Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية... علي القزق

خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية...  علي القزق

  ظهرت في الأيام الأخيرة في الإعلام العربي تساؤلات أثارتها تحركات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة وما يسمى ‘بخطته’ حول تعريف هوية اللاجئ الفلسطيني،

والإدعاء بأن من يحمل جنسية دولة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين تسقط عنه صفة اللاجئ وحقه في العودة والتعويض.

من المؤسف ان يصل الإستهتار الأمريكي بالعرب وحقوقهم لأن يتجرأ جون كيري بطرح ‘خطة’ تفوح منها رائحة عنصرية مقيتة. فالسيد كيري لا يرفض ‘قانون حق العودة’ العنصري الإسرائيلي الذي يعطي أي يهودي في العالم، فقط لكونه يهودي، حق الهجرة والإستيطان في أراضي وأملاك الفلسطينيين في إسرائيل، ولكنه يحاول منع اللاجئين الفلسطينيين، أصحاب البلد الأصليين، الذين قامت العصابات الإرهابية اليهودية بطردهم من بيوتهم وأملاكهم، من حق عودتهم إلى وطنهم لأنهم يحملون جنسية دولة أخرى. أليس الأحرى بجون كيري أن يرفض هجرة اليهود الذين يحملون جنسيات العالم، بما فيها الجنسية الأمريكية، إلى إسرائيل والسكن ببيوتنا وحقولنا وأملاكنا ومدننا؟

فلماذا مثلاً، أنا اللاجئ الفلسطيني من مواليد حيفا وحامل الجنسية الأسترالية أحرم من حق العودة إلى وطني ومدينتي، واليهودي الأسترالي الذي ولد في أستراليا هو وآباؤه وأجداده يسمح له أن يهاجر إلى إسرائيل ويعيش في مدينتي؟ ولماذا يحرم من يحمل الجنسية الأردنية مثلاً من العودة إلى مدينته التي تبعد عنه بضع كيلومترات ويسمح لليهودي الذي يبعد آلاف الكيلومترات من الهجرة والعيش فيها؟

من نافلة القول أن هذا الطرح والتذاكي الأمريكي/ الإسرائيلي المراوغ مرفوض بشكل مطلق ويجب التصدي له، والتعامل معه بالسخرية والإستهزاء الذي يستحقه لما يمثله من تمادي في إهانة ذكاء العرب والإستهانة بحقوقهم. ولكن من الغريب أن نرى أن بعض المسؤولين العرب ووسائل الإعلام يأخذ هذا الهذيان بشكل جدي ومحاولة إعطائه مصداقية ويتعامل معه وكأنه حقيقة وتحصيل حاصل نازل علينا من السماء لا حول لنا فيه ولا قوة، وكأننا أصبحنا في ورطة وضاعت علينا حقوقنا!!

لذا يستوجب التذكير هنا بحقائق لربما أن تكون غافلة أو نسيت من قبل البعض، وهي أن صفة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض تقوم على أرضية صلبة راسخة في القانون الدولي، وهي مصانة ومضمونة بالشرائع والقوانين الدولية، وليست عرضة لأي تساؤل وتشكيك، إن كان ذلك؛ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب على أرضها وفي قرار هيئة الأمم المتحدة المتعلق باللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض رقم 194 الذي عَرَّفَ وحَدَّد من هم اللاجئون الفلسطينيون وذلك بأنهم جميع من طردوا من بيوتهم ووطنهم، وطالب بحقهم في العودة إلى ‘بيوتهم’ والتعويض لهم. كما أن لدى الأونروا سجلات بمعظم اللاجئين، وهو إعتراف راسخ بأنهم لاجئون، إن كانوا من حملة وثائق سفر أو جوازات سفر وجنسيات أخرى.

كما أن العرب والفلسطينيين أنفسهم يعلمون علم اليقين من هم اللاجئون، وقد حدد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية من هو الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره على أرضه، حيث جاء فيه ان ‘الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء وأن الإحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وإنتماءه الفلسطيني ولا ينفيانها’.

أضف إلى ذلك أن هناك سوابق عديدة بتحديد من هو اللاجئ بدءً من اليهود أنفسهم لاحقاً للحرب العالمية الثانية في أوروبا، إلى شعوب أخرى مثل لاجئي بوسنيا وتيمور الشرقية وكوسوفو ورواندا وغيرهم، الذين تم حصولهم على حقوقهم كاملة بدعم من المجتمع الدولي في العودة إلى أوطانهم والتعويض. وإن كان تعريف اللاجئ ينطبق على هذه الشعوب فإنه ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين أكثر من أي لاجيء آخر في العالم.

أما بالنسبة إلى حمل اللاجئ الفلسطيني لجواز سفر وجنسية أخرى فهذا لا يسقط بأي شكل من الأشكال صفته كونه لاجئ لأن السبب أصلاً في حمله جنسية أخرى هو بسبب طرده من وطنه وحرمانه من العودة إليه وحمل جنسيته الفلسطينية الشرعية، وحقيقة أن حمل فلسطينيين لجنسيات أخرى لم يكن إختياراً طوعياً كأي من المهاجرين الآخرين، وإنما رغماً عنه. لذلك يجب إعطاء اللاجئين الفلسطينيين من حملة جنسيات أخرى حق الخيار بين العودة إلى بيته ومدينته ووطنه وبين قبوله التعويض والإحتفاظ بالجنسية التي يحملها والدولة التي يعيش فيها إن رغب في ذلك، وهو ما يطالب به قرار هيئة الأمم المتحدة 194 وجميع الشرائع والقرارات الدولية.

إن محاولات التذاكي والبهلوانيات الإسرائيلية والأمريكية للإلتفاف على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض لن تنطوي على أحد لا على الشعب الفلسطيني ولا على شعوب العالم ومؤسساته القانونية والإنسانية التي تعتني بحقوق الإنسان. لأنه لن يكون مقبولاً أن يكون هناك قانون ينطبق على جميع الدول والبشر وآخر ينطبق على إسرائيل واليهود.

هل يعتقد جون كيري وكبير مساعديه ومستشاريه مارتن إنديك، الذي يفتخر بدون أي خجل بأنه صهيوني، أن الشعب الفلسطيني والعربي شعب من المغفلين الذين سوف يتنازلون عن حقوقهم الشرعية، وينسون عذابهم وتشردهم عن الوطن لأكثر من 65 عاماً، لمجرد أن أحدهم جاء بهذا التذاكي الصهيوني؟ يكفي أن يمدح المتطرف العنصري ليبرمان خطة كيري ويصفها بأنها ‘أفضل عرض يمكن لإسرائيل أن تحصل عليه’. لنعلم من تخدم ولمصلحة من هذه الخطة؟

وهل تناست الزمرة الحاكمة في إسرائيل وخدمتها في البيت الأبيض والكونغرس خبرتهم مع الفلسطينيين والشعب العربي، والثورات العربية، ومئات الشهداء الذين فجروا ثورتهم وقدموا أرواحهم ودماءهم من أجل تحقيق حقهم في العودة والإستقلال وتقرير المصير على أرضهم؟

إن دلّ طرح جون كيري لهذا الهراء الصهيوني عن شيء فإنما يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست جادة في مساعيها لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، وبأنها لم تغيّر لون جلدتها وإنحيازها الأعمى إلى جانب إسرائيل، وبأن سياستها الشرق أوسطية ليست مستقلة، ولا تقوم المبادئ الأمريكية التي تتغنى بها، ولا على الشرائع والقوانين الدولية وإنما تستمر في تبني سياسة إسرائيل الشرق أوسطية.

ولن نتطرق هنا إلى الثمن الباهظ الذي تدفعه أمريكا لتبنيها السياسة الإسرائيلية الشرق أوسطية، فلا طائل من ذلك، لأنهم أصبحوا عبيداً للوبي الإسرائيلي الذي يسحبهم من رقابهم أينما شاء، وهذا ليس تجني ولا تضخيم، ولكنه حقيقة موثقة بعشرات الكتب أصبحت واضحة للعالم قاطبة. فعلى الولايات المتحدة أن تحرر نفسها من هذا اللوبي لكي تستطيع أن تلعب دوراً إيجابياً لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط.

إن من يثير هذا التشكيك بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وكأنه يريد ان يدفع أكثر من عشرة ملايين فلسطيني لتفجير ثورة جديدة تحرق الأخضر واليابس في المنطقة والعالم، والتي سوف تطال الجميع ولن يسلم منها أحد.

 

* سفير فلسطيني سابق