علاء سراحنة
الأسير العرمي والشهيد أبو ثريا.. ارتباط الصورة ووحدة الأرض والمصير
لعل المتتبع للأحداث الاخيرة طالع عناوين عدة وفقد أثر عناوين أخرى، إلا أن صورة واحدة من بين تلك الصور الكثيرة التي خرجت من قرية دير جرير قضاء رام الله، جسدت الصورة الحقيقية للشعب الفلسطيني بمقاومته الجدية وغير المزيفة كما يدعي البعض، الصورة التي التقطت بعيداً عن الانبطاح السياسي والتطبيع العربي المهرول الى سراب زائل، قد أعادت المعادلة إلى الواجهة، وأُفهمت جيدا حينما امتشق الشيخ المسن الحاج ( سعيد العرمي ) صاحب الواحد والخمسون عاماً مقلاعه وحجارته المقدسة في دير جرير، وبدأ يمطر جنود الإحتلال بحجارته، ليذكرنا بصورته التي سرعان ما كانت من أبرز العناوين في الصحف والمجلات الدولية وعبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، بل أعادت بنا و بأذهاننا إلى صورة الشهيد إبراهيم أبو ثريا والذي استشهد في الخامس عشر من شهر ديسمبر عام2018 في مسيرات العودة بقطاع غزة، لتقابل الصورة الصورة كما يمتزج الدم الدم في كل المواجهات الشعبية والتي تقارع الاحتلال من نقطة الصفر على سواء على السياج الحدودي بين أراضي قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، أو في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.
هو المشهد ذاته الذي يتكرر ولربما من بين ألاف الصور والمقاطع التي يتم إخفائها قسراً من قبل الإحتلال ليطمس أعين العالم عن المشهد الفلسطيني وكيف يتجذر في أرضه ويأبى أن تخلع جذوره الممتدة عبر ألاف السنين وعبر حضارته الكنعانية وقدسيته منذ الأزل .
اليوم وفي ظل السكوت والخنوع وفي محاولة أخرى من قبل الإحتلال يعتقل الشيخ المسن ( العرمي ) ويتم زجه في سجون الاحتلال، التي غيبت ألاف من المناضلين والمجاهدين داخل أقبية سجونه، ليمنع حتى الكلمة والصورة في محاولته المستمرة بشتى الطرق إسكات صوت الحق ومنع وصوله الى العالم اجمع، ولكن الإحتلال لا زال يجهل حقيقة الشعب الفلسطيني والذي تربى وعاش على يقين مترسخ بأن أصحاب الحق هم فقط من يمتلكون حق الإرادة وحق تقرير المصير وحقهم في العيش الكريم، لأن كما يقول المثل العربي "لا يضيع حق وراه مطالب" فهذا "العرمي" وتد الخيمة الفلسطينية في مطالبته والدفاع عن أرضه.
الحاج سعيد العرمي مثله كباقي المعتقلين دون تهمة سوى مقاومته للاحتلال و مقارعته لبطش جنوده ومن أجل حماية حباة الرمل التي ضحى من أجلها الشهداء وهي اللغة التي لا يفهمها سوى من هم أمثال الحاج العرمي وشاكلته من كبار السن، الذين لم يمنعهم من مقارعة الاحتلال ومستوطنيه الذين لم يتوقفوا عن إنتهاك حرمة أراضي قرية دير جرير وغيرها من الأراضي التي يحاولون بسط سيطرتهم عليها.
بلغة الصمود يتحدث
قال مدير نادي الأسير الفلسطيني في الخليل أمجد النجار، إن دور الشيخ العرمي في قيادة المقاومة الشعبية بمقلاعة وحجارته أحرج كل أصحاب المقامات والزعامات بل وأحرج رؤوساء الدول التي تمتلك الجيوش والأسلحة والعتاد التي صدأت في مخازنها.
ووصف النجار في حديثه معنا، صلابة الشيخ العرمي داخل زنزانته، وكيف يقف اليوم وجهاً لوجه متحديا المحققين متمسكاً بحقه الطبيعي والمشروع في الدفاع عن أرضه وعرضه وعن القرى التي ترزح تحت ما يسمى بأراضي " ج " تلك المسميات التي أطلقها الاحتلال إبان إتفاق أوسلو
ينتظر الشيخ سعيد العرمي 51 عاماً البدء في مشواره بين تنقل سيارات ما تسمى بمصلحة سجون الإحتلال و سيتكرر مشهد المحاكمات الصورية بعيداً عن عدسات الكاميرات وبعيداً عن المدافعين عن حقوق الإنسان في محاولة لكسر الإرادة لدى الشيخ المسن مثله كباقي الأسرى الذين يذوقون الويلات بين محاكم الإحتلال الصورية.
أذا الشعب أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر
هي أبيات شعرية تمثل كل الواقع الذي نعيشه في هذه الأيام ولعل تلك الكلمات تخرج من أفواه الألاف من أبناء هذا الشعب المتعطش لكل معاني الحرية والعيش الكريم، بالوقت الذي كان الكل يعول وينتظر نصراً قريباً وملاقاة الجيوش العربية قد خسر الرهان عليهم وبقيت الأمال المعلقة فقط بالله عز وجل والمقاومة التي انتصرت بفضل الله على كل هذه أعتى قوة احتلالية في هذا الزمن.
لا بد أن نلفت ختاما، أن المقاومة الشعبية وكذلك المسلحة إذ أردتم أيضا، محفوظة ومشروعة لنا كفلسطينيين نعيش في الضفة الغربية المحتلة وفقا للقانون الدولي، الذي يعتبر الاحتلال محتلا لأراضي الضفة والتي لا تقع ضمن اعترافهم المشين في "إسرائيل" القائمة أيضا على أراضينا عام 1948؛ ورغم أن هذا الحق المشروع إلا أن الاحتلال لا زال يسلبه منا ويحاكمنا عليه أمام هذا العالم الذي لا يحترم إلا لغة القوة.