Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

كيف يمكن أن تقاوم الشعوب العربية التطبيع؟

وكالات

إذا كانت مقاومة التطبيع واجبة على كل إنسان حر وعلى كل مسلم، فإنها أوجب على العرب، لأن التطبيع يمس حياتهم بشكل مباشر كما بينا في مقال الإثنين الماضي في "عربي21"، وهو الأمر الذي يدعونا لمحاولة الإجابة على سؤال: كيف نقاوم التطبيع في ظل الضعف العام الذي تعانيه الشعوب العربية خلال هذه الفترة؟

آليات مختلفة حسب الواقع

إن أهم عامل في مقاومة التطبيع شعبيا هو فهم الواقع الذي يعيشه كل شعب عربي، بل كل فرد، لأن فهم هذا الواقع يساعد في وضع الآليات المناسبة لمقاومة التطبيع من جهة، كما أنه ينهي حالة الإحباط التي باتت تنتشر بين كثير من المتابعين والناشطين العرب.

لا شك بأن الواقع البائس في كثير من الدول العربية يساهم في صناعة هذا الإحباط، بسبب تراجع القوى الحية في الدول العربية وتصاعد القمع والاستبداد في كثير منها، إذ أن كثيرا من الشعوب العربية ممنوعة من الكلام والتعبير، وتعاقب بالسجن إذا عبرت عن أي موقف مناهض للتطبيع أو داعم للقضية الفلسطينية، كما أن شعوبا أخرى تعاني من جروح ومشكلات كبيرة غير قادرة على حلها فضلا عن دعم القضايا القومية ومن ضمنها قضية فلسطين.

والحال هذه، فإن كل فرد يستطيع أن يقاوم التطبيع وفق الحالة التي يعيشها بلده، ففي الدول التي فيها نوع من الديمقراطية النسبية يمكن أن تشكل الهيئات المقاومة للتطبيع أو تنشط في هذا المجال من خلال الندوات والنشرات والنشاطات الجماهيرية، إضافة لتعرية المطبعين شعبيا سواء كانوا جهات رسمية أو تجارية أو أكاديمية. أما الدول التي لا يسمح بها تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، فإن مقاومة التطبيع يمكن أن تتم عبر "إنتاج المحتوى" بأشكاله المتاحة، سواء عبر منشورات الفيديو أو النصوص المكتوبة في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أو المساهمة في نقاشات حول التطبيع في الفيسبوك وتويتر والاستفادة من المنبر الصاعد حاليا "كلوب هاوس".

أما بعض الدول التي تشتد فيها قبضة الأمن، والتي لا يمكن أن يسمح فيها حتى نشر المحتوى المتعلق برفض التطبيع في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن النشر والكتابة والفيديوهات يمكن أن تتم عبر الأسماء المستعارة ممن يجيدون ذلك، وفي أسوأ الأحوال إذا كان النشر بأي شكل ممنوعا وصعبا فإن العائلة والدائرة القريبة من كل شخص تبقى النواة الأولى لمقاومة التطبيع، لأن الاحتلال وأعوانه و"حلفاءه" يراهنون على تغيير وعي الأجيال الجديدة، وهنا يأتي دور العائلة لمواجهة هذه المحاولات عبر زرع المفاهيم الصحيحة في الأطفال منذ بدء تشكل الوعي لديهم.

الدين مقاومة!

إذا كان دعاة التطبيع يقدمون "التسامح الديني" كمبرر للتطبيع، فإن الرد عليهم يكون عبر تعليم الأجيال الجديدة أن الصراع مع الاحتلال في أساسه ليس دينيا، بل هو صراع مع محتل غاشم طرد شعبا من أرضه وأحل مكانه سكانا آخرين، وقتل وهجر واعتقل، ولا يزال يمارس كل هذه الجرائم منذ الاحتلال عام 1948 حتى اليوم، صحيح أن الاحتلال استخدم شعارات دينية منذ البدايات وحتى اليوم، وصحيح أيضا أن فلسطين تكتسب أهمية دينية كبيرة عند المسلمين والمسيحيين، إلا أن الصراع مع المحتل هو بسبب الاحتلال وليس بسبب دينه.

إن الدين هو عامل مهم في مقاومة التطبيع، ولكن ليس بجعل الصراع مع الاحتلال دينيا، ولكن من خلال زرع حقيقة الدين في وعي الأجيال القادمة. ينطبق هذا على جميع الأديان وليس الإسلام فقط. فإذا كان الإسلام دين ثورة على الظلم فإنه بالتأكيد عنصر مهم في بناء وعي الناس تجاه رفض التطبيع بما يعنيه "جعل الظلم والاحتلال طبيعيا"، أما المسيحية وغيرها من الأديان فهي أيضا تدعو لرفض الظلم وليس كالاحتلال ظلم!

وإذا كانت الأنظمة تفرض سيطرتها على النقاش العام بجميع صوره، فإن المساجد والكنائس تبقى في بعض الدول أو في أجزاء منها مكانا مناسبا لنشر الوعي بين الناس، خصوصا أن رفض الاحتلال والظلم ورفض التعامل معهما كأمر طبيعي عبر "التطبيع" هو من صميم هذه الأديان.

الدين ليس مادة للصراع كما يروج المطبعون، ولكنه مقاومة للظلم، ورفض دائم لكل أشكال التطبيع معه.

الصراع على الرواية

يسعى الاحتلال لتحقيق أهداف عديدة سياسية واقتصادية وأمنية عبر التطبيع، ولكن هدفه الأساسي من التطبيع الشعبي هو نشر "روايته" المزورة عن الصراع، ومن هذه الزاوية نستطيع أن نفهم حرص الاحتلال على تأسيس إعلام باللغة العربية تحديدا منذ عقود، وتعيين متحدثين للإعلام العربي، وتدشين صفحات عربية على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف نشر روايته وجعلها طاغية على التاريخ الحقيقي للصراع.

وبسبب الصراع على الرواية، نستطيع أن نفهم أيضا الهجمة الإعلامية التي رعتها وروجتها الأنظمة العربية التي تهرول للتطبيع، من خلال إعلامها الرسمي أحيانا، أو عبر جيوشها الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي. هذه الهجمة أرادت شيطنة الفلسطيني وتغيير حقيقة الصراع مع الاحتلال، واتهام الفلسطينيين بالعداء للعرب بمقابل صداقة الاحتلال لهم، والهدف من وراء كل هذا الإعلام المزور الموجه هو التهيئة للتطبيع مع الاحتلال دون حدوث ردة فعل شعبية رافضة له.

وانطلاقا من هذا الصراع على الرواية، فإن على من يريد مقاومة التطبيع أن ينشر الحقائق ويعمل على تثبيتها في مواجهة وسائل تواصل الاحتلال وجيوش الأنظمة القمعية الإلكترونية، سواء في بيته أو على صفحاته الإعلامية أو في مسجده أو كنيسته أو في مدرسته أو من خلال منظمات المجتمع المدني، كما فصلنا في المحور الأول من هذا المقال.

ثمة حقائق مهمة يبدو من الجيد استعراضها سريعا في إطار معركة مقاومة التطبيع، وهي حقائق ضرورية في صراعنا مع الاحتلال ودعاة التطبيع على "الرواية":

الصراع بين العرب والاحتلال لا علاقة له بالتسامح الديني، لأن سببه هو احتلال الأراضي الفلسطينية وطرد سكانها بالقوة، وإحلال سكان آخرين بدلا منهم، وهو ما حدث عامي 1948 و1967، ولذلك فإن الصراع لا علاقة له بدين المحتل وإنما بجرائمه.

الفلسطيني لم يبع أرضه، بل إن المؤرخين الصهاينة أنفسهم يعترفون أن العصابات الصهيونية بقيادة بن غوريون عملت بشكل ممنهج على تفريغ القرى والمدن من سكانها عبر الإرهاب والتخويف والمجازر التي يصعب تعدادها لكثرتها.

الفلسطيني صراعه فقط مع الاحتلال، وليس مع الدول العربية، ووجود آراء سياسية لدى فلسطينيين تختلف مع مواقف وسياسات بعض الدول العربية لا يعني العداء معها، بل هو جزء من طبيعة البشر بالاختلاف. الفلسطيني ليس عدوا لأي دولة أو شعب، باستثناء عدائه مع الاحتلال.

قاوم الفلسطيني الاحتلال حتى قبل تأسيس "دولته"، وخاض ثورات عظيمة أهمها ثورات 1920، 1936، حرب 1947-1948، يوم الأرض 1976، انتفاضة 1987، انتفاضة 2000، بالإضافة إلى المقاومة الشعبية المستمرة يوميا بكل الأشكال. ولذلك، لم يتاجر الفلسطيني بقضيته كما يزعم المطبعون، بل دفع ثمنا لمقاومته عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من الجرحى، وملايين المعتقلين عبر سنوات الصراع.

الصراع مع الاحتلال ليس فلسطينيا فقط، بل هو صراع عربي على أرض فلسطين، والاحتلال يهدف بالأساس لتعطيل نهضة العرب وإقامة مشروع نهضوي يضعهم في موقع عالمي متقدم، ولذلك فإن مقاومته ليست فقط لأسباب دينية وقومية وإنسانية، وإنما أيضا لأسباب براغماتية ومصلحية تهم كل مواطن عربي.