من المعروف أن الأحزاب تسعى من خلال المشاركة في معترك الانتخابات للوصول إلى السلطة لتحقيق برامجها ورؤيتها السياسية، وهي الأداة المثلى لترجمة تلك البرامج إلى سياسات عامة للدولة، تنفذ عبر وزارات تتولاها، لتكوِّن إرثاً سياسياً وربما شعبياً، يؤهلها لدخول المعترك الانتخابي والحلبة السياسية من جديد عبر مراكمة الإنجازات.
وبما أن لكل قاعدة استثناء، تبرز الانتخابات الفلسطينية كحالة فريدة (استثناء)، فهي أرض محتلة، لشعب مقهور ومناضل، تتولى إدارة شؤونه سلطة منقوصة على جزء من تلك الأرض، يتلخص مشروعها السياسي بإجراء اتفاق سلام مع الاحتلال، وإقامة دولة على حدود العام 1967، ولم تتراكم الإنجازات على المستوى السياسي إلا بالفشل المتلاحق، تبعه فشل اقتصادي لم يخرج عن ارتباطه بشكل مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، والمساعدات العربية والأوروبية.
بالمقابل لدينا حركة "حماس" التي أحكمت قبضتها على قطاع غزة، مما أدى إلى إحكام الإغلاق على القطاع من مختلف النواحي، منذ فوزها في انتخابات المجلس التشريعي عام 2006 والرفض العربي والدولي الذي واجهته، والذي بدوره لعب دوراً مفصلياً في تشجيع ودعم انقلاب حركة "فتح" على نتائج الانتخابات، ليفرز أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية.
تبين للأسف أن لقاء القاهرة أسند للشارع الفلسطيني حل الانقسام بين فتح وحماس، بمعنى أن صناديق الاقتراع هي الفيصل بين مشروع المقاومة والسلطة
هذان الفصيلان في لحظة عربية ودولية ضاغطة باتجاه ضرورة إجراء الانتخابات تحت طائلة العقوبات، قررا خوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني، تحت عنوان التحضير للخروج بموقف فلسطيني موحد لمواجهة التحديات، والدخول في مفاوضات إسرائيلية عبر إدارة أميركية جديدة، تظن السلطة إلى الآن أنها مختلفة عن إدارة دونالد ترامب المشؤومة.
ولقد خرج الاجتماع الأخير في القاهرة للفصائل بموقف التوافق على إجراء الانتخابات (فتح وحماس)، بخلاف حركة "الجهاد الإسلامي" التي تمنَّعت عن المشاركة في الانتخابات، وعادت إلى موقفها القديم ورؤيتها للانتخابات التي جرت عام 2006 وتتلخص في أن هذه الانتخابات تجري تحت مظلة أوسلو والاعتراف بشرعية الاحتلال الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يفتقد الحرية والتمتع بالسيادة على أرضه.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل حركة "الجهاد الإسلامي" تمارس سياسة مثالية، أو ربما شعبوية، فهي أولاً وآخراً حركة مقاومة عن الشعب الفلسطيني وتمارس العمل السياسي، فلماذا تحرم نفسها من كعكعة السلطة؟
في اللقاء الأخير الذي أجراه أمين عام حركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة على فضائية "فلسطين اليوم" أوضح أنّ الحركة ذهبت هذه المرة إلى لقاء القاهرة بقلب مفتوح ومن غير مواقف مسبقة، وكان لديها النية الجدية بدراسة الدخول لمعترك الانتخابات، إلا أن مواقف رئيس السلطة التي تنكرت لمخرجات لقاء الأمناء العامين الذي انعقد في بيروت في أوائل يوليو/ تموز العام الماضي، بعودة التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإبداء الرغبة بالعودة إلى المفاوضات بعد فوز جو بايدن، تبعها عدم رغبة الفصائل المجتمعة في القاهرة مؤخراً الاتفاق على برنامج وطني موحد، أدى بحركة الجهاد للعودة إلى تراثها السابق الذي بنت عليه موقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات.
فما خطورة عدم الاتفاق على برنامج سياسي موحد؟
لقد تبين للأسف أنّ لقاء القاهرة أسند للشارع الفلسطيني حل الانقسام بين "فتح" و"حماس"، بمعنى أنّ صناديق الاقتراع هي الفيصل بين مشروع المقاومة والسلطة، لكن لا أحد يعلم وهذه هي الطامة، ماذا سيجري في اليوم التالي بعد صدور نتائج الانتخابات. وبالرغم من صدور تصريحات تعبر عن احترام نتائج الانتخابات لفظياً، إلا أنّ السيناريو الانقلابي عام 2006 ليس ببعيد في حال فوز "حماس"، خصوصاً بعد تفلت بعض الدول العربية من عقالها نحو التطبيع، ومدى قدرة "حماس" في حال فوزها على تشكيل حكومة بمفردها من غير مشاركة حركة "فتح"، خصوصاً أن الأمين العام لحركة الجهاد ألمح أنه في هذه الحالة فإنّ "فتح" ستترك "حماس" لمصيرها المجهول.
بالمقابل تطرح تساؤلات كثيرة ليس عليها إجابات في حال فوز حركة "فتح"، عن مشاركة "حماس" في حكومة ستتولى المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي وقدرتها على تقديم تنازلات، وكيف ستتولى السلطة الفلسطينية القطاع من "حماس"، والسؤال الأبرز ماذا عن سلاح المقاومة؟
لقد اختارت حركة "الجهاد الإسلامي" موقفاً محايداً في الظاهر، إلا أنها أرادت بموقفها تجنيب نفسها والساحة الفلسطينية خلافات وويلات جديدة، فلقد حاولت بكل جهدها عدم تأجيل الاتفاق على برنامج سياسي موحد يجنب الساحة الفلسطينية أزمات متعددة، ربما ليس ببعيد عن سيناريو عام 2006، إلا أن طرحها لم يلق استجابة، وبقدر ما لم يخفِ الأمين العام للحركة موقفه من فوائد سيطرة "حماس" على القطاع وعوائده الإيجابية على المقاومة، إلا أنّ "حماس" فعلاً في مأزق حقيقي لكيفية مواجهة أحداث ما بعد الانتخابات.
ربما يعتبر موقف "الجهاد الإسلامي" مثالياً، ففوائد الدخول إلى السلطة عديدة، لكن في الحالة الفلسطينية مع غياب برنامج موحد، يلخصه موقف واقعي لزياد النخالة "لا نريد الذهاب إلى معركة داخلية، ولا نريد الاختلاف مع الناس".