د. ناجي صادق شراب
قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل عاصمة بلاده للقدس والاعتراف بها عاصمة ل«إسرائيل»، متحدياً بذلك كل قرارات الشرعية الدولية، وكل التحذيرات بالضرر الذي يلحق بالمصالح الأمريكية في المنطقة، لا يمكن فهمه إلا في سياق الانتخابات الأمريكية، ورغبة كل رؤساء أمريكا بالترشح للرئاسة لفترة ثانية.
فمنذ اليوم الأول الذي يحتفل فيه الرئيس الأمريكي بتوليه منصب الرئاسة يفكر كيف يضمن أن يفوز بالفترة الثانية، خصوصاً وأن فترة الرئاسة بمعايير الزمن قصيرة أربع سنوات، والسياق الثاني يرتبط بالفكر والعقيدة الإيديولوجية التي تحكم السلوك السياسي للناخب الأمريكي. ولعل أحد أهم محددات السلوك السياسي الانتخابي في الولايات المتحدة هو الدين، والانتخابات في أمريكا تحكمها الاعتبارات والقضايا الداخلية أكثر من الخارجية، وهذا نراه في انتخابات الكونجرس تحديداً، وأخيراً في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس ترامب.
واستناداً لأحدث استطلاعات الرأي في أمريكا أجراه معهد بيو للأبحاث أن 75 في المئة من الأمريكيين يقولون إنهم يتحدثون إلى الله، و56 يؤمنون بالله كما هو منصوص في الكتاب المقدس، بما يعنى أن للعهد القديم تأثيره الواضح في القناعات والمدركات السياسية للناخب الأمريكي، وتحديد اختياراته وتفضيلاته. وملايين الإنجيليين ويزيد عددهم على الستين مليوناً لديهم قناعات راسخة بأن عودة المسيح المنتظرة مرتبطة ومرهونة بعودة اليهود للقدس، وأنهم يتعجلون هذه العودة بهذا الاعتراف، وبقيام «دولة إسرائيل الكبرى»، ثم يهودية «إسرائيل». ويمثل هؤلاء الإنجيليون حوالي 26 في المئة من عدد سكان الولايات المتحدة، و81 في المئة منهم أعطوا صوتهم للرئيس الأمريكي ترامب، و82 في المئة منهم يؤمنون بأن الله أعطى فلسطين هدية للشعب اليهودي! إذن المسألة لاهوتية دينية أكثر منها سياسية.
ومن أكثر المؤيدين والمؤمنين بهذه العقيدة نائب الرئيس الأمريكي بينس الذي يلعب دوراً مهماً في تحديد قرارات الرئيس الأمريكي، ولعب دوراً في قرار نقل السفارة واعتبار القدس عاصمة ل«إسرائيل». والمفارقة هنا أن الرئيس ترامب ليس شخصية متدينة، بل هو أكثر واقعية، بل شخصية تجارية تحكمها المكاسب، والمكاسب هنا سياسية، لضمان تأييد الناخبين.وعند الوقوف عند جانب من جوانب محددات السلوك السياسي للرئيس ترامب يتضح أنه يريد أن يظهر بأنه الرئيس الوحيد الذي صدق في وعوده الانتخابية، وهنا التأثير في السلوك السياسي للناخب الأمريكي وخصوصاً من هؤلاء الإنجيليين، إلى جانب الشعبوية الجديدة، وكأنه هنا يعقد صفقة مع الناخب الأمريكي مفادها «أعطيك ما تريد مقابل صوتك الانتخابي، وأنا القادر على تحقيق ذلك».
ومما يزيد من تأثير هذه الشريحة هو علاقتها الحميمة باللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، والذي نجح في توظيفها للتأثير في القرار السياسي الأمريكي بمستوييه الرئاسي والتشريعي.
الملاحظ هنا هو تأثير العامل الديني المرتبط بالرغبة في الفوز بالرئاسة لمرة ثانية في قرار الرئيس ترامب، والذي تجاوز كل المصالح الأمريكية في المنطقة، وكل الأصوات والتحديات لقراره، لأنه لا يرى إلا منصب الرئاسة الثانية.