بقلم د. عبد الستار قاسم
لم أكن أتوقع أبدا أن السلطة الفلسطينية ستستمر في وقف التنسيق مع الكيان الصهيوني ذلك لما يلي:
ـ حصل أصحاب السلطة على امتيازات ونعم من قبل الصهاينة والأمريكيين وبعض العرب، وأصبحت حياتهم أكثر نعومة واسترخاء وراحة.
ـ تولدت لأهل السلطة على مدى سنوات أوسلو مصالح، وأغلبها مرتبط بالكيان الصهيوني، ولم يكن من المتوقع أن يضحوا بمصالحهم مقابل جفاء مع الصهاينة. مصالحهم الشخصية فوق مصالح الوطن.
ـ الصهاينة يمسكون بكثير من التصرفات الشائنة والبغيضة للعديد من أهل السلطة، وهؤلاء يخشون الفضائح أكثر مما يخشون سوء الأحوال المعيشية للفلسطينيين.
ـ لم تتخذ السلطة الفلسطينية قرارا بقطع العلاقات مع الصهاينة، وإنما قررت تجميد العلاقات فقط. ومصير المجمد أن يتحول إلى سائل والسائل إلى الحالة الغازية.
الأمناء العامون للفصائل لم يقرأوا الدرس جيدا، وكعادتهم، تجرهم معرفتهم الضئيلة بربط العلاقات الجدلية إلى مصائد يندمون عليها ويضطرون للبحث عن تبريرات لها. كان الأولى بأمناء الفصائل أن يضعوا بداية جدول أعمال لاجتماعهم مع جماعة عباس، وأن يدونوا المبادئ الأساسية التي يجري الحوار الداخلي الفلسطيني وفقها. هم فقط ذهبوا إلى الاجتماع مثلما يفعلون كل مرة.
لم يعرف الشعب الفلسطيني التزاما قياديا أخلاقيا، والكثير من السياسات كانت ارتجالية فهلوية غير مدروسة، وسرعان ما كانت تنقلب على رأس الشعب الفلسطيني كما هو الحال في اتفاق أوسلو المشؤوم.
والشعب الفلسطيني بات يحفظ الدرس جيدا. يجتمع مسؤولو الفصائل ويتبادلون الكلام اللطيف الذي يركز على الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وضرورة العمل الجماعي لمواجهة الصهاينة والمخططات الأمريكية. ويصدر بيان ختامي يمني الشعب الفلسطيني بقرب تغيير الأوضاع والأحوال، وانتهى. لا يرى الشعب الفلسطيني ترجمة لما يتم الاتفاق عليه، وتعود الفصائل إلى منازعاتها الكلامية بعد فترة قصيرة من اختتام جولة الحوار وإصدار البيان، وتتراجع الأماني وتنهار التمنيات. وبهذا تتدهور معنويات الشعب الفلسطيني بالمزيد. أي أن اجتماع الفصائل يتمخض عن مزيد من الإحباط.
صدر بيان عن اجتماع الأمناء العامين الذي عقد في بيروت في 4 أيلول (سبتمبر) 2020. كان البيان ساذجا ويعبر عن مراهقة سياسية، ولم يكن من المتوقع أن ينجم عنه نتائج يرى الشعب الفلسطيني ترجمة لها على الأرض.
نذكر جيدا كيف أن منظمة التحرير الفلسطينية توصلت إلى اتفاق مع الصهاينة في أوسلو في الوقت الذي كان فيه وفد فلسطيني يفاوض الصهاينة في أمريكا. قاد اتفاق أوسلو ثلاثة فلسطينيين فقط وفرضوه على الشعب الفلسطيني أمام سمع وبصر الفصائل الفلسطينية. وقد سمع وفد أمريكا عن الاتفاق عبر وسائل الإعلام، ولم يكن على اطلاع بما كان يجري في أوسلو. كان ذلك عملا لا أخلاقيا بامتياز. المنظمة ترسل وفدا إلى أمريكا ولا تقيم له أدنى وزن أو احترام، وكان على ذلك الوفد أن يجول بنظره إلى الأرض دون النظر إلى وجوه الناس، وأن يرخي أذنيه متدليتين في ذل وهوان.
ذات الشيء يتكرر مع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية. تم اتفاق على بيان هزيل مع الأمناء العامين وزفوا جميعا البشرى للشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت كان يجري حوار بين فتح وحماس في القاهرة من أجل المصالحة.
وفجأة تعلن السلطة إعادة العلاقات وتزف انتصارا جديدا للشعب الفلسطيني. لا الانتصار كان غريبا لأن كل هزائمنا وتراجعاتنا انتصارات، ولم يكن طعن الأمناء العامين غير اعتيادي. هكذا امتدت سياسات القيادات الفلسطينية عبر عشرات السنوات. لم يعرف الشعب الفلسطيني التزاما قياديا أخلاقيا، والكثير من السياسات كانت ارتجالية فهلوية غير مدروسة، وسرعان ما كانت تنقلب على رأس الشعب الفلسطيني كما هو الحال في اتفاق أوسلو المشؤوم.
وبعد إعادة العلاقات مع الصهاينة، ماذا نقول للشعوب العربية والإسلامية التي تؤيدنا وتقف معنا وترفض التطبيع ولديها الاستعداد للزحف إلى غزة لقتال الصهاينة؟ ماذا نقول لشعب الكويت والأردن ومصر وباكستان وإيران والجزائر وتونس والمغرب ولبنان وسوريا والعراق؟ قيادات متخاذلة تخذل شعبها باستمرار. ولا نملك إلا أن نقول لشعوبنا العربية والإسلامية أن اصبروا معنا فالظلام إلى زوال مهما طال فيه الزمان.