أحمد المدلل
لم يستوعب قادة الاحتلال الدرس بعدْ ، منذ ثلاثة وسبعين عاماً والفلسطينيون حاضرون وهم فى حالة مواجهة مستمرة لم تنثنِ عزيمتهم ولم يرفعوا الراية البيضاء ولم يتنازلوا عن حقهم ومن تنازل منهم عن حقه - فى الحقيقة لا يُمثّلهم - كما لم يتوقف لديهم نبض المقاومة ، ثلاثة وسبعون عاما وهم يصرخون فى وجه العالم ويرددون : (حقوقنا ، حريتنا ، عودتنا) متلازمةٌْ ثلاثيةٌ لم تُغادرهم على مدار العقود السابقة وأدرك القاصى والدانى حيوية هذا الشعب وصموده وتحديه ، لكن يبدو انها الحقيقة التى تحدث عنها الكثير من المفكرين ، أنَّ الغرب جلب اليهود( وقد نبذتهم كل المجتمعات البشرية التى عاشوا فيها على مدار التاريخ بما فيهم المجتمعات الغربية لإفسادهم وشرورههم ) ودكّهم إسفيناً فى قلب العالم العربى والإسلامى لتكريس مطامعه الاستعمارية واستمرار الهيمنة على مقدرات الشعوب وثرواتها وتجزئتها لانه بعد الحربين الكونيتين الاولى والثانية لا يريد ان يخسر أكثر مما خسره ، فهو يمد دولة الاحتلال بأقصى ما تحتاج إليه من مال وعتاد ودعم لوجستى ومعنوى وسياسى حتى يُبقيها قوية تناطح عنه وتحفظ له مصالحه ومشاريعه فى منطقة ذات موقع استراتيجي وغنية بثرواتها ومقدراتها لكنّها أُبتليت بحُكّامٍ إمّا جهلة أو عملاء وشعوبها مغلوبٌ على أمرها ، ألم يُدرك هذا اليهودى بعدْ أنهم أحضروه على أرض لها مُلّاك حقيقيون ، جُزءٌ منهم هُجّر قصراً نتيجة جرائم فظيعة ارتكبتها العصابات الصهيونية ضده بدعم الغرب وعمالة الانظمة العربية الحاكمة آنذاك فيما الجزء الآخر لا يزال حاضراً متجذراً فى أرضه وبالرغم من المعاناة والمآسى التى عاشها وبالرغم من كل الجرائم الإنسانية المختلفة التى ارتُكبت ضده إلّا أنه لا يزال صامداً قوياً يتحدى آلة البطش والدمار الصهيونية فإذا قتلوا أبناءه ازدادوا عددا أضعافاً مضاعفة واذا جوّعوه عاش على القليل واذا دمّروا بيته بناه أجمل بكثيرٍ مما كان عليه من قبل واذا سرقوا أرضه لم ينم ليله او يقر نهاره وهو دائم الاشتباك واذا اعتقلوه خرج من السجون قائد ثورة واذا حاولوا كىّ وعيه وأدلجته وإغراقه فى الملذات والشهوات خرج أبناء اللد والرملة ويافا وحيفا والناصرة ومعهم جيل اوسلو فى القدس والضفة وغزة أكثر شراسة فى مواجهته ، فيما الديموغرافيا ليس فى صالح الاحتلال البتّه وقد ازداد الفلسطينيون أضعافاً مضاعفة عمّا كانوا عليه من قبل وكل المعطيات تؤكد أن المستقبل ليس فى صالحه خصوصاً أن الشعب الفلسطينى أصبح لديه مقاومة قوية فى رجالها ومتطورة فى امكاناتها ، فأصبح الشعب الفلسطينى أمام العالم كله يمتلك قوتين أولاهما قوة المنطق أنه الضحية الذى احتلت ارضُه ولا يزال يُعانى فيما المجرم الحقيقى الذى يقتل ويبطش ويحاصر هو الاحتلال الصهيونى وثانيهما منطق القوة بهذه الإرادة والإمكانيات التى لم تكن من قبل ، ولم تعُد أمريكا ولا كل الحلفاء لدولة الاحتلال حتى الأنظمة التى طبّعت معه قادرين على حمايته من ضربات المقاومة ولا ان يمدوه بمزيد من الحياة الآمنة والمستقرة على أرض قام باغتصابها وتهجير أكثر من نصف أهلها ، وضعه السياسى مرتبك ومتخبط لم يستطع تشكيل حكومة بعد اعادة الانتخابات أربع مرات وذاهب إلى الخامسة وهذا لم يحدث فى تاريخ دولة الاحتلال ، وضعه الإجتماعى مُفَكك ويسير نحو الهاوية والصراعات قائمه بين مكوناته العقائدية والاثنية والمجتمعية ، وضعه الاقتصادى يتراجع وقد كشفت هشاشته أزمة كورونا لولا الدعم الخارجى وقد دخل على خط الدعم أنظمة عربية مُطبّعة كالإمارات ، وضعه العسكرى لم يستطع حمايته وقد تراجعت قوة الردع لديه وهل هناك دليل أوضح من معركة " سيف القدس " وقد أبدعت المقاومة الفلسطينية فى ضرب الكيان على أقصى بقعة يحتلها من فلسطين وقصف منشآت هامة لديه فيما جيشه ليس أمامه من أهداف سوى المبانى السكنية يدمرها على رؤوس الاطفال والنساء والعجائز دليل العجز والضعف والإرباك وهذا لا يحسم معركة كما يؤكده خبراء العسكريتاريا ، كما ان الجيش الصهيونى لم يعد هو من يملك زمام البدء بالمعركة لأن الذى حدد وقت المعركة الأخيرة صاحب الساعة السادسة ( المقاومة) مساء يوم الاثنين ٢٨ رمضان ١٤٤٢هجرى فى اللحظة التى أراد عشرات الالاف من قطعان المستوطنين اقتحام ساحات المسجد الاقصى بحماية الجيش الصهيونى ، وبكلماتٍ لا لُبسَ فيها لم تعد فلسطين أرض اللبن والعسل كما أوهموه ، بقاؤه يعنى دماره ، ولم يبقَ أمام اليهودى المغتصب إلّا إحدى خيارين إما الرحيل والنجاة بروحه وأهله وإمّا البقاء والذبح ينتظره ، إنها الحقيقة القرآنية التى يحفظها المؤمنون الصادقون ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) والسنّة التاريخية التى يُدركها القارئون والباحثون أن زوال هذا الكيان بات قاب قوسين أو أدنى .