تشهد القدس المحتلة منذ الليلة الأولى لشهر رمضان المبارك، مواجهات عنيفة بين الشبان المقدسيين وقوات الاحتلال ومستوطنيه، يتخللها قمع واعتداءات على المصلين في أعقاب صلاة التراويح بمنطقة باب العامود، حيث تمنع التجمهر والجلوس في ساحة ومدرج المنطقة التي تعتبر بابا رئيسيا للبلدة القديمة، غير أن المواجهات توسعت رقعتها واشتدت خلال اليومين الأخرين لتدخل مناطق أخرى كباب الساهرة وباب حطة وأرجاء أخرى في المدينة إلى مربع الموجهات والتي تكون على شبه كر وفر، وسط انتشار كبير لأفراد الشرطة والمستعربين والكلاب البوليسية.
ومع اشتداد المواجهات في القدس المحتلة، تشهد منطقة "باب العامود" حالة من التوتر، بسبب محاولة الشرطة الإسرائيلية منع الفلسطينيين من التواجد في المنطقة. ضمن إجراءات للتضييق عليهم.
لماذا الاحتلال يستهدف باب العامود
يرفض الاحتلال أي منطقة يكثر فيها التجمهر والتجمع، خشية من أي تحريض وتصعيد يرتد على أمنه، لذلك يصب غضبه اليوم على هذه منطقة باب العامود بالتحديد كونها منطقة تجمع في شهر رمضان خاصة بعد صلاة التراويح، على اعتبار أنه المدخل الرئيس للبلدة القديمة، إلى جانب مساحة المكان التي تتسع لأعداد كبيرة من المواطنين.
ويذكر أن هذه المنطقة، نقطة أمنية خطيرة بالنسبة للاحتلال، ويرى وجوب أخذ كل مسببات الحيطة والحذر تجاهها، فهو يستند في خوفه على ما شكله هذا الباب من أحداث أمنية شبه يومية منذ بداية ثورة السكاكين في الثالث من تشرين الأول 2015 حينما طعن الشهيد مهند الحلبي أحد المستوطنين وأطلق النار على آخرين بالقرب من باب العامود.
واستمرت العمليات تتوالى، حتى أصيب الاحتلال بحالة هستيرية، في قتل كل من يشك بأنه يحاول فعل شيء ما، فارتقى الشهيد تلو الشهيد والعملية تلو الأخرى، غضب الاحتلال كما يغضب في كل مرة، وبدى له أن باب العامود لم يعد مجرد باب، وإنما هو بوابة الموت والرعب.
وقال الباحث والمختص بالشأن المقدسي، زياد بحيص، إن بعد هبة باب الأسباط عام 2017 أدرك المحتل بالتجربة مدى خطورة التجمهر الشعبي وما يمكن أن يفرضه عليه من تراجع. هذا قاده إلى التفكير في إعادة هندسة الحيز المفتوح للتجمع في محيط البلدة القديمة، فوضع تحت مجهره بابي العامود والأسباط، وبدأ بمجموعة مهمة من التغييرات التدريجية فيهما بما يقوض تدريجياً –بنظره- إمكانات التجمع المقدسي الواسع فيهما.
وأشار بحيص في مقاله "باب العامود والنقد الانتحاري" أن الاحتلال بدأ التنفيذ بباب العامود لاعتبارات السهولة والأهمية، فأسس ما بين شهر 2 وحتى 6-2018 أربع غرف مراقبة أمنية تضاف لها نقطة سابقة فوق باب العامود من الأعلى وداخل الباب نفسه، فبات في باب العامود وساحته 6 نقاط أمنية ثابتة، غير مراكز الشرطة القريبة منها إلى الشمال والشرق.
ولفت إلى الاحتلال يريد من ذلك تحويل باب العامود إلى نقطة أمنية محصنة، ونقل التجمهر فيها من المقدسيين إلى المستوطنين باعتبارها النقطة الأفضل لتجمهرهم، وهذا ما يفعله المستوطنون بالفعل في عدة مناسبات، وبالذات في ذكرى "يوم القدس" العبري التي ستحل بعد ثلاثة أسابيع، في 28 رمضان تحديداً، إذ باتوا يعتبرون ساحة البراق وساحة باب العامود نقاط تجمعهم الرئيسة.
القدس حاضرة في صدور أبنائها
قال الإعلامي المقدسي المبعد عن المدينة، عنان نجيب، إن شباب القدس بهبتهم هذه، يوصلون رسالة للاحتلال وأعوانه من المطبعين العرب، أنه رغم حجم المعاناة والألام ستبقى القدس حاضرة في صدور أبنائها، وأن لا صوت يعلو فوق صوت الميدان.
هبة باب العامود في مواجهة الاقتتال الداخلي وتصويب البوصلة التي يريد الاحتلال حرفها
قال الكاتب إبراهيم عز الدين، إنّ سياسة قمع المجتمع المقدسيّ عنوانها اليوم استنساخ تجربة تعزيز الاقتتال المجتمعيّ بين الفلسطينيّين في الأراضي المحتلّة عام 1948. هذه هي الحقيقة/النتيجة التي لا يمكن لأيّ مراقبٍ موضوعيّ إلا أن يصل إليها. وقد انتصبت أمام أعيننا حقيقة سياسة الاحتلال في القدس، يبقى السؤال: ما العمل ؟
أشار إلى سبق للحراك الشبابيّ الفحماويّ ضدّ جرائم الاقتتال المجتمعيّ أن قدّم لنا الإجابة على هذا السؤال، مكثّفةً بمقولة "الشرطة أصل الورطة". وبالطبع، فإنّ الحالة الاستعماريّة في القدس أشدّ وضوحاً ولا ينطبق عليها كل الحيثيّات والتعقيدات التي تحكم الحالة السياسيّة في الداخل المحتلّ.
وأكد على أنه يبقى الحراك الشبابيّ المقدسيّ كقوّة جماهيريّة سياسيّة وحيدة يمكننا التعويل عليها للحفاظ على النسيج المجتمعيّ المقدسيّ من خلال إدامة الاشتباك مع المحتلّ وساحته هذه الأيام باب العامود. هذا هو الحلّ وهذه هي الإجابة وهذا هو التحدّي.
وبدوره قال بحيص، المعركة على باب العامود هي معركة مهمة على الحيز العام، وعلى الهوية في قلب المدينة، ومحاولة إدانتها أو الانسحاب منها بسبب عدم الرضا عن ممارساتٍ محددة تتم فيها خلال سمر الشبان في رمضان يعني أنك ترى في تركها للقضم التدريجي وللمستوطنين أفضل من وجود شبان مجتمعك فيها!
القدس كاشفة العورات
يفرض الشبان الفلسطينيين تواجدهم في في البلدة القديمة بالقدس المحتلة وفي أرجاء المدينة، يثبتون السيادة الفلسطينية بحجارتهم وصدورهم العارية أمام القبضة الحديدة لشرطة الاحتلال، ومواجهتهم حشود المستوطنين الذي يسعون السيطرة على منطقة باب العامود؛ ليكون محلا لتجمهراتهم وتجمعاتهم كما تسعى بلدية الاحتلال.
وفي خضم مرحلة الانتخابات والتي أصبحت تتأرجح بين إتمامها أو تأجيلها؛ رفع شعار "لا انتخابات دون القدس" والذي يجعل الانتخابات في مهب الريح إذا لم يوافق الاحتلال على اجراءها في القدس.
جاءت هبة باب العامود، لتكشف زيف الشعارات التي ترفع وتكون القدس شماعة ضعيفة أمام من لم يدعم هذه الهبة وينتفض دعما لها.
قال الدكتور فتحي الشقاقي " القدس كاشفة العورات" أي أنها كشفت أن القضية والحركة الوطنية الفلسطينية والوعي والحضور لدى النخب والقادة والرسميين الفلسطينيين تلاشى، نعم حتى الشعر الملحمي والخطاب الواعي القادر على استنهاض الناس وإلهامهم تلاشى، كلمات جوفاء وسجع مصطنع هو ما غلب على الخطاب الفلسطيني الخاص منه والعام، العلماني منه والإسلامي.
فهذه هبة باب العامود، تكشفت زيف شعار "لا انتخابات دون القدس" رغم أنه من الممكن استثمار هذه الهبة للضغط على الاحتلال وفرض الانتخابات حتى وإن تحولت هذه الانتخابات لمواجهة واسعة وشاملة، خصوصا أن هذه المواجهة ستكون لصالح القدس وتخدمها أكثر من انتخابات مكبلة بقرار "إسرائيلي" لا يستطيعوا مواجهته.