، أي منع أفراد العائلة الواحدة أن تعيش في القدس والأراضي المحتلة عام 1948، إن كان أحد الزوجين من الضفة الغربية وقطاع غزة ودول عربية. يطال هذا القانون قرابة 40 ألف فلسطيني، الممنوعين من الحياة العائلية الطبيعية.
قبل بضعة أيام، تم تمديد هذا القانون الاستئصالي لستة أشهر، بدلا من سنة بسبب خلافات داخل مؤسسة المستوطنين التشريعية.
كسائر الكيانات الاستعمارية الاستيطانية، تهدف قوانين الكيان الصهيوني لتهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه ووطنه، ولكنه يتميّز عنها بأنه جاء متأخرا، فاستخدم أدوات وتقنيات حديثة، تكون أحيانا أكثر تدميرية (حروبه) وأحيانا أخرى ناعمة وملتوية، كقوانينه المفصّلة وفقا لاحتياجاته الاستيطانية.