يأتي الاتفاق الإماراتي الصهيوني لاستكمال تنفيذ مخطط الحركة الصهيونية التي عملت منذ نشأتها على تشريد الفلسطينيين لإقامة الدولة اليهودية والاستفراد بالشعب الفلسطيني ضمن مشروع تصفية القضية الفلسطينية من خلال التطبيع مع العرب والضغط على الشعب الفلسطيني وإجباره على الرضوخ والاستسلام.
أنقذت الإمارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في وقت واحد، ورمت لكلّ منهما حبلاً وانتشلتهما من البئر بعد أن كانا يلفظان أنفاسهما السياسية الأخيرة.
فالأول نتيجة سياساته المتعجرفة داخلياً وخارجياً، وكما هو معروف، كانت شعبيته، حسب استطلاعات الرأي، تنحدر بشكل كبير، وقد فقد الحزب الجمهوري نفسه الأمل في نجاحه حتى أنه فكّر بشكل حقيقي في استبداله، لكن الاتفاق الصهيوني الإماراتي أظهره كرجل محنّك قوي قادر على صنع السلام، ومن المرجّح أن يعود إلى المشهد السياسي الدولي وإلى سدة الحكم مرة أخرى، هكذا هي الأدوات تستخدم كأوراق ناجحة وقت الطلب.
أما الثاني، أي نتنياهو المتطرف اليميني المجرم قاتل الشعب الفلسطيني والفاشل الصهيوني، وبعد أن كان على وشك الانهيار من خلال فكّ تحالفه مع غانتس وتقديمه للمحاكمة وتصاعد وتيرة المعارضة لسياساته نتيجة الخلاف الجدّي على الموازنة وكورونا وتصاعد الاحتجاجات في الشارع الصهيوني وغير ذلك، جاء الاتفاق ليظهره كبطل داخل مجتمع دولة الاحتلال، بتطبيق وعوده بخصوص ما صرّح به عقب الانتخابات، حيث قال بشكل علني خلال مؤتمر صحافي: “قلت لكم إنني لن أعود إلى حدود 67 وسأعمل على سلام مع الدول العربية من دون الفلسطينيين”، وبالفعل حقق نتنياهو ما وعد به لأنه يثق بما حققته الصهيونية من اختراق داخل المنظومة العربية، حتى أصبح عدد كبير من حكامها قطع شطرنج تستخدم وقت الحاجة لتحقيق لعبة ذكية لتقول للجميع “كش ملك”. لقد أظهر نتنياهو أنه يعمل لصالح الدولة الصهيونية وأظهر تفوّقاً غير عادي، وصار مزهواً بانتصاراته لدرجة أنه بدا كأنه بطل المرحلة الصهيونية وقام بإنجاز الاتفاق مع الإمارات.
أما الإمارات فهي ضمن لعبة التآمر منذ فترة طويلة وقد قدمت خدمات كبيرة للكيان الصهيوني على مستوى الملاحة البحرية والدعم العسكري والاقتصادي، ولكنها اليوم تُمارس بهذا الاتفاق لعبة مقايضة مع الأميركيين، أيّ التطبيع و”السلام” مع الصهاينة مقابل غضّ الطرف الأميركي والعالمي عن الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الإمارات في اليمن وشرعنة احتلالها جزيرة سقطرى اليمنية والموانئ اليمنية الأخرى، وبالتالي تأمين بقاء عمل الموانئ الإماراتية والحفاظ على اقتصادها وإبقاء سيطرتها على عدد من موانئ البحر الأحمر وتعطيل دور ميناء عدن.
ليس الاتفاق الإماراتي – الصهيوني كسواه من الاتفاقيات المعقودة مع العرب، إنما ينص على تطبيع كامل للعلاقات، ما يجعله أخطر من اتفاقيات “كامب دايفيد” بين مصر والصهاينة و”وادي عربة” مع الأردن، إذ لم تنص الاتفاقيات المذكورة على التطبيع الكامل والشامل، كما نص الاتفاق مع الإمارات.
إنّ توقيت إعلان الاتفاق في هذه المرحلة الخطيرة جداً وفي وقت يعاني الوطن العربي حالة تمزق وحروب وخلافات داخلية وخارجية وحالة من الانهيارات الاقتصادية والسياسية، يؤشر إلى أنّ دول الخليج لا تريد أن تصنع مع الكيان الصهيوني المجرم سلاماً فقط، بل تريد أن تبني علاقات طبيعية معه، بل أصبحت في حالة سباق في ما بينها لاسترضائه، وأكثر من ذلك فهي تريد بناء علاقات مع أشخاص أكثر تطرفاً مثل ترامب ونتنياهو.
لقد أصبحنا أمام ثلاثة محاور كبرى تتصارع في المنطقة ولم يعد الصراع عربياً صهيونياً، بل صراع بين محور مقاوم بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور متصهين بقيادة الولايات المتحدة الأميركية و”إسرائيل” والمحور الثالث المتطرف المتزعّم للإخوان وبقية الحركات الإرهابية بقيادة تركيا وقطر، وهذا المحور هو الأكثر قرباً للمحور الأميركي الصهيوني، وإنْ اختلف بشكل غير مباشر مع بعض مكوناته، وقد أصبحت المنطقة على فوهة بركان قد يشهد انفجاراً كاملاً في أي لحظة.
*السفير اليمني في دمشق